هكذا الدنيا يا صاحبي لا تُبقي أحدا على حاله، فعزيز اليوم قد يمسي غدا ذليلا منكسرا، ومن كان ينام بالأمس بين أهله وأبنائه قرير العين أصبح في شقاء من العيش يعاني واقعا أليما، يتأرجح بين اليأس والأمل في رحمة خالقه تعالى.
كنت دوما يا صاحبي أضرب فيك المثل في الثبات وقوة الشخصية والتطلع الواثق للمستقبل الذي تسير نحوه في خطى ثابتة، وأتذكر ابتسامتك التي تتحدى بها الدنيا بأسرها، وقد عجبت يوم أصابك ما أصابك من محن وآلام، آلام آلمت روحك قبل جسدك وسممت نبضات قلبك ونغصت عيشك الهانئ.
وكان صعبا عليك وعلى أهلك وأحبتك أن يصدقوا ما اتهمت به، والجميع يعلم نزاهتك وعفتك وخشيتك من الله عز وجل. ولكنها في النهاية مشيئة الخالق تعالى فاصبر واحتسب الاجر منه تعالى، وأعانك الله تعالى على حبسك، وخصوصا أن الصدمة أدت إلى اعتلال جسدك.
فلست أول ولا آخر من يبتليه ربه ليختبر ثباته وقوة إيمانه، وأحسبك صابرا محتسبا، راجيا المثوبة من ربك الكريم. فهو قدر في النهاية مكتوب عليك، وقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» (رواه الترمذي).
والأحوال لا تثبت على حال، والسعيد من لازم التقوى، وإن افتقر أغنته، وإن ابتلي جملته، فالزم التقوى في كل حال، فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، ولا في المرض إلا العافية، ولا في الفقر إلا الغنى،والمقدر لا حيلة في دفعه، وما لم يُقدّر الله لا حيلة في تحصيله، والرضا والتوكل يهونان المصائب، والله هو له الأمر والتدبير، وتدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وهو أرحم به من الأم بولدها، ومن رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذمومٌ، ومع هذا فلا خروج عما قدّر عليه، ولقد قدر الله مقادير الخلائق وآجالهم، وقسم بينهم معايشهم وأموالهم، وخلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. والإيمان بقضاء الله وقدره ركن من أركان الإسلام، وما في الأرض من حركة أو سكون إلا بمشيئة الله وإرادته.
وربنا تعالى وحده له الحمد، وإليه المشتكى، فإذا تكالبت عليك الأيام وأغلقت في وجهك المسالك والدروب، فلا ترجُ إلا الله في رفع مصيبتك ودفع بليتك، وإذا ليلة اختلط ظلامها، وأرخى الليل سربال سترها، قلب وجهك في ظلمات الليل في السماء محل البركات ومهبط الرحمات ومسكن الملائكة الكرام، وارفع أكف الضراعة إلى الله الذي يعلم بك ويسمعك وأنت في أي مكان وهو سبحانه موجود بلا مكان لأنه كان قبل المكان والزمان، وناد الكريم أن يفرج كربك، ويسهل أمرك، وإذا قوي الرجاء، وجمع القلب في الدعاء قوي رجاء القبول، «أمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السوء» (النمل:62)، وتوكل على الله القدير، وسلِّم الأمرلله، واسأله الفرج، ولا تستطل زمن البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبَّد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء، فالفرج قريب، «وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كاشِفَ لَهُ إلا هُوَ» (يونس:107)، وهو الفعال لما يريد، اصبر على بلائه وحكمه، واستسلم لأمره، «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (التوبة:15).