على مَدار تاريخ العلاقات السوريَّة - الإيرانيَّة نجدُ أنَّ اللاعب الأساس في العلاقات بين البلدَيْن هي إيران، وأنَّ سوريا لا تُمثِّل أكثر من
حليفٍ إستراتيجيٍّ يجبُ أنْ يكون بجانبك طوال الوقت، حيث لا تستطيعُ أنْ تستَغنِيَ عنه، بل إنَّ الهدَف أنْ يصيرَ طوع يدَيْك على
غِرار حزب الله في لبنان، فمن تَحالُفات مصالح سياسيَّة واقتصاديَّة مع إيران، إلى تحالُفٍ إستراتيجي وَثِيق قائم على التَّوازُنات الإقليميَّة،
إلى ارتِفاع الحضور الإقليمي لإيران والتَّراجُع النسبي لسوريا لدى السياسة الخارجيَّة الإيرانيَّة.وازدادَتِ الهوَّة اتِّساعًا، ابتِداءً من الاحتِلال الأمريكيِّ لأفغانستان، ثم احتلال العراق 2003 ليقلب التَّوازُنات في المنطقة رأسًا على
عَقِبٍ، وليبرز تَناقُضات حتى في التَّحالُف الإيراني - السوري، فبعد سُقوط صدَّام حسين، وسُقوط العراق في المستنقَع الأمريكي -
الإيراني، بدَا الأمر وكأنَّ سوريا قد استَنفَدتْ غرضها من علاقتها مع إيران بانتِهاء نِظام صدَّام حسين، وعبَّر عن ذلك عبدالحليم خدام
النائب السابق للرئيس السوري بشار الأسد - وذلك بعد أنْ قطَع الصِّلة مع النِّظام القائم، ودعا للانقِلاب عليه - بقوله: "في الماضي
كان هُناك تحالفٌ إستراتيجيٌّ، وكان لسوريا مَصالِحُ ولإيران مَصالِحُ، وكانت نُقطة الالتِقاء الأساسيَّة لهذا التحالُف صدَّام حسين، لكنَّ
الأمور تحوَّلت بعدَ ذلك نتيجةَ غيابِ نُقطةِ الالتِقاء الأساسيَّة، وضعْف سوريا التي لم يَعُدْ لديها أيُّ إستراتيجيَّة"، وهكذا تَراجَعَ الدَّوْرُ
السوري الإستراتيجيُّ بالمنطقة، وفي المقابل تَزايَد الدَّوْرُ الإيراني، مُرورًا بعام 2005 والانفجار اللبناني الكبير والمتمثِّل في اغتِيال
رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فتَزداد الأمورُ تعقيدًا لسوريا، ثم سحب قوَّاتها من لبنان، والذي مثَّل أقصى مُنحَدرٍ يبلغه النُّفوذ
السوري هناك منذُ عُقودٍ، وعلى الجانب الآخَر كان الانسِحاب السوري مفيدًا لإيران من زاوية أنَّ الجيش السوري الموجود في لبنان
كان الطَّرَفَ الوحيد القادر - نظريًّا - على نزْع سِلاح حزب الله في حال حُدوث تَوافُقٍ إقليمي ودولي حول هذا الموضوع.وإذا كان الأمر في النهاية يتعلَّق بمشروعٍ صفوي إيراني رافضي يمتدُّ من إيران فالخليج فالعراق فسوريا ولبنان وفلسطين، فإنَّه مع
وُصول الرئيس محمود أحمدي نجاد للسُّلطة تطوَّر هذا المشروع، مع الإعلان عن السِّياسات العامَّة للخطَّة التنمويَّة الخامسة، وقد تَمَّ
إعلان هذه السِّياسات العامَّة ضِمنَ إطار مِيثاق أفق العشرين عامًا (الأفق العشريني) وبمحوريَّة التقدُّم والعدالة، وتتضمَّن السياسات
العامَّة للخطَّة التنمويَّة الخامسة 45 بندًا تتوزَّع على فُصول: الشُّؤون الثقافيَّة، الشُّؤون العلميَّة والتقنيَّة، الشُّؤون الاجتماعيَّة، الشُّؤون
الاقتصاديَّة، الشُّؤون السياسيَّة، الشُّؤون الدِّفاعيَّة والأمنيَّة.وبالجملة فهذه الخطَّة استَهدفَتْ أنْ تكون إيران بِحُلول عام 2025 "في المركز الأوَّل اقتصاديًّا وعلميًّا وتقنيًّا على الصعيد الإقليمي"،
وتَمَّ تحديدُ مفهوم هذا الإقليم بأنَّه "منطقة جنوب غرب آسيا"، التي تشمَلُ كلاًّ من آسيا الوسطى والقوقاز، و"الشرق الأوسط ودول
الجوار".وعندما ناقشَت صحيفة "كيهان" الناطقة باسم مرشد الثورة الإيرانيَّة الخطَّة المذكورة من خِلال مقالةٍ نشرَتْها، أشارَتْ إلى أنَّ الأولويَّة
الأولى لإيران في تلك المنطقة هي للخليج (الذي وصفَتْه بالفارسي) لأسبابٍ تتعلَّق بالنِّفط، وبالموقع الإستراتيجي، وبأنَّ أغلبيَّة سكَّان
الدول المطلَّة عليه تتحدَّث بالفارسيَّة ومذهبها شِيعي، واعتبرت أنَّ هذا الأمر من شأنه "أنْ يُعمِّق من نُفوذ إيران في المنطقة"، خاصَّة أنَّ
"نجاح نموذج الديمقراطيَّة الدينيَّة كنموذجٍ محلي ودِيني في العِراق سيكون مُبشِّرًا بنُفوذٍ مَعنوي مُتَزايِد لإيران في هذا النِّظام".