يفخرُ بعض المتلبرلين والمثقفين العرب في البلاد العربية عموما بأنهم من المدافعين عن حقوق المرأة ! ، وأنهم يقفون مع المرأة في محنتها ، وأنهم ... وأنهم ... وغير ذلك من الشعارات الرنانة المتعلقة بالمرأة .. فهل هذه الشعارات هي حقيقة ممارستهم في الواقع العملي أن أنها لا تتعدى خيالهم وأوراقهم التي يلوحون بها عند كتابة مقالاتهم ؟!
لن أتجنى عليهم ، وفي ذات الوقت لن أعمم على الجميع ... تعالوا معي لشهادات بعض النساء اللاتي دخلن مع أولئك المتلبرلين والمثقفين ، وتعاملن معهم ، وقد يكن ممن أحسن الظن بهم ، وهذه الشهادات من أفواههن ، ولم آتِ بشيء من عندي ، وإنما هي شهادات مبثوثة ربما يُصدم الواحد منها ممن هم مخدوعون بهؤلاء وبشعاراتهم الزائفة إذا قرأها لأول مرة ، ولكنها تبقى حقيقة لا يمكن ردها بسهولة ، وقد أختلف معهن في طرحهن وأفكارهن ، ولكن الشهادة عندما تأتي من مثلهن تكون دامغة ، وكلي أمل أن يكون هذا المقال نواةً لجمع أكبر قدر من هذه الشهادات ولا تكون مقتصرة على شهادات النساء فقط ، وربما يخرجُ في كتاب أو رسالة جامعية .
نبدأ من آخر امرأة كتبت عن قضيتها في صحيفة الجزيرة ( تاريخ الاثنين 5 ذي القعدة 1429 هـ العدد 259 ) تدعى أميرة القحطاني ، وعنونت مقالها " مع الاعتذار للمثقفين المحترمين " تحكي فيه صدمتها من بعض المثقفين الذين يحملون شهادة الدكتوراه ، وتعاملت معهم ، ثم أنهم " نسونجيين " هكذا سمتهم فتقول في بداية قصتها : " كنت وإلى وقت قريب اعتقد إن كل من يحمل شهادة دكتوراه هو (دكتور) بكل ما تحمل هذه الكلمة من قيمة علمية رفيعة المستوى وكل من يحمل صفة مثقف هو مثقف حقيقي وللأسف اكتشفت إن الكثير من المثقفين وحملة الشهادات العليا لا يساوون قيمة الحبر الذي يباع في الدكاكين الصغيرة . " .ا.هـ.
يا تُرى ما المواقف التي تعرضت لها وجعلتها تصل لهذا الاكتشاف وتؤكده ؟
تجيب الكاتبة أميرة قائلة : " ومن المواقف التي تعرضت لها مؤخراً أن اتصل بي دكتور سعودي وكاتب مشهور كنت احترم شهرته وشهادته العلمية وقد اجتهد للحصول على رقم هاتفي، استقبلته بكل احترام وتقدير ودون مقدمات فتح معي تحقيقاً وكان يبحث عن إجابات لمواضيع تعتبر شخصية وقد سايرته دون الدخول في تفاصيل وكانت مسايرتي له احتراما لوضعه العلمي كما ذكرت سابقا ولاسمه، وقبل انتهاء المكالمة طلبت منه وبأدب أن يحترم الحديث الخاص الذي دار بيننا وألا يتحدث به مع أحد.
وبعد شهر كنت في إحدى المكتبات الشهيرة في دبي والتي يعمل بها موظف عربي، طلبت منه نسخة من (فتنة) وعندما وصلت إلى الكاشير لدفع الحساب سألني هذا العربي ولم يكن يعرفني :
- أنت بتعرفي المؤلفة؟
- قلت له : نعم، لم تسال؟
- قال : أمها من قطر؟
- قلت له : لا من الإمارات
- قال : بيقولوا دي (كدابة) وبدأ بسرد الكلام الذي دار بيني وبين حضرة الدكتور مع بعض البهارات والإضافات طبعا لان الدكتور يعتقد بأنني كذبت عليه في بعض الحديث فنشر إشاعة مفادها أنني (كدابة).
وربما يتساءل البعض عن كيفية وصول كلام الدكتور الموجود في السعودية إلى البائع في دبي – ولو أن هذه التفاصيل غير مهمة – ولكن وحسب أقوال ذلك البائع إن رجلا سعوديا جاء ليحصل منه على نسخة من رواية فتنة وخصه بهذا الحديث الشيق وهذا يعني إن ذلك الرجل أما انه صديق الدكتور أو سمع الحكاية من صديق للدكتور أو أو أو .....الخ " .ا.هـ.
ثم تنقل خيبة أملها ، والسراب الذي كانت تراه من بعيد تحسبه ماء يروي الظمأن وإذ بها لا تجده شيئا ، تقول : " المهم هذا واحد من أشخاص كثر أصابوني بالدهشة والغثيان فأنا نشأت ومنذ صغري على احترام المتعلم واحترام المثقف والكاتب وكنت دائما انظر إليهم على أنهم (نبلاء) لا يكذبون ولا يتلونون وان لهم كرامة وعزة نفس لا يملكها غيرهم ولم أكن أتخيل ان بهم (وصوليون) لأن الوصولي من وجهة نظري - سابقا - لا يمكن أن يكون مثقفا أو قارئ كتب أو حامل شهادة عليا وصدقوني حاربت كثيرا في سبيل هذا التصور وحاربت كثيرا في سبيل التمسك به، كنت على يقين بأنني على حق وإنني الصح وان الآخرين على خطأ وعندما اقتربت من هذا الوسط الثقافي وتعاملت من بعض المثقفين فيه اكتشفت أنني عشت كذبة كبيرة وان الإنسان الناقص يبقى إنسانا ناقصا حتى وإن حمل شهادة عليا وإن قرأ ملايين الكتب، وأنا هنا لا أعمم فهناك من يعمل في هذا الوسط ومن يقرأ ومن يكتب ويملك أخلاقا نبيلة وقد كنت محظوظة بمعرفة بعض هؤلاء الشرفاء (القلة) الذين افخر بمعرفتهم ولكن الكفة الأخرى كانت هي الأثقل وهي الأعم وهي التي سببت لي هذه الصدمة وهذا الألم.
للأسف أقولها وأنا احترق ألما على عالمي الذي خلته جنة من جنات الدنيا.. هذا العالم الذي يحمل الكذابين والمنافقين والوصوليين و(النسونجيين) وهذه الكلمة وحدها كارثة.. كارثة على هذا الوسط الذي يفترض به أن يكون وسطا ثقافيا راقيا تبنى من خلاله الحضارات " .ا.هـ.
ثم تأتي بقصة أخرى وهي من الشواهد المهمة في المقال قائلة : " وكي لا أطيل عليكم وعلى طاري النسونجيين إليكم هذه القصة القصيرة لمثقف نسونجي تخطى الستين عاما، هذه القصة جرت معي عندما كنت اكتب في إيلاف : فقد تحدثت مع كاتب وصاحب مؤلفات لإجراء لقاء صحفي معه وقبل إجراء الحوار - الذي لم يتم - دار بيني وبينه حديث حول الكتابة والنجاح والفشل فقال لي حرفيا (أنا استطيع أن اجعل من الإنسانة العادية كاتبة كبيرة! فقلت له وأنا في دهشة مما اسمع : الكتابة موهبة لا تصنع ولا تمنح. فقال لي بكل ثقه: أنا جعلت من إنسانه عادية كاتبة كبيره وقد أصبحت الآن مشهورة لكنها تنكرت لي عندما اشتهرت. وعرفت من خلال حديثه انه كان يريد ثمنا لذلك التوجيه الذي يقول انه قدمه لتلك الكاتبة وطبعا عرض علي المساعدة (بشرط) أن يكون هناك ثمن لهذه المساعدة التي لم اطلبها منه أساسا ودون أن ادخل معه في تفاصيل وقبل أن انهي معه مكالمتي سألته : هل هناك مثقفات يتعاملن معه ويتقبلن هذا الأسلوب في التعامل؟
قال وبصوت عال جدا : (طبعا) !!
وأريد أن انوه فقط بأن هذا الرجل لم يكن يخجل من الإفصاح عن رغبته بل كان يتحدث بكل ثقة وكأن نساء العالم كلهن ساقطات!! والشيء المؤكد أن هذا المثقف ليس واحدا وهذا الحالة ليست واحدة والوسط الثقافي مليء بالحشرات الضارة المؤذية وعلى من يفكر الدخول فيه أن يتزود بمبيد حشري يستخدمه عند اللزوم، مع الاعتذار للمثقفين المحترمين " .ا.هـ.
أهكذا يكون التعامل مع المرأة التي أحسنت الظن بهذا المثقف وقابلها بالمساومة على عرضها وشرفها ؟ وكم من النساء سقطن ضحايا له بسبب تلك المساومة التي غلفتها شعاراتهم الرنانة ، وكشفتها ممارساتهم على الواقع ؟
المرأة الثانية التي فضحت المتلبرلين هي نادين البدير ، وكلنا يعلم من هي هذه المرأة المسكينة المستلبة فكريا ..
ماذا قالت عن المتلبرلين دعاة حقوق المرأة في العلن وأما في الخفاء عكس ذلك ؟
تقول في مقالها ( الليبرالية السعودية : موضة أم نفاق ؟ ) : " الذين يدعون الليبرالية دون أن يؤمنوا بها أو يطبقوها على أنفسهم، فحياتهم الخاصة مليئة بالمفاجآت التي تعكس ازدواجية بالشخصية أو نفاقاً للمسؤولين أو مجاراة للموضة السائدة. ذهلت مؤخرا حين علمت أن أكثر مثقفينا تحرراً وأكثرهم سخرية من واقعنا، من ظلمنا لأنفسنا، من ظلمنا للمرأة، هو رجل ظالم متزوج من أربع نساء وينتقد في كتاباته التعدد وينتقد الخيانة الزوجية. وبعيدا عن التعدد والظلم، هناك الليبرالي الذي ينادي بخروج المرأة واختلاطها بالرجل، مطالبة واقعية ومنطقية ومفرحة، لكن لنسأله : أين زوجتك أو زوجاتك؟ أين أخواتك؟ أين بناتك؟ هل يخرجن فعلا ويختلطن بالرجال لتكون أنت القدوة الأولى أمام مستمعيك؟ أين نساء عائلتك عن الندوات التي تعقدها مع غيرك من المثقفين، وعن تجمعاتكم الليبرالية المتحضرة ؟
- ماذا؟ نسائي لم ولن يكشفن على مخلوق غيري.
- لمن إذاً توجه دعوات التمرد ؟
- إنها لنساء الغير، لزوجات الغير وبنات الغير. فلتبق نساؤه خلف الأسوار محروسات تحت ظله تحميهن العادات والتقاليد التي يدافع عنها سرا ويحاربها جهراً " .ا.هـ.
هذه هي حقيقتهم كما ذكرتها نادين البدير ؟
النموذج الثالث د. عالية شعيب أستاذة فلسفة الأخلاق في جامعة الكويت ، فضحت التيار الليبرالي في عدم الوقوف معها في بعض قضاياها التي كانت تنادي بها ، قالت في لقاء معها في برنامج " إضاءات " ( تاريخ الأربعاء 20/10/2004م ) : " تركي الدخيل : طيب دكتورة صرحتي أنتِ بأن التيار الليبرالي والعلماني في الكويت هو تيار ليس له قلتِ ليس له مبدأ, وأشرت إلى أن القضايا اللي تعرّضت لها لم يقف أحد من التيار الليبرالي معك، يعني ولم يسندك في هذه القضايا, تحدثت عن التيار الإسلامي قلت التيار الإسلامي أصدق وأوفى لمبادئه, وتحدثت أيضاً أنه لما تحجبت زارك أو هنّأك كثير من أقطاب التيار الإسلامي, وقلت أن الشيخ محمد العوضي اتصل بك وهنأك على هذه الخطوة, هل لا زلت تعتقدين أن التيار الليبرالي ما عنده مبادئ، في مقابل مبادئ يتمسّك بها التيار الإسلامي؟
د.عالية شعيب: يعني أعتقد أن النتائج الاجتماعية والنتائج السياسية في المجتمع هي التي تجيب على هذا السؤال، يعني الفشل الذريع في الانتخابات الأخيرة تراجع الشخصيات الليبرالية من البرلمان, ويعني القلة المفجعة في الأصوات للشخصيات الليبرالية الكبرى ... " .ا.هـ.
النموذج الرابع سمر المقرن تحدثت عن إقصاء صحيفة " الوطن " لها بعد تولي رئيس التحرير الحالي ، فماذا قالت عنها : " ... وما حصل معي مؤخرا في صحيفة الوطن هو أكبر دليل على محاولة وأد فكري وقلمي، بعد أن تغيرت إدارة الصحيفة وحاولت التعايش مع الإدارة الجديدة التي كانت تظهر على الملأ لترديد العبارات الإنشائية حول حقوق المرأة وهم أول من يهضم المرأة حقها، لذا فضلت الانسحاب وعدم الاشتراك في مسرحية هزيلة فقدمت استقالتي في أكتوبر الماضي ... " .ا.هـ.
وفي لقاء لها مع صحيفة " الصوت " الكويتية تُفصح عن بعض تفاصيل روايتها الجديدة فتقول : " ... لكنني في روايتي الجديدة سأتطرق إلى من يسمون أنفسهم بالليبراليين في السعودية من الذين يتمسحون بالليبرالية وهم أبعد ما يكون عنها، فالليبرالية تعني الحرية وتعني الانفتاح، وهذا مطلب أساسي للبشرية تضمنه الدين الإسلامي أيضا، لكنهم ينظرون إلى الليبرالية من الجانب التنظيري فقط، فعلى أرض الواقع، كل تلك التنظيرات تتبخر وتعد كلاما على ورق، كما أنهم ينظرون إلى المرأة باعتبارها ماكينة تفريخ أو أنها وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وينظرون لها نظرة لا أخلاقية، لهذا سأناقش هذه القضية في روايتي الجديدة " .ا.هـ.
وأجزم أن هناك نماذج معلنة أخرى لم أقف عليها ، وربما غيرها مازالت تعيش في الخفاء ولم تعلن ، فأنا لم ألتزم الاستقصاء ، ولذلك أكتفي بهذه النماذج لتعلموا حقيقة زيف دعوى بعض المتلبرين والمثقفين بالنسبة لحقوق المرأة التي أصموا أسماعنا بها ، وجعلوا من أنفسهم حماة لها ، ولكنهم في الواقع العملي التطبيقي يقولون ما لا يفعلون ، وكبر مقتا أن تقولوا ما لا تفعلون !
إضاءة :
قال الشاعر :
فثق بالله يكفك واستعنه * * * يعنك وذر بنيات الطريق
التفاحات المغسولات !