الإفصاح عن الذات (self-disclosure) :
(جوهر الإتصال الشخصي)
تشكل المحادثات العابرة معظم الإتصالات الشخصية التي نعقدها مع الأشخاص من حولنا .
فهانحن نتحدث مع زملائنا عن مباراة كره القدم التي شاهدناها بالأمس ,أو مع بعض الغرباء حول حاله الطقس هذه الأيام , وعلى الرغم من الأهميه الكبيرة لهذا النوع من المحادثات كأساس للتفاعل مع من حولنا من أفراد المجتمع ,إلا أنه لا يكفي لإشباع حاجتنا نحو إقامه علاقات مع الأشخاص المقربين منا نستطيع من خلالها الإفصاح عن ذواتنا والتعرف على
احتياجاتنا ورغباتنا في الحياة.
ماهو الإفصاح عن الذات ؟
الإفصاح عن الذات هو عمليه يقوم الفرد من خلالها بإفشاء بعض المعلومات الشخصية لفرد آخر دون غيره من أفراد المجمتع ,, فهو بذلك يعكس طبيعه العلاقة(التبادلية) للإتصال الشخصي .
فعندما يفصح الطرف الآول عمايدور في خلده يظهر الطرف الثاني الإهتمام والتفهم لمايقوله زميله ,وبالتالي تحدث عمليه الإتصال بين الطرفين بشكل آني ومستمر.
لمن نفصح عن ذواتنا ؟
نحن نعتمد على خبراتنا السابقة في إختيار الشخص المناسب لهذا النوع من الإتصال الشخصي . فكلما زادت ثقتنا في شخص ما , كلما إزداد مقدار مانفصح
له من معلومات عن ذواتنا . وعاده ماتكون هذه الثقه مبنيه على مدى تقبلنا لرده فعله المتوقعه تجاه المعلومات المفصح عنها ..!
كيف نفصح عن ذواتنا ؟
يختلف الأفراد في مقدار ما يفصحون به من معلوماتهم الشخصية للآخرين . فقد
ذكر العالمان جوزيف لوفت وهاري إنجهام :
أن الفرد لا يدرك جميع المعلومات المتعلقه بذاته, كما أن الآخرين لا يدركون جميع المعلومات المتعلقه بذلك الفرد .
ولتوضيح كيفية حدوث عمليه الإفصاح عن الذات فقد طور العالمان نموذجاً أطلقا
علية لقب (( نافذه جوهاري)) ((Johari ******)) حيث تم تقسيم الذات البشرية إلى أربع مناطق رئيسية .
1/ المنطقه المكشوفة:
وتحوي معلومات لا يمكن للفرد إخفاؤها عن الآخرين , مثل لون الشعر والمظهر العام والوظيفة , إضافة إلى معلومات يقدمها لهم طواعيه .
2/ منطقه الإسرار :
وتحوي معلومات يتعمد الفرد إخفاؤها عن الآخرين , فهناك أمور لا نريد للبعض أن يعرفها عنا , وبالتالي نسعى إلى حجبها عنهم , فعلى سبيل المثال قد يخفي الطالب عن والديه أن النتيجه السيئه التي حصل عليها في امتحان ما كانت بسبب تقصيره في الدراسة بينما لا يجد حرجاَ من ذكر هذا السبب لأصدقائه المقربين .
3/المنطقه العمياء :
فهناك معلومات لا نعلمها عن أنفسها لكنها ظاهره للآخرين , فقد يظن الواحد أنه قائد غير ناجح بينما يرى زملاؤه تحليه بمهارات قياديه فذة .
ولعل أوضح مثال على ذلك نزوع بعض الأشخاص إلى تكرار كلمه معينه بشكل مستمر أثناء حديثهم (مثل تكرار كلمه "يعني" أو "في الحقيقه " ) أو إحداث حركه لا إراديه عندما تسلط عليه الأنظار (مثل هز الركبة أو إبتسامه صفراء ) .
4/المنطقه المجهولة :
وهي منطقه غير معروفة من الجميع وتمثل جميع أبعاد شخصياتنا والتي لم
يتم اكتشافها حتى الآن . فقد يظن الواحد منا أنه شجاع ألى أن يتعرض لخطر محدق فيكتشف خلاف ذلك .
وهذا نموذج لنافذه جوهاري :
وتجدرالإشاره إلى أن مساحات الإفصاح وعدم الإفصاح الخاصه بالفرد تختلف
بإختلاف الشخص المقابل , بل إنها تختلف مع نفس الشخص من وقت لآخر .
فكلما إزدادت درجه الثقة بين طرفي الإتصال , كلما ازدادت مساحه المنطقه المكشوفه , وهذا لا يعني بأن الفرد سيقوم بالإفصاح عن معلومات أكثر للشخص المقابل فقط , بل إنه على الأرجح سيكتشف أموراً أخرى في ذاته لم يكن يعرفها من قبل . وتزداد مساح هذه المنطقه كلما كانت العلاقه مع الآخر أقوى .
عوائـــــــق الإفصـــــاح عن الــــــــذات :
كثيراً مايتردد الإنسان في الإفصاح عن ذاته للآخرين خوفا من العواقب التي قد يجنيها من وراء ذلك ومنها :
• الخوف من ظهور عيوبك للآخرين : فالإفصاح عن الذات سيظهر للطرف الآخر القصور في شخصيتك أو في المهارات التي تتمتع بها . وهذا مايدعو كثيرا من الرجال إلى التردد في طلب المساعده عندما يضلون الطريق لكي لا يظن الطرف المقابل أنهم تائهون أو انهم لا يملكون القدرة على تحديد الإتجاهات .
• الخوف من أن يصبح رفيقك ناقداً لك :
فعندما تطلع شخصا ما على نقاط ضعفك فإنك بالتالي ستصبح عرضة لهجومه عليك .
Arrow المثال التالي يوضح هذا المعنى :
ذات يوم أطلع حسام زميله محمود على سر دفين كان قد خبأه عنه لسنوات عديدة . فقد تسبب وهو في مقتبل عمره في حادث سير أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص . كم كانت تلك الحادثه مؤلمه لحسام ممادفعه إلى الإفصاح عنها لصديقه العزيز ليخفف عليه ثقل الهم الذي أصابه . ويعد مرور فترة من الزمن
حدث خلاف بين الزميلين , وكان محمود غاضباً جدا فقال لحسام : " أنت إنسان متهور وقاتل وتستحق السجن مدى الحياة " !!
•الخوف من أن تفقد شخصيتك :
فالبعض يرى أن هناك بعض الأمور الخاصة بهم والتي لا ينبغي لأحد أن يطلع عليها . وقد يكون هذا الخوف ظاهراً لدى الشباب والشابات في مرحله المراهقة بصورة أكثر حيث تزداد رغبتهم في الإعتماد على أنفسهم واتخاذ قراراتهم الخاصة دون الرجوع إلى الوالدين أو الأخ /الأخت الكبرى .
•الخوف من أن تفقد زميلك :
فقد يكون لدى أحدهم سر دفين لو أطلع عليه زميله لربما أدى غلى إبتعاده عنه أو إلى إنهاء الصداقة التي بينهما . لذا فقد يتردد في إخبار زميله مثلا بأنه كان يتعاطى المخدرات عندما كان شاباً خوفا من أن يؤدي الإفصاح عن هذا السر إلى فقد ذلك الصديق لأي رده فعل كانت.
متى يكون الإفصاح عن الذات مناسبا ؟
نحن نفصح عن ذواتنا فقط للأشخاص المهمين بالنسة لنا . كما أن الأشخاص الذين لا تربطنا بهم علاقة وطيدة سيشعرون بعدم الإرتياح عندما نبوح لهم بمعلومات خاصه بنا . لذا فعلينا الإنتظار حتى نتأكد من أن العلاقة قد تطورت إلى الحد الذي يسمح بتبادل المعلومات الشخصية بين الطرفين .
وحتى تنجح عمليه الإفصاح عن الذات فلابد أن تحدث من كلا الطرفين . إذ أن إفصاح أحد الأطراف عن معلوماته الخاصه دون أن يطلع على المعلومات الخاصه بالطرف الآخر سوف يؤدي غالباً إلى عدم إستمرار هذه العلاقة .
إن الإفصاح عن الذات يساعد على نمو و تطور العلاقلا بين الأشخاص كما أن الإفصاح غير المناسب يمكن أن يسىء إلى تلك العلاقة .
وفيما يلي بعض النصائح التي قد تساعدك على تحديد الوقت والكيفية المناسبين للإفصاح عن الذات :
1/ إختر السياق المناسب :
يجب أن تواقف كميه ونوع المعلومات المفصح عنها مع حالة الإتصال والمحددات الإجتماعيه .
Arrow لننظر سوياً ألى المثال التالي :
كنت جالساً في كفتريا المصنع مع بعض زملائي المهندسين لتناول وجبه الغداء , وكان الحديث يتناول الموضوعات التقليدية :
أداء العمل , سوء الوجبات في الكفتريا , جداول الإنتاج والصيانة . وقد إعتذر بعض الزملاء قبل انهاء وقت الراحه بخمس دقائق وبقيت وحيداً مع مهندس جديد إنضم إلى الشركة في الأسبوع الماضي . كانت هذه أول مره أتعرف عليه , فقررت أن أبدأ معه الحديث قائلاً : " كيف وجدت وجبه الغداء ؟ " صمت الرجل للحظة ثم قال : " أنا عندي مشكله مستعصية في جهازي الهضمي . تخيل أني لا أستطيع أن أبقي الطعام في معدتي أكثر من خمس دقائق . أنا عندي مشكله إستفراغ مزمن "
كان ذلك بالتأكيد أكثر مما أردت سماعه ..!!
قبل الإفصاح عن معلوماتك الخاصة
ضع في إعتبارك الوقت والمكان والمزاج ونوع العلاقة مع الشخص أو الأشخاص المقابلين . ففي المثال السابق إختار المهندس الجديد
-الوقت الخاطىء (لانه بقيت دقائق معدوده على إنتهاء فتره الراحه )
-والمكان خاطىء (الناس عادة يتجنبون الحديث عن مشاكل الجهاز الهضمي على طاولة الطعام )
-والمزاج الخاطىء (كان الحديث السابق حول معلومات عامة تتعلق بالمطعم وليس معلومات خاصة )
-والعلاقة الخاطئة (الإثنان بالكاد يعرفان البعض ) للإفصاح عن هذه المعلومات الخاصة والمتعلقة بمشاكله الصحية .
إن الإفصاح الذي لا يتوافق مع الظروف المحيطة غالباً مايكون مصيره الإهمال ممايؤدي إلى شعور الفرد بالألم والأسى .
2/ تدرج في الإفصاح وفقاً لتطور العلاقة :
في معظم الحالات تتطور العلاقات بين البشر من خلال تدرج طرفيها في الإفصاح في فترات متباعدة ويكون عاة مختصراً وفي موضوع محدد .
ولكن مع تطور هذه العلاقة يصبح الإفصاح أكثر تكراراً وفي موضوعات مختلفة وعادة ما تكون خاصة في طبيعتها . فعلى سبيل المثال , إذا كنت في علاقة حديثة فيمكنك الإفصاح عن معلوماتك غير الخاصة كبطاقتك التعريفية (الإسم ,العمر , المولد ,....).
ومع تطور هذه العلاقة ستستطيع الإفصاح بالتدريج عن معلوماتك الخاصه , مثل هواياتك طعامك المفضل , أنواع الترفيه التي تناسبك , طموحك الشخصي , وأخيراً مشكالك وهمومك .
إن الإفصاح عن معلومات أكثر غزارة مما يتوقعه الطرف الآخر يعرض العلاقة للخطر إذن أنك ستجبره على إتخاذ قرار سابق لأوانه إما بقبول أو رفض هذه العلاقة .
3/ إستخدام الإفصاح المتبادل (Reciprocal):
عندما يفصح الفرد عن بعض المعلومات الخاصة لصديقه فهو يتوقع منه أن يفعل الشىء نفسه . ونقصد بالإفصاح المتبادل التوافق بين طرفي العلاقة في عدد مرات الإفصاح ودرجه الخصوصية في معلومات المفصح عنها . فالعلاقة التي يتم فيها الإفصاح من شخص واحد فقط هي علاقة غير متوازنه وليست حميمة كنلك العلاقة التي يتساوى فيها الطرفان في الإفصاح عن معلوماتهم الخاصة .
وبالمثل , فإن درجة المودة التي يكنها الفرد لصديقه يجب أن تتوافق مع درجة الإفصاح التي يستخدمها الطرف المقابل في حديثه معه . فإذا كانت المعلومات المفصح عنها سطحية (نوع الطعام الذي يفضله ) فقد يكون من الاسبق لأوانه أن يفتح له قلبه ويبث له همومه وأحزانه . إن الإفصاح المتبادل له فوائد كبيرة في قياس درجه إرتباط الإثنين بهذة العلاقة . فمن خلال تبادل الإفصاح عن المعلومات فإن الإثنين يخبران بعضهما البعض بأنهما ملتزمين بهذه العلاقة .
4/إستخدام الإفصاح لتدعيم العلاقة :
تذكر أن الافصاح عن الذات يتطلب بعض المخاطرة , إذ إنك لن تعلم ردة فعل الطرف الآخر إلا بعد أن تحدثه بما تريد . فإذا أردت تجنب هذه المخاطرة فقد يكون من المناسب أن تحدث الطرف الآخر عن الموضوع بشكل عام ومن ثم تلاحظ ردة فعله قبل أن تحدثه عن خبرتك الخاصة في هذا الموضوع . لنبحث عن دوافعنا للإفصاح عن الذات . لنسأل أنفسنا لماذا نريد أن نطلع الشخص المقابل على هذه المعلومة بالذات؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تطوير العلاقة معه أم العكس ؟
كل منا يحمل أسراراُ لعل من الأنسب إبقاءها كذلك .فإطلاع الآخرين على هذه الأسرار قد يعود بالضرر علينا أو يضعف ثقه الشخص المقابل فينا . فعلى الرغم من أن بعض الأسرار تكون ثقيله جداُ لنتحملها لوحدنا , إلا أنه قد يكون من الأفضل للمحافظه على العلاقة عدم الإفصاح عن هذه الأسرار للطرف الآخر .
منقول ---