تعجّ الغرفة بالناس من كل الأعراق والأجناس، الكلمات لا تتوقف عن التجوال والطقطقات تملأ أركان الغرفة فقمت نافضا عن جسمي الجمود قبل أن يتيبّس ثم فتحت الباب وخرجت أرفع رأسي إلى الأعلى وأحرك رقبتي يمينا وشمالا، حبست كمية كبيرة ثم زفيرا طويلا، ورغم أني كنت جالسا على مقعد مريح فإنني أشعر بالإعياء والصداع يطوق رأسي المتحجر وكنت أعزم على الهرب من الجموع المتهافتة بداخل الغرفة، أكاد أسمع صياحها وصراخها، وقبل أن أمضي إلى طريقي هتف صوت من بعيد ينادي.. صوت يدفق إلى أذني وغريب في الوقت نفسه لأني لم أسمع منذ اثنتي عشرة ساعة أحدهم يخاطبني، إنه يقترب مني.. إنه ينظر إلي وفي عينيه فرح ولهفة حقيقيان، أحسست بأنني أقف في وجه شخص بشوش أول مرة.
طوال هذا الوقت وأنا أحبس نفسي في هذه الغرفة الصغيرة مع هؤلاء الغرباء الذين كلفوا على أنفسهم مهمة تسليتي وتمضية أوقات ممتعة، تحدثنا وتعارفنا وصرنا أصدقاء مثلي أنا وصديقي هذا، بل أصبحنا أحباءَ وعشاقا وتبادلنا الضحكات والقبلات وبعض التعبيرات على وجوه اخترناها بأنفسنا لأنفسنا، وصرنا أرقاما وأسلاكا معبرة، لكننا كنا نرى بعضنا البعض مقيدين في مساحة الغرفة الضيقة جدا المكتظة بالأصوات المريضة والأجساد الباردة.. تطقطق والطقطقة تكاد تخرج من أسفل الباب لكن السجادَ يحبسها.
باسم الحب والسلام.. اختار كل شخص هنا اسما وعنوانا، وتبادل العشاق طقوس العشق بالأكاذيب واستمروا في الانتقال من غرفة إلى غرفة أخرى فهي كثيرة.
انتابني خوف شديد من هؤلاء الغرباء بعد أن كنت متحمسا للقائهم كي أفكر معهم.. وأشعر وألقي بعضا من همومي لكنهم حاولوا حتى انتزاع ثيابي عني، وفوجئت بأنه مكان ليس للخجلين من الناس وليس لمن هم مرهفو الإحساس.
ظل شريان التواصل في الغرفة مفتوحا ينزف اثنتي عشرة ساعة خرجت منها مبللا بالعرق ومغطى بسحابات سوداءَ فوق رأسي، سألني: أين أنت يا رجل؟ ثم فتح ذراعيه قائلا: كل هذا في غرف (التشات)؟ ثم حضنني وضمني إليه، رحب بي وأدفأ أفكاري حتى تضرجت بالحياة وابتسمت في عالم الحقيقة الذي يخلو من طقطقة أزرار الحاسوب.. إنه عالم يعبق بالإحساس أكادُ أشملا رائحته