بقلم : عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم يوماَ في المسجد .. وأصحابه حوله .. جلس كالقمر وسط النجوم في ظلام الليل .. يُعلّمهم ..يُؤدبهم ..يزكيهم ..
وإذا بامرأة متحجبة تدخل باب المسجد .. فسكت عليه الصلاة والسلام، وسكت أصحابه .. وأقبلت رُويداً .. تمشي وجلاً وخشية .. أقبلت تطلب الموت .... نعم تطلب الموت .. فالموت يهون إن كان معه المغفرة والصفح .. يهون إن كان بعده الرضا والقبول .. حتى وصلت إليه عليه الصلاة والسلام .. ثم وقفت أمامه .. وأخبرته أنها زنت !!! وقالت: (يا رسول الله أصبت حدًا فطهرني) ..
ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟! حوّل وجهه إلى الميمنة .. وسكت كأنه لم يسمع شيئاً ..
حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن ترجع المرأة عن كلامها .. فقالت واسمعي ماذا قالت .. قالت : أُراك يا رسول الله تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك .. فوا الله إني حبلى من الزنا ..!! فقال: ((اذهبي حتى تضعيه))
ويمر الشهر تلو الشهر .. والآلام تلد الآلام .. حملت طفلها تسعة أشهر.. ثم وضعته .. وفي أول يوم أتت به وقد لفَّته في خرقة .. وقالت: يا رسول الله .. طهرني من الزنا ..
فقال: ارجعي وأرضعيه فإذا فَطَمْتيه فعودي إليّ .. فذهبت إلى بيت أهلها .. فأرضعت طفلها .. وما يزداد الإيمان في قلبها إلا رسوًّا كرسوِّ الجبال ..
ثم أتت بالطفل بعد أن فطمته .. وفي يده كسرة خبز ..وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالت: طهرني يا رسول الله .. فأخذ – صلى الله عليه وسلم – طفلها وكأنه سلَّ قلبها من بين جنبيها وقال عليه الصلاة والسلام : " من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين ".
ويؤمر بها فتدفن إلى صدرها ثم أمر بها فَرُجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر – رضي الله عنه -: تُصلي عليها يا نبي الله وقد زنت!! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لقد تابت توبة، لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى" !!..
سبحان الله ..!! ما لذي جعلها تفعل هذا كله ؟!! إنه الخوف من الله .. إنها الخشية التي لم تزل بتلك المؤمنة .. نعم أذنبت .. ولكن قام في قلبها مقام التعظيم لمن عصت .. إنها التوبة ياختاه الله ..نعم إنها التوبة ياختاها الله ..
أختاه .. تأملي في قصة هذه المرأة .. كيف جادت بنفسها .. فلله درها ما اعظم ثباتها .. واكثر ثوابها ..
ثبتت على دينها .. برغم الفتنة العظيمة التي أحاطت بها ..
ومن هنا .. قارني يارعاك الله بين حال هذه المرة .. وحال كثير من فتياتنا ..
لا تستطيع إحداهن ترك المحرمات .. من نظرٍ لتمثلية ساقطة .. أو أغنية ماجنة .. أو ملبس فاضح .. أو اتصالات ومعاكسات ..
* الوجه الآخر :
أختاه .. وإن كانت هذه المرأة .. قد استدركت أمرها .. وتابت إلى بارئها .. فما بالُ كثير من فتياتنا لا زالت تصر على ولوج سراديب الفاحشة .. عبر المعاكسات والمحادثات .. وعبر الحب والصداقات .. ثم تأتي الطامة الكبرى والمصيبة العظمى.. تقول إحدى ضحايا هذا الطريق .. وهي تكفكف دموعها .. وتغص بعبراتها .. تقول : " لا أريد أن تكتبوا مأساتي هذه تحت عنوان ( دمعة ندم ) بل اكتبوها بعنوان ( دموع الندم والحسرة ) : إنها دموع كثيرة تجرعت خلالها آلاماً عديدة .. وإهانات ونظرات كلها تحتقرني بسب ما اقترفته في حق نفسي أهلي .. وقبل هذا وذاك .. حق ربي .. إنني فتاة لا تستحق الرحمة والشفقة .. لقد أسأت إلى والدتي وأخواني .. وجعلت أعينهم دوماً إلى الأرض .. لقد خنت الثقة التي أعطوني إياها بسبب الهاتف اللعين .. بسبب ذلك الإنسان المجرّد من الضمير .. الذي أغراني بكلامه المعسول .. فلعب بعواطفي وأحاسيسي .. حتى جعلني أتمادى في علاقتي معه إلى أسوأ منحدر .. وأدى بي في النهاية إلى فقدان أعز ما تفتخر به الفتاة ، ويفخر به أبواها .... لقد أضعت هذا الشرف مع إنسان عديم الشرف .. .. وعندما حاولت البحث عنه كان يتهرب مني على عكس ماكان يفعله معي من قبل أن يأخذ ما يريد .. لقد مكثت في نار وعذاب ولا يعلم إلا الله ما قاسيته من آلام نفسية بسبب عصياني لربي واقترافي لهذا الذنب .. وعندما علم بحملي عرض علي بمساعدتي في الإجهاض وإسقاط الجنين الذي يتحرك داخل أحشائي .. كدت اجن .. لم يفكر أن يتقدم للزواج مني لاصلاح ما فسده .. بل وضعني إمام خيارين : أما أن يتركني في محنتي أو اسقط هذا الحمل للنجاة من الفضيحة والعار .. !!!
* صور مشرقة ..
وبالمقابل أخيه تأملي في هذه الصور المشرقة ..آسيه .. هل تعرفينها ؟.. كانت ملكة على عرشها .. على أسرة ممهدة .. وفرش منضدة .. بين خدم يخدمون .. أهل يكرمون ... لكنها كانت مؤمنة تكتم إيمانها .. إنها آسية .. امرأة فرعون ... كانت في نعيم مقيم .. فلما رأت قوافل الشهداء .. تتسابق إلى أبواب السماء .. اشتاقت لمجاورة ربها .. وكرهت مجاورة فرعون ... فأعلنت إيمانها بالله .. فغضب فرعون .. واقسم لتذوقن الموت .. أو لتكفرن بالله .. ثم أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوح .. وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد .. أمر بضربها فضربت .. حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ من عظامها .. فلما اشتد عليها العذاب .. وعاينت الموت .. رفعت بصرها إلى السماء .. وقالت :" رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " .. ورفعت دعوتها إلى السماء .. قال ابن كثير : فكشف الله لها عن بيتها في الجنة .. فتبسمت .. ثم ماتت !!..ماذا قدمت للإسلام .. كم فتاة تابت على يدك .. كم تنفقين لهداية الفتيات إلى ربك ..
تقول بعض الصالحات : لا اجرؤ على الدعوة .. ولا إنكار المنكرات .. عجبا !! .. كيف تجرؤ مغنية فاجرة .. أن تغني أمام عشرة آلاف يلتهمونها بأعينهم قبل آذانهم .. ولم تقل أنى خائفة اخجل .. كيف تجرؤ راقصة داعرة .. أن تعرض جسدها أمام الالاف .. ولا تفزع وتوجل .. وأنت إذا أردنا منك مناصحة أو دعوة .. خذلك الشيطان .. بل بعض الفتيات .. تزين لغيرها المنكرات .. فتتبادل معهن مجلات الفحشاء .. واشرطة الغناء .. وهذا من التعاون على الإثم والعدوان .. والدخول في حزب الشيطان .. ولتنقلبن هذه المحبة إلى عداوة وبغضاء .. قال الله تعالى :" الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ألا المتقين " .. هذا حالهن في عر صات القيامة .. يلبسن لباس الخزي والندامة .. آما في النار .. فكما قال الله عن فريق من العصاة :" ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من الناصرين "
نعم يلعن بعضهن بعضا .. تقول لصاحبتها التي طالما جالستها في الدنيا .. وضاحكتها وقبلتها .. تقول لها يوم القيامة : لعنك الله أنت التي أوقعتني في الغزل والفحشاء .. فتصيح بها الأخرى : بل لعنك الله أنت .. فأنت التي أعطيتني أشرطة الغناء .. فتجيبها : بل أنت التي زينتي لي التسكع والسفور .. .. عجبا .. كيف غابت تلك الضحكات .. والهمسات واللمسات .. نعم .. لأنهن ما اجتمعن يوما على نصيحة أو خير .. فهن يوم القيامة يجتمعن .. ولكن أين يجتمعن ؟ .. في نار لا يخبو سعيرها .. ولا يبرد لهيبها .. ولا يخفف حرها .. إلا أن يشاء الله ..
ولكن ابشري يا أمة الله ... .. من تدنست بشيء من قذر المعاصي ـ وكلنا كذلك ـ فلتبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار.. فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ..
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: " إذا أذنب عبد فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفر لي فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى قال في الرابعة: فليعمل ما شاء " .. يعني مادام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصر...
وقد فتح ربكم أبوابه لكل التائبين .. يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .. يا خاطبنا في التنزيل فيقول ".. قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .. فلا اله إلا الله ما عظمها من نداءات .. وما أوسعها من رحمة .. وما اجله من رب غفور رحيم ..
فمن لفريقين تريد ين أن تكوني أنت ؟!
فهل آن لك أن ترجعي إلي ربك وتغتنمي جوده وكرمه .. وحلمه ورحمته .. فتلجئ إلى مولاك .. وتستغفريه من كل ذنب .. وتتوب إليه من كل سيئة ؟
واخيرا.. يا ختنا .. يا مربية الأجيال .. ومحض الرجال .. لايستخفك الذين لا يؤمنون .. الذين يذرفون من أجلك دموع .. التماسيح .. دعاة التحرير ـ زعموا ـ وهم دعاة التغريب والإفساد .. فأنت عندنا الجوهرة المكنونة .. والدرة المصونة .. باسمك سميت سورة من القران .. وعنك وعن حقوقك تحدث آي الفرقان .. وبك ومن أجلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاهتمام والإحسان .. آلا يكفيك شرف أن أول من اسلم امرأة .. واول من سكن الحرم امرأة .. وان إحدى رواة صحيح البخاري امرأة .. وان من اخرج لنا مالك والشافعي واحمد وابن تيمية هي امرأة .. ّ!!
إذا .. فقدرك رفيع .. وشانك في الإسلام عظيم .. فلما تستبدلين الذي أدنى بالذي هو خير .. أما رأيت واقع حال المرأة حينما تركت دينها .. أظهرت مفاتنها .. وتحررت من رق الرجال بزعمها .. ماهي حالها ؟! آليك صور من تلك أل أحوال .. وذلك البؤس والهوان .. في عام واحد أغتصب في أمريكا 99146.. منهن من يغتصبن من قبل آبائهن !! .. بل حدثني من أثق به من أهل العلم وهو ممن استوطن تلك البلاد إن بعض الدارسات تشير إلى انه كل دقيقة هناك محاولة اغتصاب .. !! ويقتل سنويا في أمريكا مليون طفل مابين إجهاض متعمد أو قتل فور الولادة !! وفي بريطانيا 150شابة تحمل سفاحا كل أسبوع !! ..
فيا أختاه ..
إياك واظهار المفاتن .. وإياك ولباس الكاسيات العاريات .. فهذه عباءة مطرزة .. وتلك مخصرة .. والثالثة على الكتفين .. والرابعة واسعة الكمين .. .. والحجاب .. إنما شرع لستر الزينة عن الرجال .. فإذا كان الحجاب في نفسه زينة .. فما الحاجة إليه .. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " صنفان من أهل النار لم أرهما .. رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس .. ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " .. فمن هي الفتاة التي لا تريد الجنة ولا رائحتها ؟ .. أما تعلمين .. انك بتبرجك وسفورك تصبحين وسيلة من وسائل الشيطان ؟ .. هل ترضين أن تكوني سببا في وقوع مسلم في الحرام ؟.. أتدرين انك إذا لبست عباءة متبرجة .. ثم رأتك فتاة فاشترت مثلها فلبستها .. أتعلمين إن عليك وزرها ووزر من قلدها هي أيضا إلى يوم القيامة .. أيسرك أن تكوني قدوة في الشر .. ولو سالت امرأة تزينت بعباءة من هذه الأنواع .. لماذا تلبسين هذه العباءة ؟ لقالت لك : هذه اجمل .. فاسأليها عند ذلك : تتجملين لمن !! نعم تتجملين لمن ؟!! لخاطب شريف .. أو زوج عفيف .. إنها تتزين لينظر أليها سفلة الناس .. ممن لا يلتفتون لمراقبة الله لهم .. ممن لا يهمهم شرفها .. ولا عفتها أو كرامتها .. يسعى أحدهم لشهوة فرجه .. ولذة عينه .. ثم إذا قضى حاجته منها .. ركلها بقدمه .. وبحث عن فريسة أخرى .. هل تفكرت يوما .. لماذا أمرك الله بالحجاب ..
فايتها المباركة رددي ثم رددي " سمعنا واطعنا " فان ذلك والله هو عنوان الحرية .. وهو طريق العبودية لله تعالى .. واصحابه هم الفائزون في الدنيا والآخرة .
.أسال الله أن يحفظك بحفظه وان يكلاك برعايته .. وان يجعلك صالحة مصلحة .. مباركة أينما كنت .. والله اعلم وصلى الله على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه ..
* أصل هذا المقال كتاب قصة امرأة للكاتب