بسم الله والحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وبعد
فجميل أن يكون الأخ مألوفا محبوبا مصدر بهجة ونشاط لمن حوله يمزح
مع من حوله أحيانا ليرقق قلب هذا ويكسب ود هذا ويدعو هذا ، ولكن الخطر كل الخطر أن يزيد هذا القدر من المزاح عن الحاجة فينقلب إلى الضد وتسقط الهيبة ويمرض القلب وبدلا من أن يكون المزاح لتحسين صورة الدين فى أعين الناس إذ بهذا المزاح يكون سببا فى تشويه الدين
وقد كنا نعيش زمنا ينصح فيه المشايخ الإخوة بضرورة التلطف والممازحة للأهل والزوجة و فى بعض المواقف التى تستدعى تليين قلب من حولك للدعوة ، إلى أننا صرنا نعيش زمن أنقلب فيه الأمر وصار المزاح هو السمة الغالبة على كثير من الإخوة إلا من رحم الله وضاعت الجدية فى العبادة والطاعة وطلب العلم وبدلا من أن يتلاقى الإخوة ليتذاكروا أصبح لقياهم للهزار والمزاح بل وتعدى الأمر من بعضهم إلى مزاح الجاهلية ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولا أخفيكم سرا أن هنا فى منتدانا هذا المزاح الزائد عن الحاجة أصبح مصدر إزعاج لى ولكثير من الإخوة فى المنتدى حيث أنه خرج من حد نشر الألفة بين الإخوة والترويح عنهم إلى الإنحراف بهم وبالمنتدى عن جادة الطريق
بل للأسف تجاوز بالبعض أن يدخل فى مزاحه شىء من الدين كإدخال سيرة القبر فى مزاحه أو غير ذلك وإن كان لا يقصد ولكن الأمر خطير ولو شئت لأتيت باقتباسات من بعض المشاركات ولكن حتى لا نحرج أحدا أمام الأعضاء فيكفى التذكير العام
وإنما كتبت هذا لحسن ظنى بكم وقد قال تعالى " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "
وقفة ...
الدين جد كله ،قال تعالى " إنه لقول فصل وماهو بالهزل " ولكن شرع لنا المزاح فى مواضع سيأتى ذكرها ،فمن عظمة هذا الدين أنه جاء مستوعبا لقدرات الإنسان وطبيعته ،والله بنا رحيم يعلم أننا نحتاج لشىء من الراحة والترويح
ولكن يا أخى أنا اسألك لماذا تمزح ؟ ما هى نيتك فى المزاح ؟ هل هى لغرض شرعى أم لهوى نفس ؟ هذا أمر يحتاج مراجعة نية ولا تتعجل ،لأن الأمور الموافقة للنفس من أصعب الأمور التى تعالج فيها النية
ثم إن كنت حقا تمزح لهدف شرعى فهل تعلمت فقه المزاح ؟
نعم فلكل أمر فى ديننا فقه لابد قبل التلبس به من معرفته
وقد وقفت مؤخرا على رسالة لأبى عبد الله السيد بن حموده بعنوان المزاح آداب وأحكام قدم لها الشيخين الكريمين الكبيرين فضيلة الشيخ محمد حسان والشيخ مصطفى العدوى حفظ الله الجميع
أنا أنصح كل الإخوة بشرائها وهى صغيرة الحجم عظيمة النفع
تناول فيها المؤلف تعريف المزاح وأنواعه وأحكامه وضوابطه وصور من مزاح النبى صلى الله عليه وسلم والسلف وبعض علماء العصر ثم علاج لكثرة المبتلى بالمزاح
أنقل لكم منها هنا مقتطفات سريعة بتصرف منى لكى لا أطيل
حكم المزاح
فالمزاح يدور بين أربعة أحكام ( مستحب ومباح ومكروه ومحرم )
فمستحب إذا صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب ومؤانسته
والحرام إذا ما تضمن مخالفة شرعية من كذب أو نميمة أو ترويع أو غير ذلك
والمباح الذى سلم من الحرام وليس فيه مصلحة شرعية
والمكروه إن أكثر من المزاح المباح وهذه هامة جدا إذ هى موطن الخلل عند كثير منا وسيأتى الكلام عنها تفصيلا فى الضوابط
ضوابط المزاح
1- أن يكون حقا ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يمزح إلا حقا
2- ألا يكون فى الدين
3-الاقتصاد فيه من غير إفراط ومداومة عليه وهنا مربط الفرس
قال الحافظ ابن حجر" المنهى عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر فى مهمات الدين ، ويئول كثيرا إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار ، والذى يسلم من ذلك هو المباح فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب " ا.هـ
قال الغزالى : ينبغى أن يكون من قبيل مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون إلا حقا ولا يؤذى قلبا ولا يفرط فيه ، فإن كنت أيها السامع تقتصر عليه أحيانا وعلى الندور فلا حرج عليك ، ولكن من الغلط العظيم أ، يتخذ الإنسان المزاح حرفة ، ويواظب عليه ويفرط فيه ثم يتمسك بفعل رسول الله - قلت محب أى ورود بعض الأثار فى مزاح النبى - فهو كمن يدور مع الزنوج أبدا لينظر إلى رقصهم ويتمسك بأن الرسول أذن لعائشة فى النظر إليهم وهم يلعبون ا.هـ
قال الراغب فى الجامع : المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويغرى السفهاء
قال الفيض الزبيدى : وقد قال الأئمة : الإكثار منه والخروج عن الحد مخل بالمروءة والوقار والتنزه عنه بالمرة مخل بالسنة والسيرة النبوية المأمور باتباعها والاقتداء ، وخير الأمور أوسطها
4- اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب
أهازل حين الهزل يحسن بالفتى .. وإنى إذا جد الرجال لذو جد
فلكل مقام مقال ولكل حالة لبوسها والحكمة وضع الشىء فى موضعه
5- ألا يخرج عن حد المستحب والمباح
صور من المزاح المحرم
1- المزاح فى الدين أو بأمر من أموره ، هذا فضلا عن الاستهزاء الذى فى الإعلام وغيره من بعض العلمانيين فهذا قد يؤدى إلى الكفر كما فى الآية المعروفة " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب "
2- الكذب فى المزاح ويدخل فيه كثير من النكت وغير ذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له " الترمذى بإسناد حسن
قال المناوى " أخذ الشافعية من هذا الخبر وما أشبهه أن اعتياد أكثر حكايات تضحك أو قعل خيالات كذلك خارم للمروءة راد للشهادة .... وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل فضيحة فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذى يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة كان أقبح القبائح ومن ثم قال الحكماء ( إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القبح ) ا.هـ
3- ترويع المسلم على وجه المزاح
وقد قال صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يروع مسلم
كأخذ شىء من متاعه دون علمه مزحا أو ابلاغه بخبر يسوءه كذبا أو غير ذلك مما يروع المسلم
4- المزاح بالإشارة بالسلاح وفيه نهى عظيم
5- المزاح مع غير المحارم
وهذا لأن المزاح فيه استعطاف وتليين للقلب فهذا يؤول لمعصية ويسبب فتنة
فوائد المزاح المحمود
قال ابن حبان : "إذا كان من غير معصية يسلى الهم ويرقع الخلة ويحيى النفوس "
ومنه أيضا حل المشاكل ، يثاب فاعله إن حسنت نيته ، استلانة قلوب الآخرين قال تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "
وبهذا جرى النصح والتنبيه لأننا إن كنا نعيب على بعض الإخوة الشدة والقسوة فى الردود ونقول إن الأصل الرحمة واللين وللشدة مواضع محدودة
فكذا نعيب كثرة المزاح والهزل ونقول إن الأصل الجدية والاجتهاد وإنما شرع المزاح والترويح فى مواضع محدودة ولفائدة شرعية
إذ خير الأمور الوسط وخير الهدى هدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
رزقنى الله وإياكم الاتباع والتمسك بالسنة ووفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه
غفر الله لى ولكم
منقول