سفراءُ الإِسْلامِ في الغُرْبَةِ
قرأ رجلٌ من أهل أوروبا عن الإسلام ثم هداه الله تعالى وشرح صدره إلى دين الحق فاعتنقه بعد جهدٍ ذاتي ، وقرر بعد الهداية أن يترك بلاده ويسافر إلى بلاد دينه الجديد حتى يجد من ييسر له سبل التدين المنشود.
ولكنه صُدِمَ بَعْد عدة انتقالاتٍ بين البلدان العربية حيث إنه فُوجئَ بضدِّ مطلبه وبغيته ، لقد كان يتخيل أنه سينعم بجنة القرب من أحفاد الصحابة وأرض الأنبياء .
فإذا به يشاهد صوراً من البعد النائي بين المعلوم من الدين والواقع الذي يعيشه أتباع الإسلام في أرضهم .
وقد قرر أخيراً أن يعود إلى موطنه ويترك البلاد التي زارها فوراً.
وقبل أن يترك المدينة التي عاش فيها سنتين قال كلاماً مُرّاً لإمام المسجد الذي كان يصلّى فيه.
كان مما قال: ( إننى أحمد الله تعالى على أنني تعرّفت على الإسلام قبل أن أتعرّفَ على المسلمين ، لقد كنت أتوقع أن أجد هنا من يساعدني على ديني ، ولكني وجدت الفرق شاسعاُ بين ما عرفته عن الإسلام وبين واقع المسلمين ) . وحمل رحاله وسافر من حيث جاء.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن حقيقة التدين الصادق هي المحاولة الدائمة لرسم صورةٍ لمجتمع يضم أفراداً ملتزمين ، يحاولون تطبيق أحكام الدين حتى تكون تصرفاتهم هي التعبير الواضح عن دينهم، وحتى يسوّقون دينهم في عيون من يرومون هدايتهم على غرار ما قام به الرعيل الأول من هذه الأمة.
حيث كان التجّار الذين طافوا شرق الكرة الأرضية هم مفاتيح الخير ومصابيح الهداية للملايين الذين دخلوا في دين الله أفواجاً .
لقد كانوا يسيرون خلف السهول والهضاب يحملون هذا الدين في قلوبهم ، ويظهر عطره الفوّاح على جوارحهم التي لم تعرف الحرام من أي طريق.
فصاروا مضرب الأمثال في الأخلاق الكريمة والمعاملة النقية التي جذبت أمما بكاملها إلى الإسلام بغير أن يكون فيهم من يتخصص بالدعوة أو الخطب الرنانة والكلام المعجب .
لم يكونوا يحملون خططاً دعوية في رؤوسهم ، ولم يكونوا يعملون لصالح بلدٍ معيّن أو هيئةٍ معينة وإنما كانوا كما قال الله تعالى: { يريدون وجهه..... } ( الكهف28) .
وكان حداؤهم على الطريق :{ حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } ( التوبة59) .
وقد منحهم شارات الشرف ونياشين الاصطفاء لما قال : { صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} ( الأحزاب 23) .
نظرة على واقع الأمة :
وفي الأزمنة الأخيرة من حياة الأمة يشهد الواقع انفصاماُ صارخا ً بين الادعاء والدليل ؛ بمعنى أن هناك كثيراً من الادعاءات التي ينقصها الدليل .
فكل الناس يدعي حسن التدين ويظن أنه على ساحل الهداية منذ أزمان ، ولو تتبعت حاله بشيء من التفرس لوجدت أن الحال ينطق بحسن المقال ورداءة الفعال ما بين القول والفعل كما بين السماء والأرض .
لا بد وأن يعلم المسلم أن الله خلقه في هذا الكون سبباً لإقامة دين الله في الأرض وتعريف الناس ما هو هذا الإسلام.
بمعنى أنه خليفة عن الله تعالى فى تصريف الحياة بأمر الله ، ومن فضله تعالى على عباده أنه أيدهم بالنبي الذي بين لهم الشرع المجيد.
المسلم سفير عن دينه في كل مكان:
وأنت يا أخي المسلم مسئول عن هذا الدين وعن إقامته بين الناس وخصوصاً إذا كنا نعيش في بلاد الغربة ، حيث تزداد المسئولية وتعظم قيمة العبد بمقدار ما يحمله من هم هذا الدين.
حيث إنك تعيش في عالم غريب في اعتقاده ومبادئه وأخلاقه وسلوكياته، ليس لك أن تنجرف مع الناس الذين تعيش معهم في أخبث عقائدهم وصفاتهم وتصرفاتهم ، بل واجبك أن تقيم الإسلام باسم الله ليفتح الله لك القلوب ولتتمكن من التوحيد الطاهر الذي حرمت منه النفوس العطشى إلى الإسلام العظيم ، الذي لو عرفوه ماتركوه.
فلا تكن سبباً في تأخير الهداية التي تملكها للناس؛ لأن الله سائلك يوم القيامة عن ذلك .
إنما أنت سفير عن الله وعن رسوله في هذه البلاد التي يسر الله تعالى لك الوصول إليها واكتساب الرزق منها.
إنما أنت بينهم للهداية فقط لا للغواية والركض وراء المصالح الدنيوية المؤقتة والشهوات ، هذه ليست أخلاقنا ، هذه ليست رسالتنا ، إنما نحن باختصار حملة دين ، وأهل مسئولية ، لا ينبغي لنا أن ننساها طرفة عين .
دليل السفراء:
وأنتم تعلمون – إخوتي – أن كل سفارة لها منهج ونظام وتدابير معينة فما هو دليلك؟
لا شك أنه القرآن وسنة النبي العدنان القائل: { تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي } .
فدليلنا على طريقنا هو ما قال الله تعالى وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ليس لنا أن نرده أو نحرفه أو نلغيه أو نغير معناه.
قال الله تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ..... } ( الأحزاب 36).
بل إن الله تعالى حذرنا من مغبة المخالفة فقال: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ( النور63 ).
كل فرد على مسئولية :
وليعلم كل من اختاره الله تعالى للعيش في هذه البلاد بأنه على مسئولية خاصة به وواجبة عليه ، إنه كالجندي والحارس الذي لا تغفل له عين ولا يغمض له جفن ، إنه حارس أولاده وزوجته من سوء الأخلاق وعدم التدين كما أنه مسئول أن يطعمهم ويكسوهم.
والتاجر مسئول عن إقامة دين الله في تجارته وذا يفرض عليه أولاً أن يتعلم أحكام الدين فيما يخص التجارة، فلربما يربح من حرام وهو لا يدرى فيدخل لأجواف أولاده وأهله وأحب الناس إليه ناراً وهو لا يشعر بذلك لجهله واستخفافه بدين الله.
كان عمر بن الخطاب يقول : [ لا بيع في سوقنا إلا لمن تفقه في دين الله تعالى ] .
والطبيب مسئول عن تقديم الصورة المسلمة في وظيفته ، وكذلك المعلم والموظف ، وكل شرائح المجتمع .
والجميع مسئولون مسئولية جماعية عن الهمة العلية للعمل على الدعوة في سبيل الله بالكلمة الطيبة الواعية التي تصدر من عقل ذكي وقلب تقي.
مسئولون كذلك عن تقديم العون المالي لمصلحة هذا الدين بدلاُ من انتظاره من الخارج فليس المسلمون في هذه البلد فقراء ، إنما الفقر في القلوب لا في الجيوب .
وعلى الأخت المسلمة تقديم أجلى الصور من فيض الخلق الكريم الذي يجمع بين الحياء والوفاء وطهارة اللسان والإحسان إلى الجيران.
زيادةً على التحنن الدائم لزوجها وراحته وعفته ومساعدته وعدم إرهاقه مع التمسك الدائم حتى الممات بحجابها الذي هو رمز عفتها ، والتطلع المستمر لأولادها وبناتها لتربيهم على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وعدم تركهم فريسة لهذا الطوفان الإباحي المدمر.
خير للمرأة المسلمة أن تربي أولادها ، فتربية الشوارع وأصدقاء السوء تخلق جيلاً بطالاً متسكعاً لا قيمة له ، وأنتم تعلمون ضراوة الواقع الذي يموج بالفتن وفيه كل جراثيم العفن الأخلاقي الذي يؤثر سلباً على تكوين أولادنا .
إن مسئوليتنا جميعاً في هذا الصدد هو تكوين جيل جديد قادر على تحمل المسئولية أفضل مما تحملناها ، يحمل هم الإسلام فقط لا هم الدرهم والدينار والشهوات الجامحة والعلو فى أرض الله..
أخى المسلم:
من المعلوم والمعقول أن فاقد الشيء لايعطيه ، وأن الإنسان لا يمكن أن يحمل رسالة لا يعرف عنها شيئا.
لهذا واجب على كل سفير باسم الإسلام أن يعرف ما هو الإسلام، وأن يحاول بنية صافية وصادقة لله تعالى أن يطبق هذا الدين في كل أمور حياته ، في معايشه وعباداته وصداقاته وحبه وبغضه وعطائه وأخذه وكل شئون الحياة.
فإذا رآه الأجانب على هذه الصورة أحبوها وأحبوه وسألوا عنه: لماذا يفعل كذا ولا يفعل كذا؟ فنجيبهم : لأنه مسلم يتقي الله ، فيكون فعله في الناس أبلغ بكثير من الوعظ وكثرة الكلام .
دياركم تكتب آثاركم:
سيسجل التاريخ يوماُ أننا كنا هنا ، لكن ؛ إن كتب التاريخ عنا ماذا سيقول ؟ هل ننتظر أن يجاملنا التاريخ ويقول أننا ربينا جيلاُ على قدر المسئولية ؟ .
والإجابة لا شك تختلف من إنسان إلى آخر فمن الناس من بنى أولاده وأسرته على تقوى من الله ورصوان ومنهم من بنى بيته وأولاده على شفا جرفٍ هار فانهار به مع أول صدمة فى الحياة.
{ دياركم تكتب آثاركم} هكذا قالها النبي صلى الله عليه وسلم لبني سلمة والخطاب لكل المسلمين .
ديارنا تكتب آثارنا إن صلينا أو فسقنا ، إن كنا نلهو ونلعب أو نهتم بمعالي الأمور ، أنفاسنا في بيوتنا معدودة علينا ، وحركاتنا ، وحسناتنا ، وسيئاتنا ، والله مطلع علينا.
إن الغافل والأحمق هو الذي يقول فى نفسه : أنا في بلاد غريبة أفعل ما أشاء، أنا حر ، لا رقيب علي ، وهذا أول طريق الضياع الحقيقي.
صورة المسلم فى عيون الغربيين :
لنحاول أن نغير الصورة السلبية التي ران عليها الكذب أحيانا وشوهتها تصرفات بعض المسلمين المغتربين أحياناً أخرى .
صورة المسلم في الإعلام الغربي أنتم تعرفونها ، ليس له في أذهانهم إلا أنه شهواني، إرهابي ، مقيد حرية النساء ، وغيرها من الصور السلبية التي تنفخ فيها نار الحقد الذي يصورنا دائماً بأننا متهمون .
وعلى المجال التجاري علينا أن نسأل أنفسنا : يا ترى ماهي صورة المسلم عند غير المسلمين في مجال البيع والشراء ؟ أرجو أن تكون الإجابة فى صالحنا ؛ لأن ذلك من حمل المسئولية وحسن السفارة عن الله ورسوله .
ويا ترى ما هي شهادة النساء الأجانب لرجال الإسلام؟ هل يشهدون لهم بالعفة والاستقامة؟ .
أرجو أن يكون كذلك ؛ لأنها شهادة في صالح الإسلام .
يا شباب الإسلام :
ما أجملكم وأنتم في عفة الصديق يوسف، وقوة موسى، وفصاحة هارون، وحلم إبراهيم، وذكر يونس، وحنان يحيى، وسلام عيسى عليه السلام، ومجامع الخلق القويم لسيد الخلق عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم ، أنتم تمثلون الأنبياء لأنكم مسلمون ، أنتم للهداية لا للغواية .
فليحمل الجميع هم الكلام وليتشرف بالمسئولية من جديد ؛ لأننا إذا لم نكن كذلك – عياذاً بالله – صار المسلم بسوء فعله يصد غير المسلمين عن الإسلام { ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا... } ( الممتحنة 5 ) .
والحمد لله في بدء وفي ختم .
الكاتب: حسين شعبان محمد وهدان.
إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق بالبرازيل.
ياله من دين