إن كلمة الصلاة من الصلة التي تدل على العلاقة والالتزام . ومن هذا الوجه أتى استخدام كلمة الصلاة في القرآن على أوجه عدة :
1- الصلاة بمعنى الالتزام بالدعاء
[ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ] التوبة 103
2- الصلاة بمعنى الالتزام بالتأييد والنصر والتوفيق
[ إن الله وملائكته يصلون على النبي ] الأحزاب 56
3- الصلاة بمعنى الالتزام والولاء والدفاع والتكتل
[ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] الأحزاب56
4- الصلاة بمعنى الالتزام بأوامر الله والعلاقة به
[ ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين ، ولم نَك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين ]المدثر 24- 46
[ أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين,فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ] الماعون
5- الصلاة بمعنى الالتزام بالشيء لصقاً وإتصالاً .
[ فنزل من حميم ، وتصلية جحيم ] الواقعة 94
[ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون،ثم إنهم لصالوا الجحيم ] المطففين 16
[خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه ] الحاقة 31
6- الصلاة بمعنى القيام بالتزام فعل محدد من قيام وركوع وسجود يتخلله ذكر وخشوع لله ضمن وقت معين مستقبلين بوجوهنا المسجد الحرام .
[ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ] الحج 26
[ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ] المائدة 6
والذين يهمنا في بحثنا هو الصلاة التي هي التزام وعلاقة بصورة معينة ضمن وقت محدد وهي الصلاة المعروفة من قيام وركوع وسجود . فالصلاة المعنية بالبحث ليست هي مجرد التزام بعلاقة تفكر وتأمل أو دعاء ، أي ليست هي حالة وجدانية نفسية فقط ، وإنما هي فعل وحركات معينة يتخللها ذكر ودعاء وفكر وتأمل وخشوع . لنر ذلك من خلال الآيات :
1- [ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ]المائدة 6
فالصلاة ينبغي أن نقوم إليها لنؤديها بعد أن نستعد لها بالطهارة .
2-[ فلنوليك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره] البقرة 144 فالصلاة تكون في التوجه شطر المسجد الحرام .
3- [ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ] النساء 142
4- [ ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ]التوبة 54
5- [ وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ]المائدة 58
إذاً الصلاة هي التوجه إلى بيت الله الحرام, والقيام بفعل وحركات معينة يتخللها ذكر ودعاء وتأمل وفكر ضمن أوقات موزعة على اليوم والليلة .
لنر الآن الحد الأدنى من الحركات المؤلفة منها الصلاة التي اصطلح عليها باسم الركعة .
قال تعالى : [ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ] الحج 26
وقال [ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ] الحج 77
فمقومات الركعة هي : القيام والركوع والسجود.
لنر الآن أن الصلاة المطلوبة هي ركعتان كحد أدنى قال تعالى :
[ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ].. النساء 101
[ ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك .. ] النساء 102- 103
فواضح من كلمة ( القصر ) أن الصلاة كحد أدنى ركعتين ، لأن الركعة الواحدة لا تقصر ، كما أن النص الآخر يدل على أن الفئة الأولى صلت ركعة واحدة ، وأتت الفئة الثانية لتصلي في الركعة الثانية .
إذاً وصلنا الآن إلى أن الصلاة هي توجه إلى المسجد الحرام بوجوهنا والقيام بفعل من ركوع وسجود يتخلله الذكر والخشوع لله, مؤلف كحد أدنى من ركعتين.
لنر الآن أن إقامة الصلاة متعددة وموزعة على اليوم والليلة ضمن أوقات محددة .
قال تعالى : [ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ] البقرة 138
لاحظ مجيء كلمة ( الصلوات ) بصيغة الجمع ، والجمع في اللغة يدل على ثلاثة فصاعداً .
قال تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء .. ] النور 58
فقد ذكر النص : صلاة الفجر ، وصلاة الظهر ، وصلاة العشاء
قال تعالى : [ أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل ] هود 114
فطرفي النهار هما بدايته ونهايته ، فيكون المقصود بذلك إقامة صلاة الفجر ، وإقامة صلاة العصر .
أما كلمة ( زُلَفَاً ) فهي جمع زُلْفَة وتدل على المنزلة والدرجة ، ويقصد بها في النص الجزء من الليل الذي يقرب إلى آخر . وكونها أتت بصيغة الجمع فيكون المقصد منها التعدد ضرورة ، وبالتالي تعدد إقامة الصلاة في الليل ، وذلك يكون في صلاة المغرب وصلاة العشاء .
قال تعالى : [ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ] الإسراء 78
دلك : كلمة تدل على دفع شديد . بحركة متصلة لازمة بطيئة منتهية بقطع أو دفع خفيف وتحقق ذلك في دفع حركة الشمس بقوة متصلة لازمة منتهية بدفع خفيف وتكون هذه الحالة متحققة في الشمس في وقت الظهيرة تماماً عندما تستوي الشمس في كبد السماء . فتكون هذه الجملة [ أقم الصلاة لدلوك الشمس ] دليل على وقت الظهيرة .
أما كلمة (غسق) فتدل على شدة اسوداد. ويكون المقصد منها وقت إقامة صلاة العشاء عندما يشتد سواد الليل
إذاً الصلاة أتت في القرآن بأركان الركعة الواحدة من حيث القيام والركوع والسجود, وشرطية الطهارة لأدائها . وأتت الصلاة أنها ركعتان كحد أدنى, وأتت أن الصلاة هي مجموعة من الصلوات الموزعة على مدار اليوم والليلة, وتم تحديد الأوقات الخمسة لأدائها . أما تحديد عدد الركعات في الصلوات التي هي أكثر من ركعتين فقد أتت عن طريق السنة الرسالية المتواترة [صلوا كما رأيتموني أصلي ] وكما هو مشاهد ليس ذلك تشريع مستقل عن الكتاب ، فحكم الصلاة أتى في القرآن وشرط الطهارة والأوقات الخمسة ومقومات الركعة الواحدة من حيث القيام والركوع والسجود ، كل ذلك أتى في القرآن ، فالسنة الرسالية لم تأت بحكم, وإنما أتت بكيفية متعلقة في عدد ركعات الصلاة لكل وقت فقط لا غير, وبالتالي من الغلط الإتيان بمثل الصلاة على أن السنة تشرع مع القرآن وهي مصدر تشريعي ، فكما لاحظنا أن السنة هي تابع وملحق عملي متعلق بعدد ركعات الصلاة فقط ، ولا تَبْتَدِئُ تشريعاً بذاتها ، فضلاً عن نفي استقلالها في التشريع عن القرآن ، وإنما هي بين يدي القرآن تسير بهديه وتستضيء بنوره ، لا تزيد عليه ، ولا تخصص عمومه ، ولا تقيد مطلقه ، فالقرآن أصل وأساس وقاض ومهيمن على كل الأفهام ، والواجب ما أوجبه القرآن ، والحرام ما حرمه ، والحلال ما أحله .
ووصول عدد ركعات الصلوات إلينا لا ندين به إلى السند ، ولا يوجد منيّة لأحد علينا أبداً ، ، لأن ذلك وصل من خلال التواتر العملي لكل مجتمع ، مع توسع دائرة التواتر كلما تقادم الزمن ، ومثل ذلك مثل تواتر النص القرآني إلينا فالتواتر لا يحتاج إلى سند ، لأنه رواية مجتمع شاهد إلى آخر سامع مع توسع دائرة التواتر مع الزمن , لذلك يفيد الخبر المتواتر الحصول القطعي ضرورة ، ويحيل العقل كذب الخبر المتواتر ، فما بالك إذا كان التواتر مرتبط بسنة هي طريقة عملية، والعمل أقوى من الخبر في إثبات شيء , مع العلم أن الصلاة بصورتها الحالية من قيام وركوع وسجود كانت معروفة فيما سبق من أيام النبي إبراهيم عليه السلام انظر قوله تعالى :
[وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والركع السجود ...]البقرة 125
وقد أمر الله أهل الكتاب بالصلاة والزكاة والركوع مع الراكعين بقوله تعالى :
[ يا بني إسرائيل .., وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين] البقرة 40-43
[ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ...]آل عمران 43
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من عباده المحافظين على الصلوات في أوقاتها والخاشعين فيها والمقيمين عليها
م\ن