بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ سليمان الماجد
شروط الواقفين منزلتها وبعض أحكامها
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فهذا بحث مختصر في منزلة شروط الواقفين ، جعلته في توطئة وخمسة مباحث وخاتمة :
تتضمن التوطئة مدخلاً إلى البحث ، وأصل مشروعية الوقف ، ومجالات شروط الوقف .
وتتضمن مباحثه ما يلي :
المبحث الأول : مكانة شروط الواقفين في الشريعة .
المبحث الثاني : المعتبر في دلالة ألفاظ الواقفين .
المبحث الثالث : الشروط الباطلة .
المبحث الرابع : الشروط الجائزة .
المبحث الخامس : موقف الناظر من الشروط المختلف في صحتها .
ثم خاتمة تتضمن خلاصة البحث وأهم نتائجه .
أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه ، وأن يثيب من اطلع عليه فَسدَّ خللاً ، أو أصلح خطأ ، أو ذكَّر بمفيد إنه سميع مجيب .
توطئة:
سُنَّ الوقف في الإسلام ليفتح الشارع الحكيم بذلك باباً عظيماً من أسباب قوة الأمة وعزتها ، وطريقاً إلى تحصيل الأجر والثواب .
كان الوقف في عصور الإسلام الزاهرة عمـاد حياة الناس في مصالح دينهم ودنياهم ؛ فكانت أكثر المصالح العامة التي ترعاها الدول عادة تقوم على الأوقاف ؛ كالمساجد والمدارس والمستشفيات وأعمال الحسبة وأعمال النظافة للسكك والأنهار ، وإنارة الشوارع والساحات بالمصابيح ، وسقيا الماء ، والبريد ، ونُزُل المسافرين .
وكانت الدول تنهار وتقوم مكانها أخرى ؛ دون أن تتأثر هذه المصالح العظيمة ؛ لأن القائمين عليها هم نظار هذه الأوقاف .
حتى إن الدول الغربية في الوقت الحاضر أخذت بالسعي في هذا الطريق ؛ فقد أُحصيت نسب النفقات على المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1989م فكانت على النحو التالي : 65% خيرية . و25% حكومية . و10% تجارية .
وقد عرف أعداء الإسلام أثر الأوقاف في دعم العلم وحماية الأمة واستقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فيها فسعوا في بعض البلاد الإسلامية إبان استعمارها إلى جعلها أملاكاً حكومية أو تحويلها إلى مصارف أخرى طلقة .
إن لشروط الواقفين في أوقافهم أثراً عظيماً في توجيه مصارف الوقف نحو مثل هذه الأعمال ، ولهذا عُني الفقهاء بتفصيل أحكامها في كتبهم ، وفي هذا البحث أعرض لمنزلة شروط الواقفين من حيث الفهم والعمل ، وبعض الأحكام المهمة لهذه الشروط .
أصلُ مشروعية الوقف :
الأصل فيه ما رواه البخاري في "صحيحه" (2/982) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال : يا رسول الله إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه , فما تأمرني فيه ؟ قال : "إن شئت حبست أصلها , وتصدقت بها" قال : فتصدق بها عمر أنه لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول .
مجالات شروط الوقف :
الشروط في المنتفعين من عين الوقف :
هذا الشرط هو المجال الرئيس والمقصد الأكبر للواقفين ؛ كاشتراط أن يكون المنتفع مصلياً في وقف المسجد ، أو مريضاً في وقف المستشفى ، أو محتاجاً لمشرب ، كتسبيل الماء في وقف البئر والساقية ، أو وقف الدور ؛ ليُصرف ريعها لابن السبيل ، وغير ذلك من وجوه البر .
والواقفون يضيفون أوصافاً للمنتفعين تُعتبر شروطاً ؛ كصفة القرابة ، أو اتباع مذهب أو إمام ، وقد يشترط مع ذلك في المنتفعين وصفي المكان أو الزمان .
كما أن من تفاصيل الشروط ترتيب النِسب التي يُصرف فيها ريع الوقف على المنتفعين ؛ كأن يقول: نصفه على مصالح المسجد، وثلثه على المتعلمين فيه، والباقي لميضأته ونحو ذلك .
الشروط في العين الموقوفة :
يشترط الواقفون في العين الموقوفة شروطاً كثيرة يريدون بها سد ذرائع اضمحلالها ، أو عبث الناس بها أو منع النظار من استغلالها على غير الطريقة المرسومة ، أو تعطيل مصالحها ، ومن هذه الشروط أن لا تُباع ولا تُستبدل ، وأن تُؤجَّر ولا تُسكن ، أو العكس ، وأن لا يضاف في بنائها إلا من ريعها ، ونحو ذلك .
الشروط في الناظر :
إذا أراد الناظر حسن رعايةٍ وإدارة لوقفه اشترط أن يكون الناظر صالحاً ، وأن يكون من ذريته أو قرابته ؛ ليكون أحنى وأحرص على وقف قريبه .
الشروط في الريع في ترتيب صرفه والفاضل بعد المعينات :
ومن شروط الواقفين في الريع ترتيب مصارفه ؛ فيبدأ الناظر بالإنفاق على صيانة الوقف ، ثم على ما أُنشأ وقفه لأجله ، فإن فضل شيء فيُنفق في مصرف ثالث ، أو توفَّى حصة المصرف الأول .
فالشروط في كتاب الوقف هي النظام الذي يُرجع إليه عند إدارة الوقف .
المبحث الأول :
مكانة شروط الواقفين في الشريعة
إن لشروط الواقفين قوة واعتباراً تستمدهما من أصل شرعية الوقف ، وذلك لأن الأصل أن الواقف لم يرض بحبس ملكه لله تعالى وإخراجه من ملكه إلا بهذه الشروط ، ومقتضى ذلك في سائر العقود أن الشرط إذا لم يتحقق بطل العقد وعاد المعقود عليه إلى صاحبه ، ولا سبيل إلى ذلك في الوقف ؛ فوجب اعتبار شروط الواقف في وقفه .
وقد عبَّر ابن القيم عن هذا المعنى بقوله في "إعلام الموقعين" (1/236) :
( .. الواقف لم يُخرج ماله إلا على وجه معين ؛ فلزم اتباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه ) .
وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف ـ في الجملة ـ معتبرة في الشريعة، وأن العمل بها واجب .
مخالفة شرط الواقف قد تكون من الكبائر :
حتى عد الهيتمي في "الزواجر" (1/439) ترك العمل بشرط الواقف من الكبائر فقال : ( .. وذِكْري لهذا من الكبائر ، ظاهر وإن لم يصرحوا به ؛ لأن مخالفته يترتب عليها أكل أموال الناس بالباطل , وهو كبيرة ) أهـ .
وفائدة هذا المبحث أنه يجب اعتبار هذا الأصل ، والبقاء على هذا الحكم ، ولا نخرج منه إلا بما يدل على جواز إهماله .
والفقهاء يُعبرون عن ذلك بقولهم : نصوص الواقف كنصوص الشارع
في الفهم والعمل ، وبعض العلماء يقولون في الفهم دون العمل ، والصحيح أنه فيهما ؛ ما لم تخالف الشريعة .
هل نصوص الواقف كنصوص الشارع في وجوب العمل ؟ :
جاء في "غمز عيون البصائر" (1/334) قوله : ( .. قول العلماء : شرط الواقف كنص الشارع : قيل : أراد به في لزوم العمل , وذلك أيضا بأمر الله تعالى وحكمه ؛ فلا يلزم عليه إنكار بعض المحصلين في زماننا ؛ حيث قال : هذه كلمة شنيعة غير صحيحة ) أهـ .
ومن شنع على هذه الجملة من العلماء فإنما قصد ما عليه بعض الفقهاء من إعطاء قدسية لنصوص الواقف ، وإن خالفت قواعد الشريعة ومقاصدها .
وانظر في وجوب اتباع شرط الواقف "مطالب أولي النهى" (4/320) ، و"درر الحكام" (2/138) ، و"الفتاوى" (2/14) للسبكي .