أستودعكم الله.. لاتنسونى من دعائكم
تلاقينا على خير وكنا *** دليلاً للهدى زمن الضلال.
أحبكم صويحابى وربى *** وجاوز حبكم حد اعتدالى.
غدا ياصاحبى ستتركنا وتمضى *** ولن يبقى سوى الذكرى ببالى.
وفى قلبى من الأحزان نار*** يزيد ضرامها طول الليالى .
وداعا واغفروا ماكان منى *** وداعا واستروا ماضى فعالى.
وداعا يارفاق وسامحونــــــا *** وداعا والقلوب على اتصال.
وداعا يا أحبتنا وداعا *** وداعا قد دنا زمن ارتحالـــى.
زرع دنا حصاده ، رحلة العمر مضت كأضغاث أحلام ، و شمس العمر إلى مغيب،وصحيفتى تطوى،
والحبر يثبت، فهل لى من أثر جميل يمحو القبيح؟
إنها الحقيقة التي لا مفرَّ منها ولا مهرب طال الزمان أو قصر
** قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلِى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الجمعة 8
في أي مكان وفى أى وقت سنموت.
إنها لحظة الفراق ؛يوم يبدل الموت من حال إلى حال، وينقل من دار إلى دار، إنها المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، وأعظم منها الغفلة عنها، والإعراض عن ذكرها، وقلة التفكر فيها، وترك العمل لها.
لحظة صدق مع النفس.. أليس لكل شىء نهاية؟ فهل عملت لتلك النهاية؟
فاعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى ، واخشوا مفاجأة القضا .
كل باكٍ سيُبكى ، وكل ناعٍ سيُنعى ، وكل مذخور سيفنى ، وكل مذكور سيُنسى ، ليس غير الله يبقى .
من علا فالله أعلى ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آتٍ آت .
إنه المصيبة العظمى ، والرزية الكبرى ، ولا نجاة منه .
تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس*** قبل الردى لم تخلقي عبثا.
من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبارُ يخاف الشين والشعثا.
ويألف الظل كي تبقى بشاشته *** فسوف يسكن يوما راغما جدثا.
في قعر مظلمة غبراء موحشة *** يطيل تحت الثرى فى قعرها اللَّبَثا.
إنها الساعة التي تنكشف فيها الحقائق ، وتتقطع فيها العلائق ، ويتمنى الإنسان وليس له ما تمنى ، حينها ** يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ، يَقُولُ يَا لَيْتََني قَدَّمتُ لِحَيَاتِي } إنها الساعة التي يُعرف فيها المصير ؛ إما إلى نعيم دائم أو إلى عذاب مقيم.
هذه دارك غدا
فارقتٌ الأهل والأحباب ؛ وانفردت بحفرة وحيداً فريداً ليس عندك إلا ما قدمت
وحيداً فريداً في التراب وإنما *** قرين الفتى في القبر ما كان يعمل .
فراق الفراش اللين، والوسادة، إلى افتراش التراب.
(لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ق22
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون.
القبر أول ليلة بالله *** قل لي فيه ما يكون.
وكأنى بالقبر ينادي كل يوم
يا ابن ادم
تمشي اليوم علي ظهري وغدا ستحوى في بطني
تعصي الله علي ظهري وغدا ستعذب في بطني
تفرح اليوم علي ظهري وغدا تحزن في بطني
تضحك اليوم علي ظهري وغدا ستبكي في بطني
تأكل اليوم علي ظهري وغدا سيأكلك الدود في بطني
شمر عسى أن ينفعَ التشميرُ *** وانظر بفكرك ما إليه تصيرُ.
خرج المغرور من الدنيا ، ما صحبه سوى كفن ، إلى بيت البلى والعفن ، آه لو رأيته ، قد حلَّت به المحن ، وتغيَّر ذلك الوجه الحسن وصرت مأكولا بعد أن كنت آكلا.
لحظة الفراق
كتب الله لحظة الفراق على جميع مخلوقاته، قال الله تعالى:
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
هل تذكرت لحظة الفراق عندما تلقي آخر النظرات على هذه الدنيا وتستقبل الآخرة بما فيها من الأهوال والصعاب
فإما إلى روضة وجنة و نعيم مقيم وإما إلى سموم وحميم وتصلية جحيم
هو الموت ما منه ملاذ ومهربُ *** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ.
نشاهد ذا عين اليقين حقيقـةً *** عليه مضى طفل وكهل وأشيب.
فما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟! وما هذا التفريط وأنتم على الآثار، وقد أيقنتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟!
ويح نفس بين صحيفة قد اسودت، ونفس كلما نُصحت صدت وندّت.
ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسبُ *** وتجمع في لوح حفيظ وتكتبُ.
وقلبك في سهو ولهو وغفلـة *** وأنت على الدنيا حريص معذبُ.
تباهي بجمع المال من غير حله *** وتسعى حثيثاً في المعاصي وتذنبُ.
تلك حقيقة الدنيا
الدنيا إذا حلت أوحلت و إذا جلت أوجلت و إذا غلت أوغلت و إذا كست أوكست
و إذا أينعت نعت و إذا أوشكت شكت و إذا أقبلت بلت .. و كم من عاشق عاش في سلامات فلما سلا مات
و كم من ملك رفعت له علامات فلما علا مات ، و كم من القبور تبنى و ما تبنا.
هي الدنيا تقول بملء فيها *** حذار حذار من بطشي وفتكي.
فلا يغرركم منى ابتسامة *** فقولى مضحك والفعل مبكى.
الأنفاس الأخيرة
يا لها من ساعة لا تشبهها ساعة ، يندم فيها التقى ، فكيف بأهل الإضاعة ؟!.
فتخيل نفسك عبد الله ، في نزع الموت وكربه وغصصه وسكراته وغمّه وآهاته ، وقد حلت بك السكرات،ونزل بك الأنين والغمرات
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) سورة ق، الآيتان: 19، 20
وقد بدأ المَلك يجذب روحك من قدمك ..وبدأت الروح تخرج من أعضائك عضواً عضواً ، فبردت قدماك ، ثم بردت اليدان ،ثم يبست الشفتان ،وشخصت عيناك ،
ثم بلغت الحلقوم ** فَلَولا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ ، وَ أَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ }ثم حل بك القضاء، وانتزعت نفسك من الأعضاء، ثم عُرج بها إلى السماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك، وأحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، فانقطع عوّادك واستراح حسادك، وانصرف أهلك بمالك، وبقيت مرتهنًا بأعمالك.
مثل نفسك وقد أخذت من فراشك ثم نقلت إلى بيت الوحشة والوحدة، بيت الضيق والظلمة، بيت الدود والأهوال المطمة، بيتٌ على قرب المكان، وحيدٌ مع كثرة الجيران، مقيمٌ بين أقوامٍ كانوا فبانوا.
أما تذكر الموت المفاجئك في غد *** أما أنت من بعد السلامة تعطبُ.
أما تذكر القبر الوحيش ولحده *** به الجسم من بعد العمارة يخربُ.
أما تذكر اليوم الطويل وهوله *** وميزان قسط للوفاء سينصبُ.
تروح وتغدو في مراحك لاهياً *** وسوف بأشراك المنية تنشبُ.
تعالج نزع الروح من كل مفصلٍ *** فلا راحم ينجي ولا ثم مهربُ.
وغمضت العينان بعد خروجها *** وبسطت الرجلان والرأس يعصبُ.
وقاموا سراعاً في جهازك أحضروا *** حنوطاً وأكفانا وللماء قربوا.
وقد نشروا الأكفان من بعد طيها *** وقد بخروا منشورهن وطيبوا.
وألقوك فيما بينهن وأدرجـوا *** عليك مثاني طيهن وعصبوا.
وفي حفرة ألقوك حيران مفرداً *** تضمك بيداء من الأرض سبسبُ.
إذا كان هذا حالنا بعد موتنا *** فكيف يطيب اليوم أكلٌ ومشربُ.
وكيف يطيب العيش والقبر مسكنٌ *** به ظلمات غيهب ثم غيهبُ.
وهول وديدان وروع ووحشةٌ *** وكل جديد سوف يبلى ويذهبُ.
فيا نفس خافي الله وارج ثوابه *** فهادم لذات الفتى سوف يقربُ.
لما نزل به الموت صلى الله عليه وسلم جعل يمسح وجهه بالماء ويقول: **لا إله إلا الله إن للموت لسكرات }
فيا لها من ساعة يتكدر فيها الصفا، ويتنغص فيها العيش !
عسكر الموت ينتظرونك
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال:
استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول:
أيتها النفس الطيبة!
اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقا فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟
فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ويستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة.
فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى،
قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟
فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام.فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟
فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مد بصره.
قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، فيأتيه حسن الثياب، طيب الريح
فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .
وإن العبد الكافر -وفي رواية- المنافق -وفي رواية- الفاجر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت
حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما يُنتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا قذفها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض،
فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له،
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]
فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]
قال صلى الله عليه وسلم: فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟
فيقول: هاه هاه.. لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه.. لا أدري.
فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه.. لا أدري.
فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح،
فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة } 1676 في صحيح الجامع
سفر بلا عودة
هلْكَى هذا السفر كثير لأن زادهم قليل، والناجون فيه واحد من ألف!.
فلا تعجب ممن هلك كيف هلك، ولكن اعجب ممن نجى كيف نجى؟.
الغريب إذا سافر يرجى رجوعه، وإن طالت السنين، ولكن إذا مات الميت فلا يرجى رجوعه أبدا.
إلا إذا قامت القيامة وقام الناس لرب العالمين،
قيل لأحد الحكماء: ما لك تُدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض ؟ فقال:
حملت العصا لا الضَّعف أوجبَ*** حمْلَها عليَّ ولا أنَّي تحنيت من كبر.
و لكنني ألزمت نفسيَ حمْلها*** لأعلمها أن المقيم على سفر.
عن ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبّان فيتعبد فيها. فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون. قال: فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق وناموا الليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، قال: فمر بهم ذات يوم، فقال لهم هذه المقالة. فقال شابٌ منهم: يا قوم! إنه والله ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلغو، وبالليل ننام. ثم اتبع صلة، فلم يزل يختلف معه إلى الجبّان ويتعبد معه حتى مات، رحمهما الله.
يقول زين العابدين رحمه الله:
ليس الغريب غريب الشام واليمن *** إن الغريب غريب اللحد والكفنِ.
تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ *** ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ.
سفري بعيدٌ وزادي لا يبلغني *** وقوتى ضعفت والموت يطلبني.
ما أحلم الله عني حيث أمهلني *** وقد تماديت في ذنبي ويسترني.
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً *** على المعاصي وعين الله تنظرني.
يا زلة كتبت يا غفلة ذهبت *** يا حسرة بقيت في القلب تقتلني.
دع عنك عذلى يا من كان يعذلني *** لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني.
دعني أنوح على نفسي وأندبها *** وأقطع الدهر بالتذكار والحزن.
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها *** فهل عسى عبرة منها تخلصني.
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً *** على الفراش وأيديهم تقلبني.
وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني *** ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني .
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها *** من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هونِ
واستخرج الروح مني في تغرغرها *** وصار في الحلق مراً حين غرغرني.
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا *** بعد الإياس وجدوا في شرا الكفني.
وقام من كان أولى الناس في عجلٍ *** إلى المغسل يأتيني يغسلني.
وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً *** حراً أديباً أريباً عارفاً فطنِ.
فجاءني رجلٌ منهم فجردني *** من الثياب وأعراني وأفردني.
وأطرحوني على الألواح منفرداً *** وصار فوقي خرير الما ينظفني.
وألبسوني ثياباً لا كموم لها *** وصار زادي حنوطاً حين حنطني.
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا *** خلف الإمام فصلى ثم ودعني.
صلوا علي صلاة لا ركوع لها *** ولا سجود لعل الله يرحمني.
وأنزلوني في قبري على مهلٍ *** وأنزلوا واحداً منهم يلحدني.
فقام محتزماً بالعزم مشتملاً *** وصفف اللبن من فوقي وفارقني.
وقال هلوا عليه الترب واغتنموا *** حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ.
في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا *** أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني.
فامنن علي بعفوٍ منك يا أملي *** فإنني موثقٌ بالذنب مرتهن.
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا *** وصار وزري على ظهري فأثقلني.
فلا تغرنك الدنيا وزينتها *** وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ.
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير الحنط والكفنِ.
خذ القناعة من دنياك وارض بها *** لو لم يكن لك منها إلا راحة البدنِ.
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي *** فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني.
رأيت الموت
كنت مقصراً بالصلاة أو بالأحرى لا أعرف المسجد .
وقبل رمضان عام ( 1420 ) نمت في بيتي ورأيت في منامي عجباً ؛
رأيت أني في فراشي نائم فأتت إليَّ زوجتي تريد إيقاظي فرددت عليها ماذا تريدين ، ولكن المفاجأة أنها لا تسمع كلامي ثم إنها كررت إيقاظي مراراً وتكراراً وكنت أرد عليها : ماذا تريدين ، ولكنها كذلك لا تسمع كلامي . ثم ذهبت خائفة ونادت إخوتي فأتوا ومعهم الطبيب فكشف علي الطبيب ، فقلت له ماذا تريد ؟ ولكن المفاجأة كذلك الطبيب لا يسمعني وأخبر أخوتي أني قد توفيت ففزعوا وبكوا على وفاتي مع أني لم أمت ولكن لا أدري لماذا لم يسمعوا كلامي فقد كانت حالتي عصيبة جداً ، حيث أرى زوجتي وإخواتي وأكلمهم وأنظر إليهم ولكن لا يكلمونني ، ثم إني سمعتهم يقولون عن جنازتي عجلوا بها إن كانت شراً توضع عن الأعناق ، ثم اذهبوا بي إلى المقبرة وكنت أكلم كل من يواجهني في الطريق أني حي ولم أمت . ولكن لا يرد علي أحد .
ثم لما وصلوا بي إلى المقبرة نزعوا ثيابي وغسلوني وكفنوني ثم ذهبوا بي إلى المسجد ثم إني كلمت الإمام وقلت له إني حي ولم أمت ولكن الإمام لا يرد علي حتى إنني أسمعهم وأنظر إليهم وهم يصلون علي وبعد الصلاة ذهبوا بي إلى المقبرة وكنت أنظر إلى الناس وهم يريدون دفني ثم وضعوني في اللحد . وكلمت آخر واحد أراه .
كأني بيني وبينه اللبن ، فقلت له إنني لم أمت فلا تدفنوني ولكن لم يرد علي .
ثم هالوا علي التراب وبدأت أتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إن الميت يسمع قرع النعال " فسمعت قرع نعالهم لما ذهبوا عن قبري . وبعد ذلك تأكدت الآن أني في مكان مظلم وأني في موقف عظيم وبعد ذلك أتى إلي رجلان هائلان مفزعان وقف واحد عند رجلي والآخر عند رأسي وسألني من ربك : فبدأت أردد ربي ربي وأنا أعرف من هو ربي ولكن لا أدري كيف نسيت .
وكذلك سألني من نبيك ؟ فبدأت أردد نبيي نبيي ، فسألني : ما دينك ؟ فقلت : ديني ديني ولم يخطر على بالي إلا زوجتي ودكاني وعيالي وسيارتي حتى أتى بمرزبة كبيرة تضربني ضربة قوية صرخت منها صرخة أيقظت من كان نائماً في المنزل وبدأت زوجتي تسمي علي . وتقول لماذا تصرخ وتصيح .
وبعد ذلك عرفت أنها رؤيا ثم أذن الفجر مباشرة وقد كتبت لي حياة جديدة وكانت هذه الرؤيا سبباً لهدايتي والتزامي وتكسيري للدشوش وغيرها من المحرمات حتى أقبلت بحمد الله على الصلاة وطاعة ربي وأعيش الآن مع زوجتي وأولادي وإخواني حياة السعادة والراحة . فأسأل الله عز وجل أن يميتني على طاعته.
ماذا أقول لربى حين ألقاه
بالله عليك ماعذرك وأنت تقف بين يدى الله وقد أفاض عليك بنعمه وفضله ، تصرخ ** رَبِّ ارْجِعُونِ } .
هل نسيت شيئًا لترجع؟ وهل أضعت مفقودًا لتعود وتنظر؟ سنوات طويلة مرت من عمرك وأنت غافل عنها ومقصر في حقها فالآن تطلب الرجوع وترجو العودة.
نعم أنادي بالعودة ** لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } .
وأين أنت عن هذا اليوم؟ ألا تعمل وأنت في سعة من الوقت وفسحة من الزمن؟
والله لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيق بأن يطول فكره ويعظم له استعداده.
كيف ونحن نعلم أن وراء الموت القبر وظلمته، والصراط ودقته والحساب وشدته، أهوال وأهوال لا يعلم عظمها إلا بالله.
بعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهي وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور، أهذه هي نهاية ابن آدم في هذه الحفرة الضيقة المظلمة.
تالله لو عاش الفتى في دهره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره.
مُتلذذاً فيها بكل لذيذة *** مُتنعما فيها بنعمى عصره.
ما كان ذلك كله في أن يفي *** بمبيت أول ليلة في قبره.
أما آن لقلبك أن يخشع..أما آن لعينك أن تدمع
قال صلى الله عليه وسلم :
والله لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون بالبكاء ولحثيتم على رؤوسكم التراب .
وهذا الكلام موجه للصحابة رضي الله عنهم فكيف بك أنت أيها الغافل اللاهي تلهو وتلعب وتغني وتعصي الله صباحاً ومساء، ولا كأن أمامك موت ولا قبر ولا حشر ولا نشر، ولا كأن أمامك هذه الأهوال العظيمة، فما أقسى والله قلبك وما أقل عقلك.
ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً *** والناس حولك يضحكون سروراً.
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكاً مسروراً.
نعم حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد ولكن أصبحُوا تائبين وأمسوُا تائبين
يا من بدنياه انشــغل *** وغره طــــــول الأمل
المـــــوت يأتي بغتة *** والقبر صندوق العمل
ويقول ابن رجب : " فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر ، لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب ، فيحشر في زمرة الظالمين قال تعالى :**مَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }" لطائف المعارف ص:458 .
ولما احتضر عامر بن عبدالله بكى قال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون , اللهم إنى أستغفرك من تقصيري و تفريطي , وأتوب إليك من جميع ذنوبي , لا إله إلا لله , ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله.
وقال عمرو بن العاص -رحمه لله - عند موته : اللهم أمرتنا فعصينا , ونهيتنا فركبنا , ولا يسعنا إلا عفوك , لا إله إلا لله ثم رددها حتى مات .
ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه
قال الله عز وجل : ( أفَرَأَيْتَ إنْ متَّعناهُمْ سنين ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يَوعدَونَ ، مَا أَغنَى عَنهُم مَا كانُوا يُمَتَّعُون ) سورة الشعراء
تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال : إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم ، وفي هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه :
عش ما بدا لك سالما *** في ظل شاهقة القصــــور.
يسعى عليك بما اشتهيت *** لدى الــــرَّواح وفي البكـور.
فإذا النفــــوس تقعــــقعت *** في ضيق حشرجة الصدور.
فهــــــناك تعلم موقـــــنا *** ما كـــــنت إلا في غـــــرور.
فهل لك يا عبدالله في الفلاح والنجاح والفوز والنجاة في لحظة واحدة ، لحظة صدق تتذكر ما مضى من جنايات ومخالفات فتصلح الماضي بتوبة ، وتصلح الحاضر بعمل صالح ، وتصلح المستقبل بعزيمة صادقة ونية مخلصة على الاستمرار في طاعة الله عز وجل والتزود بالتقوى ، فالموفق السعيد من وفق لتوبة نصوح
فمتى أرى دموع التوبة من مقلتيك تنهمر ؟ متى تزف إلي جميل الخبر؟
وتقوى على كسر القيود وتنتصر ؟ إني بفارغ الصبر أنتظر .
رحلت ساجدة
عجوز بلغت الثمانين من عمرها في مدينة الرياض ، جلست مع النساء فوجدت أن وقتهن يضيع في المحرَّم وما لا فائدة فيه فاعتزلتهن في بيتها تذكر الله دائماً ، ووضعت لها سجادة تقوم من الليل أكثره .
في ليلة قام ولدها الوحيد البار بها عندما سمع نداءها ؛ يقول : ذهبت إليها ، فإذا هي على هيئة السجود تقول : يا يُنيَّ ، ما يتحرك فيَّ الآن سوى لساني
قال : أذهب بك إلى المستشفى ؟قالت : لا ، أقعدني هنا
قال : والله لأذهبن بك ، وكان حريصاً على برها تجمع الأطباء كل يدلي بدلوه ولا فعل لأحدهم مع قدر الله
قالت لابنها : أسألك بالله إلا مارددتني إلى بيتي وإلى سجادتي فأخذها ووضَّأها وأعادها إلى سجادتها فأخذت تصلي
قال : وقبل الفجر بوقت غير طويل نادتني تقول :
يا بني أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه .. أشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .. ثم لفظت أنفاسها الأخيرة .
فما كان منه إلا أن قام فغسلها وهي ساجدة ، وكفنها وهي ساجدة ، وحملوها إلى الصلاة ثم إلى القبر وهي ساجدة ، ثم وسعوا القبر ودفنوها وهي ساجدة .
***
هكذا فليكن الرحيل ، كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى متّ.
أعمارنا قصيرة وآجالنا مكتوبة وأنفاسنا معدودة لنتأمل فعل هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه بيده وينظر إليها، ويقول: ** مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } سورة الحاقة، الآيتان: 28، 29.
فمن منا ينتقي أكفانه ويضعها في بيته؟
تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يا نؤومُ
اللهم أحسن خاتمتنا واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة وارزقنا الفردوس الأعلى من الجنة.
أعده الفقير إلى الله/ أبو مسلم وليد برجاس
عودة ودعوة