أخي الحبيب:
وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى : فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع فيثوابه،
والخوف من عقابه، لا تقرباً الى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنياالزائلة، ولهذا قال
سبحانه: إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموابالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين [النساء:146].
ثانياً: الإقلاع عن المعصية:فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة. أما إن عاود
الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج الى توبته جديدة وهكذا.
ثالثاً: الاعتراف بالذنب:إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً.
رابعاً: الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي: ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما
بدر منه من المعاصي، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها ، ولهذا قال
: { الندم توبة } [رواه حمد وابن ماجة وصححه الألباني].
خامساً: العزم على عدم العودة: فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع الى الذنب بعد التوبة، وإنما
عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستقبل.
سادساً: ردّ المظالم إلى أهلها:
سابعاً: أن تصدر في زمن قبولها:وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، وقال : { إن
الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} [رواه أحمد والترمذي وصححه النووي]. وقال: { إن الله يبسط يده
بالليل ليتوب مسيءالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } [
رواه مسلم].
علامات قبول التوبة
1- أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها: وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه، فمن كان بعد
التوبة مقبلاً على الله، عالي الهمة قوي العزيمة دلّ ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها.
2- ألا يزال الخوف من العودة إلى الذنب مصاحباً له: فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه
مستمر حتى يسمع الملائكة الموكلين بقبض روحه: ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم
توعدون [فصلت:30]، فعند ذلك يزول خوفه ويذهب قلقه.
3- أن يستعظم الجناية التي تصدرمنه وإن كان قد تاب منها
:4 أن تحدث التوبة للعبد انكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه: وليس.
5- أن يحذر من أمر جوارحه:
احذر التسويف
أخي الحبيب:
إن العبد لا يدري متى أجله، ولا كم بقي من عمره، ومما يؤسف أن نجد من يسوّفون بالتوبة ويقولون:
ليس هذا وقت التوبة، دعونا نتمتع بالحياة، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب. إنها أهواء الشيطان،
وإغراءات الدنيا الفانية، والشيطان يمني الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك. فالبدارالبدار...
والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
فسارع أخي الحبيب الى التوبة، واحذر التسويف فإنه ذنب آخر يحتاج الى توبة، والتوبة واجبة على
الفور، فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك،
وتنقطع أنفاسك، وتنصرم لياليك.
تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، تب قبل أن يعاجلك المرض أو
الموت فلا تجد مهلة للتوبة. لا تغتر بسترالله وتوالي نعمه
أخي الحبيب:
بعض الناس يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، فإذا نُصح وحذّر من عاقبته اقال: ما بالنا نرى
أقواماً يبارزون الله بالمعاصي ليلاً ونهاراً، وامتلأت الأرض من خطاياهم، ومع ذلك يعيشون في رغد
من العيش وسعة من الرزق. ونسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وأن هذا
استدراج وإمهال من الله حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، يقول : { إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على
معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قوله عز وجل: فلمّانسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل
شئ حتى إذا فرحوا بما أوتواأخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله
ربّالعالمين } [رواه أحمد وإسناده جيد].
وأخيراً... !!
أخي الحبيب:
فِر الى الله بالتوبة ، فر من الهوى... فر من المعاصي... فر من الذنوب... فر من الشهوات... فر من
الدنيا كلها... وأقبل على الله تائباً راجعاً منيباً... اطرق بابه بالتوبة مهما كثرت ذنوبك، أو تعاظمت، فالله
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فهلمّ أخي الحبيب الى
رحمة الله وعفوه قبل أن يفوت الأوان.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من التائبين حقاً،المنيبين صدقاً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم.