فتاوى مهمة لمواقع الانترنت ..!
هل تدمير أو اختراق مواقع وسيرفرات المواقع الإباحية والشاذة - أعاذنا الله منها - هل هو حرام أم حلال ؟
الحمد لله
إنَّ مِن عظيم ما ابتُلي به الناس في هذه الأزمان ، وتفردوا به عن سائر القرون الماضية ، ما يرونه ويشاهدونه من انتشار العري والتهتك والإباحية ، وألوان الشهوة التي لا يردعها خُلُق ولا حياء ولا دين ، حتى غدت أجساد النساء أرخص سلعة ، وأهون بضاعة ، ولم تكد بيوت المسلمين تسلم من شررها ولا خطرها ، فهي موجودة في التلفاز والإنترنت وفي الشوارع والطرقات وفي الكتب والصحف والمجلات والجوالات ، تتنافس في قلة الحياء وتتسابق إلى استحواذ قلوب الناس والتأثير فيها .
ولعل مِن أعظمها خطرا وأشدها ضررا مواقع " الإنترنت " الإباحية ، لسهولة الوصول إليها ، ولكثرتها وتنوعها وزيادة أعدادها المخيفة ، مما ينبئ عن خطر عظيم يهدد البشرية كلها ، حين تغدو الخطيئة ديدنها ، وتضيع قيم الحياء والعقل والإيمان في أودية الفاحشة ، فلتستعد حينئذ للعقاب الإلهي أو للهلاك الكوني الذي تقضي به سنة الله لكل من انحرف عن الفطرة وأوغل في الطغيان .
يقول الله عز وجل : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/41 .
ولما جاء الإسلام داعيا إلى الإصلاح والتطهير ، أوجب على كل من التزمه وآمن بمبادئه السعي الجاد في تخليص الناس من الشر وتحذيرهم منه ، في مبدءٍ عظيم من مبادئ هذا الدين " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، والذي هو واجب شرعي على جميع المسلمين ، كلٌّ بحسب موقعه وقدرته .
وليس لأدوات الفساد حرمةٌ في الشريعة الإسلامية ، بل ولا تعترف الشريعة بماليتها ، فهي موادٌ مُهدَرَةٌ ، حقُّها الإتلاف ، وفرضها التدمير والإهلاك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (28/113) - :
" المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها ، مثل الأصنام المعبودة من دون الله ، لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها ، فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها ، وكذلك آلات الملاهي : مثل الطنبور ، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عن أحمد ، ومثل ذلك أوعية الخمر ، يجوز تكسيرها وتخريقها ، والحانوت الذي يباع فيه الخمر ، يجوز تحريقه ، وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم ، واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي وقال : إنما أنت فويسق لا رويشد.
وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر بتحريق قرية كان يُباع فيها الخمر . رواه أبو عبيدة وغيره ؛ وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية ، وهذا أيضا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما " انتهى .
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (36/34) .
ولكن الذي نراه في شأن المواقع الإباحية أنها مسؤولية الدولة والمؤسسات العامة والمراكز المتخصصة ، وليست مسؤوليةً فردية ، ونرى أن الخطر الذي قد تجره هذه المواقع على أفراد المسلمين الذين يحاولون تدميرها وإفسادها – ولو بلغوا من الإيمان والتقوى مراتب عالية - أعظم من قدر الجهد الذي يبذلون ، والنتائج التي يحصلون ، وذلك أنه ليس بوسع أحد اليوم القضاء على جميع المواقع الفاسدة ، ولا حتى على معشار معشارها ، فالعلاج سيكون باتخاذ وسائل الحذر والحماية العامة ، بحجب المواقع الفاسدة في الدول الإسلامية ، وتطوير البرامج لمراقبة هذا الحجب ، ونشر الوعي والحذر العام ، وهذه جهود لا تستطيعها إلا المؤسسات والدول ، وليس الأفراد الذين يقعون ضحية عاطفتهم نحو التغيير ، فيتعلق في قلوبهم من مفاسد هذه المواقع ما لم يكن بالحسبان ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (39923) كي يكون المسلم على حذر ، فلا يفقد شيئاً من دينه وخلقه ، في سبيل تحقيق حلم بعيد المنال.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/121-122) :
" على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة ؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعدا عن الفتنة ومواقعها ، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء .
ويجب على مَن وَلاَّه الله على أي من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين ، وأن يجنبهم الفساد وأهله ، ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع ، وكف شرها عنهم ، وهذا من نصر الله ودينه ، ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض ، كما قال الله سبحانه : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج/40-41 .
والله أعلم .