ماالتطور الذي حدث في تاريخ العر ب على اٍثر بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونادت به سورة الاٍسراء وقصة المعراج في لغة صريحة بليغة وفي اسلوب مبين مشرق وما أعظم النعمة التي أسبغها الله على العرب . نقلهم من جزيرتهم التي يتناحرون فيها اٍلى العالم الفسيح الذي يقودونه بناصيته , ومن الحياة القبلية المحدودة التي ضاقوبها اٍلى الاٍنسانية الواسعة التي يشرفون عليها ويوجهونها , وأصبحو بفضل هذا التطور العظيم الذي فاجأ العرب وفاجأ العالم يقولون بكل وضوح وشجاعة لاٍمبراطور المملكة الفارسية العظيمة وأركان دولته : ( الله اٍبتعثنا ليخرج بنا من شاء من عبادة العباد اٍلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا اٍلى سعتها , ومن جور الأديان اٍلى عدل الاٍسلام )
لقد خرجو من ضيق جزيرة العرب , ومن ضيق الحياة فيها , ومن ضيق التفكير في مسائلها ومصالحها , ومن ضيق التناحر على سيادتها , ومن ضيق التكالب على حطمها القليل وملكها الضئيل وعيشها الذليل , اٍلى عالم جديد من السيادة الروحية والخلقية والعلمية والسياسية , ليس الدانوب الفائض والنيل السعيد والفرات العذب والسند الطويل اٍلاسواقي حقيرة وترعاً صغيرة فيه , وليست جبال الألب والبرانس وعقاب لبنان وقمم الهمالايا اٍلا تلالاً متواضعة وسدوداً صغيرة , وليست البلاد الواسعة كالهند والصين وتركستان اٍلا أحياء ضيقة وحارات صغيرة , ونقطاً مغمورة في هذا العالم ,
ثم يقول :
لقد كانت - ولاتزال - قيادة هذا العالم بجدارة واستحقاق أشرف قيادة وأعظمها وأقواها في تاريخ الزعامة والقيادة , وقد أكرم الله بها العرب لما أخلصو لهذه الدعوة الاٍسلامية وتفانو في سبيلها , فأحبهم الناس في العالم حباً لم يعرف له نظير , وقلدوهم في كل شيء تقليداً لم يعرف له نظير , وخضعت للغتهم اللغات , ولثقافتهم الثقافات , ولحضارتهم الحضارات , فكانت لغتهم هي لغة العلم والتأليف في العالم المتمدن من أقصاه اٍلى أقصاه , وهي اللغة المقدسة الحبيبة التي يؤثرها الناس على لغاتهم التي نشأوا عليها , ويؤلفون فيها أعظم مؤلفاتهم وأحب مؤلفاتهم , ويتقنونها كأبنائها وأحسن , وينبغ فيها أدباء ومؤلفون يخضع لهم المثقفون في العالم العربي , ويقر بفضلهم واٍمامتهم أدباء االعرب ونقادهم ..........
وبقيت هذه القيادة الشاملة الكاملة مدة طويلة والناس لايفكرون في ثورة عليه , وفي التخلص منها , كما هي عادة المفتوحين والأمم المغلوبة على أمرها في كل عهد , لأن صلتهم بهذه القيادة ليست صلة المفتوح بالفاتح أو المحكوم بالحاكم اوالرقيق بالسيد القاهر , اٍنما هي صلة المتدين بالمتدين , وصلة المؤمن بالمؤمن , وعلى الأكثر اٍنما هي صلة التابع بالمتبوع الذي سبقه بمعرفة الحق والاٍيمان بالدعوة والتفاني في سببيلها , فلامحل للثورة , ولامحل للتذمر , ولامحل لنكرن الجميل , اٍنما اللائق أن يعترفوا لهم بالفضل وتلهج ألسننتهم بالشكر والدعاء , وأن يقولو : ( ربنا اغفر لنا ولاٍخواننا الذين سبقونا بالاٍيمان ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا اٍنك رؤوف رحيم ) .
ويقول المؤلف في الأخير :
اٍلى متى أيها العرب تصرفون قواكم الجبارة التي فتحتم به العالم القديم في ميادين ضيقة محدودة ؟
واٍلى متى ينحصر هذا السيل العرم - الذي جرف بالأمس بالمدنيات والحكومات - في حدود هذا الوادي الضيق , تصطرع أمواجه ويلتهم بعضها بعضاً ؟
اٍليكم هذا العالم الاٍنساني الفسيح الذي اختاركم الله لقيادته واجتباكم لهدايته , وكانت البعثة المحمدية فاتحة هذا العهد الجديد في تاريخ أمتكم وفي تاريخ العالم جميعاً , وفي مصيركم ومصير العالم جميعاً فاحتضنوا هذه الدعوة الاٍسلامية من جديد وتفانوا في سبيلها وجاهدوا فيها ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم , هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتو الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم المصير ) هذه مقتطفات من آخر كتاب { أبو الحسن علي الحسني الندوي }
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟
صادر عن دار الصفا بالقاهرة .أعظم
أنصح اٍخوتي بقرائته لعظيم فائدتة وقدره .
وأسال الله سبحانه أن يعظم أجر مؤلف هذا الكتاب الرائع