مفكرة الإسلام : مرة أخرى يثبت لنا التاريخ أنه يعيد نفسه، بل وأكثر من ذلك يثبت لنا التاريخ ويؤكد أن ضغطة القهر تخلف انفجارا متشابها يتلظى به الاحتلال الأمريكي هنا أو هناك.. من مقديشو إلى الفلوجة .
من 'مقديشو' 1993 إلى الفلوجة 2004 فارق زمني يبلغ عشرة أعوام أو يزيد، ولكن تتكرر الأحداث بنفس القوة والعنفوان، وكأن درس نيوتن لم يعيه الأمريكان أبدا رغم تتابع السنين فرد الفعل نتيجة طبيعية أو لنقل متوقعة ـ وإن لم تكن أحيانا مبررة ـ لفعل القهر الذي يمارسه الاحتلال الأمريكي ضد هذه الأمة.
صور الأمريكيين الأربع المحترقة والمعلقة على جسر الفلوجة، كانت كفيلة بأن تختصر هذا الفارق الزمني لتعود بالأمريكيين في لحظة واحدة إلى 'مقديشو' وإلى عملية 'إعادة الأمل' في عهد 'جورج بوش الأب' – كما تتشابه الأسماء والأفعال تتشابه المقاومة – وقتها شاهد الأمريكيون جنودهم وهم يقتلون في شوارع مقديشو، وشاهدوا واحدا منهم قد ربط في سيارة وتم سحله في شوارع مقديشو كان هذا المشهد كفيلا بأن يصدر البنتاجون أوامره بالانسحاب من هناك قبل أن يتم سحل البقية، وكان هذا المشهد كفيلا بإسقاط بوش الأب العائد لتوه من انتصاره في حرب الخليج الثانية .
ويبدو أن ما حدث يوم الأربعاء 31 مارس 2004 في الفلوجة من سحل لأربعة من المواطنين الأمريكيين سيكون كفيلا هذه المرة بتحرير العراق، ومع قرب الانتخابات الأمريكية فلن نستبعد أن يكون كذلك كفيلا بإسقاط بوش الابن ليلحق بأبيه .
'الفلوجة' .. لم تكن يومًا محتلة:
على الرغم من أن ما حدث في الفلوجة لا يحتاج إلى كثير عبارات وتفاسير وبيان إلا أننا لا نستطيع أن نفصل ما حدث يوم الأربعاء عن ما كان يجرى منذ أيام وأسابيع وشهور في الفلوجة، وبالتحديد منذ الهجوم النوعي الفريد الذي شنه مقاومو الفلوجة على مركز المدينة وعلى أقسام الشرطة فيها، ثم ما تبع ذلك من مواجهات شرسة مع قوات الاحتلال التي تبذل قصارى جهدها في التكتم عليها .
إننا لا نستطيع أن نفصل ما جرى في الفلوجة مؤخرا عن قصة البداية بعد سقوط بغداد، فإن ما حدث في الفلوجة هو تدرج منطقي لعملية التحرير التي يقودها أهالي الفلوجة والتي تصاعدت في الأيام الأخيرة، حتى كشفت بعض الصحف عن مقتل قائد قوة 'المارينز' في منطقة الفلوجة 'الحياة اللندنية الأربعاء 31 مارس 2004] ، ومع ما صاحب من سقوط العديد من الجنود الأمريكيين قتلى وإحراق سياراتهم وهو ما دفع قوات الاحتلال إلى الاعتراف بان الفلوجة لم تكن محتلة، فقد اعترف الجنرال مارك كيميت الناطق باسم جيش الاحتلال الأمريكي في العراق أن منطقة الفلوجة ليست تحت السيطرة الكاملة للقوات الأمريكية .
لذلك فإن ما حدث يوم الأربعاء في الفلوجة إنما هو تجسيد لهذه المقاومة ولهذا التحرير، فمنذ أسابيع وشهور وقوات الاحتلال لا تستطيع دخول المدينة، وتكتفي فقط بالسير على الطرقات الخارجية، وإذا ما حاولوا الدخول كان نصيبها الضرب والطرد وهذا ما حدث يوم الأربعاء دخلت قافلة أمريكية مكونة من سيارتين ولا يهم هوية من فيهم لأنها كانت محملة بالأسلحة والذخائر، فقام مقاومو الفلوجة بإيقاف السيارتين وأطلقوا عليها النيران حتى اشتعلتا، وإلى هذه النقطة كان الأمر يعتبر عاديا هجوم من هجمات المقاومة اليومية، ولكن ما تبع ذلك هو الذي أثار أمريكا وأثار وسائل الإعلام الأمريكية حيث قام سكان الفلوجة الغاضبون بسحب جثتين متفحمتين من العربتين اللتين احترقَتَا، وانهالوا عليهما بالفؤوس، وعلقوهما من أقدامها من جسر قريب ورشقوهما بالحجارة' .
لو كان الأمر انتهى عند احتراق العربتين لكان الأمر عاديا ولخرجت قوات الاحتلال تحمل 'الإرهاب' المسؤولية ولتعهدت بالقضاء عليه، ولكن ما حدث فاق كل ذلك .. ما حدث هو إعلان لانتفاضة مسلحة من الشعب العراقي ضد قوات الاحتلال ..
ما حدث هو رسالة أراد الشعب العراقي إيصالها إلى الشعب الأمريكي هذه الرسالة مفادها أن هذه المشانق والفؤوس هي الزهور والورود التي نستقبل بها قوات الاحتلال وجنود التحالف، ما حدث لخصته وسائل الإعلام الأمريكية قائلة :'إن هذا العمل يؤكد أننا لا نزال بعيدين جدا عن السيطرة على قلب وعقل الإنسان العراقي بعد سنة من الاحتلال والمحاولات المتكررة لإيجاد طريقة للوصول إلى قلوب العراقيين'، وقالت إذاعة أمريكية أخرى: 'إن ما حدث في الفلوجة يشير إلى مدى الكراهية التي استطاع الاحتلال الأمريكي غرسها في نفوس أبناء الشعب العراقي مضيفة إن الشعب العراقي يكره الاحتلال ويريد التخلص منه وسيستمر في القتال ضد قوات الاحتلال مهما كانت الظروف'.
'الصدمة والرعب' على الطريقة العراقية :
منذ ما يزيد عن العام بقليل بدأت أمريكا عدوانها على العراق، وكان جوهر الخطة العسكرية التي وضعها وزير الدفاع الأمريكي 'رامسفيلد' هي 'الصدمة والرعب'، وبرغم الامكانات العسكرية الأمريكية الضخمة إلا إن عرض صور عدد قليل من الأسرى الأمريكيين في بدء الحرب مثّل صدمة للأمريكيين فاقت صدمة رامسفيلد، وبعد مرور عام من العدوان ومع احتفال الأمريكيين بسقوط بغداد، طبق العراقيون ولمرة أخرى 'الصدمة والرعب' ولكن على الطريقة العراقية .
إن من تسنى له أن يتابع وسائل الإعلام الأمريكية وهي تغطى خبر هذه الهجمات، ويراها وهي تركز وبشدة على 'سحل' الأمريكيين لأدرك كيف أن هذه المشاهد كفيلة بإخراج الأمريكيين ليس من العراق فحسب بل من العالم كله .
لقد سارعت وكالة الاسوشيتدبرس – وهي عند الأمريكيين بمكان- ، سارعت لنقل الحدث بمشاهد حية، وكان تعليقها مختصرا .. هل تتكرر أحداث الصومال في العراق؟.. تعليق مختصر ولكنه يحمل معان ضخمة ومعبرة جدا ..
أما صحيفة نيويورك تايمز المقربة من البيت الأبيض فكان تعليقها .. هل هذا ما حققته قوات الاحتلال في العراق؟ .. وهو تعليق يشكك وباختصار في بقاء بوش في البيت الأبيض بعد هذه المشاهد، التي لم تجد الإدارة الأمريكية لها حلا سوى أن تمنع عرضها بعد ذلك، مثلما حدث في بدء الحرب عندما منعت عرض صور الأسرى الأمريكيين .
منقول للكاتب : وليـــــد نور
walidnour@gawab.com