لو تَفكَّرت النُّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا وَتَذَكَّرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها لبعث حزنها بريد دمها إليها ، أَمَا يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ؟ : نهاره في المعاصي وقد طال خُسرانه وليله في الخطايا فقد خفَّ ميزانه وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه
يا من نسي العهد القديم وخان
من الذي سوّاك في صورة الإنسان ؟
من الذي غذاك في أعجب مكان؟
من الذي بقدرته استقام الجثمان؟
من الذي بحكمته أبصرت العينان؟
من الذي بصنعته سمعت الأذنان ؟
من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان؟
من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان؟
مَنِ الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران؟!
أيها العبد: راقب من يراك على كل حال وما زال نظره إليك في جميع الأفعال وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال
المراقبة على ضربين :
مراقبة الظاهر لأجل من يعلم ، وحفظ الجوارح عن رذائل الأفعال واستعمالها حذراً ممن يرى
فأما مراقبة الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر لا يرضاه المولى وأجِدَّ السير في مراعاة الأولى
وأما مراقبة الظواهر فهي ضبط الجوارح
إخواني: من أراد دوام العافية فليتق الله ما أقبل مقبلٌ عليه إلا وجد كل خير لديه ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثر في ثوب غفلته:
فــــَ يا من من يريد دوام العيش على البقاء دمّ على الإخلاص والنقاء وإياك والمعاصي فالعاصي في شقاء المعاصي والمعاصي تذل الإنسان وتخرس اللسان وتغير الحال المستقيم وتحمل الإعوجاج مكان التقويم
لله درّ أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلبها وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها وسلموها إذا باعوها إلى صاحبها وأحضروا الآخرة فنظروا إلى غائبها وسهروا الليالي كأنهم وُكِّلوا بِرَعىِ كواكبها ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها ومقتوا الدنيا فما مالوا إلى ملاعبها واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها