( تفسير سورة الرحمن )
الآيات ( 55 1 13 )
مقدمة تفسير سورة الرحمن قال الإمام أحمد 1421 حدثنا عفان حدثنا حماد عن عاصم عن زر أن رجلا قال كيف تعرف هذا الحرف من ماء غير آسن أو أسن فقال كل القرآن قد قرأت قال إني لأقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال أهذا كهذا الشعر لا أبالك قد علمت قرائن النبي التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل وكان أول مفصل بن مسعود ( الرحمن ) وقال أبو عيسى الترمذي 3291 حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم السعدي حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال خرج رسول الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله ( فبأي الآء ربكما تكذبان ) قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ثم قال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد ثم حكى عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن عمرو بن مالك عن الوليد بن مسلم وعن عبد الله بن أحمد بن شبويه عن هشام بن عمارة كلاهما عن الوليد بن مسلم به ثم قال لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك البصري قالا حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر أن رسول الله قرأ سورة الرحمن أو قرئت عنده فقال ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ما أتيت على قول الله تعالى ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلا قالت الجن لا بشيء من نعم ربنا نكذب ورواه الحافظ البزار 2269 عن عمرو بن مالك به ثم قال لا نعلمه يروى عن النبي إلا من هذا الوجه بهذا
الإسناد بسم الله الرحمن الرحيم0
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) قال الحسن يعني النطق وقال الضحاك وقتادة وغيرهما يعني الخير والشر وقول الحسن ها هنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها وقوله تعالى ( الشمس والقمر بحسبان ) أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولايضطرب ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) وقال تعالى ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمرحسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) وعن عكرمة أنه قال لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس لما استطاع أن ينظر إليها ونور الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ونور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ونور العرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا رواه بن أبي حاتم وقوله تعالى ( والنجم والشجر يسجدان ) قال بن جرير اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق فروي علي بن أبي طلحة عن بن عباس رضي الله عنهما قال النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري وقد اختاره بن جرير رحمه الله تعالى وقال مجاهد النجم الذي في السماء وكذا قال الحسن وقتادة وهذا القول هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) الآية وقوله تعالى ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) يعني العدل كما قال تعالى ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) وهكذا قال ها هنا ( ألا تطغوا في الميزان ) أي خلق السماوات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل ولهذا قال تعالى ( وأقيموا الوزن بالقسط ولاتخسروا الميزان ) أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى ( وزنوا بالقسطاط المستقيم ) وقوله تعالى ( والأرض وضعها للأنام ) أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها قال بن عباس ومجاهد وقتادة وبن زيد الأنام الخلق ( فيها فاكهة ) أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح ( والنخل ذات الأكمام ) أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطبا ويابسا والأكمام قال بن جريج عن بن عباس هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود فيكون بسرا ثم رطبا ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه وقال بن أبي حاتم ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي حدثنا أبو قتيبة حدثنا يونس بن الحارث الطائفي عن الشعبي قال كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادا للمسافر فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة فكتب إليه عمر بن الخطاب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم
أن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله فإن ( مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) وقيل الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة وهو قول الحسن وقتادة ( والحب ذو العصف والريحان ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( والحب ذو العصف ) يعني التبن وقال العوفي عن بن عباس العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه وقال بن عباس ومجاهد وغير واحد والريحان يعني الورق وقال الحسن هو ريحانكم هذا وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس والريحان خضر الزرع ومعنى هذا والله أعلم أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف وهو ما على السنبلة وريحان وهو الورق الملتف على ساقها وقيل العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلا والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا0
ويخرج منه حبه في رؤوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا وقوله تعالى ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان قاله مجاهد وغير واحد ويدل عليه السياق بعده أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولاجحودها فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد وكان بن عباس يقول لا بأيها يارب أي لا نكذب بشيء منها قال الإمام أحمد 6349 حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون ( فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الآيات ( 55 14 25 )
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار وخلقه الجان من مارج من نار وهو طرف لهبها قاله الضحاك عن بن عباس وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وبن زيد وقال العوفي عن بن عباس من مارج من نار من لهب النار من أحسنها وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس من مارج من نار من خالص النار وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم وقال الإمام أحمد 6168 حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم ورواه مسلم 2996 عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق به وقوله تعالى ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) تقدم تفسيره ( رب المشرقين ورب المغربين ) يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء وقال في الآية الأخرى ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس وقال في الآية الأخرى ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وقوله تعالى ( مرج البحرين يلتقيان ) قال بن عباس أي أرسلهما وقوله ( يلتقيان) 0 قال بن زيد أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما والمراد بقوله البحرين الملح والحلو فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس وقد قدمن ا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) وقد اختار بن جرير ها هنا أن المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وبن أبزي قال بن جرير لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال ( بينهما برزخ لا يبغيان ) أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا فيفسد كل واحد منهما الآخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا وقوله تعالى ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) أي من مجموعهما فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق واللؤلؤ معروف وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي وقيل كباره وجيده حكاه بن جرير عن بعض السلف ورواه بن أبي حاتم عن الربيع بن أنس وحكاه السدي عمن حدثه عن بن عباس وروي مثله عن علي ومجاهد أيضا ومرة الهمداني وقيل هو نوع من الجواهر أحمر اللون قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال المرجان الخرز الأحمر قال السدي وهو الكسد بالفارسية وأما قوله ( ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من المالح دون العذب قال بن عباس ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صارت منها لؤلؤة وكذا قال عكرمة وزاد فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة وروي من غير وجه عن بن عباس نحوه وقد قال بن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر افواهها فما وقع فيها يعني من قطر فهو اللؤلؤ إسناده صحيح ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض امتن بها عليهم فقال ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وقوله تعالى ( وله الجوار المنشآت ) يعني السفن التي تجري ( في البحر ) قال مجاهد مارفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت وقال قتادة المنشآت يعني المخلوقات وقال غيره المنشئات بكسر الشين يعني البادئات ( كالأعلام ) أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم مما فيه صلاح للناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ولهذا قال ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة حدثنا العيزار بن سويد عن عمرة بن سويد قال كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط على يديه ثم قال يقول الله عز وجل ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله
الآيات ( 55 26 30 )
يخبر تعالى أن جميع اهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون وكذلك اهل السماوات إلا من شاء الله ولايبقى أحد سوى وجهه الكريم فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبدا قال قتادة أنبأ بما خلق ثم أنبأ أن ذلك كله فان وفي الدعاء المأثور يا حي ياقيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك وقال الشعبي إذا قرأت ( كل من عليها فان ) فلا تسكت حتى تقرأ ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وهذه الآية كقوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه ) وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه ذو الجلال والإكرام أي هو أهل أن يجل فلا يعصى وأن يطاع فلا يخالف كقوله تعالى ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) وكقوله إخبارا عن المتصدقين ( إنما نطعمكم لوجه الله ) قال بن عباس ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل قال ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وقوله تعالى ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم وأنه كل يوم هو في شأن قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير ( كل يوم هو في شأن ) قال من شأنه أن يجيب داعيا أو يعطي سائلا أو يفك عانيا أو يشفي سقيما وقال بن أبي نجيح عن مجاهد قال كل يوم هو يجيب داعيا ويكشف كربا ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا وقال قتادة لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض يحيي حيا ويميت ميتا ويربي صغيرا ويفك أسيرا وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو اليمان الحمصي حدثنا جرير بن عثمان عن سويد بن جبلة هو الفزاري قال إن ربكم كل يوم هو في شأن فيعتق رقابا ويعطي رغابا ويقحم عقابا وقال بن جرير حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي حدثني عمرو بن بكر السكسكي حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني عن أبيه عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي عن أبيه قال تلا رسول الله هذه الآية ( كل يوم هو في شأن ) فقلنا يا رسول الله وما ذاك الشأن قال أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن أحمد الواسطي قالا حدثنا الوزير بن صبيح الثقفي أبو روح الدمشقي والسياق لهشام قال سمعت يونس بن ميسرة بن حليس يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي قال قال الله عز وجل ( كل يوم هو في شأن ) قال من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وقد رواه بن عساكر من طرق متعددة عن هشام بن عمار به ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع عن الوزير بن صبيح قال ودلنا عليه الوليد بن مسلم عن مطرف عن الشعبي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي فذكره قال والصحيح الأول يعني إسناده الأول قلت وقد روي موقوفا كما علقه البخاري بصيغة الجزم فجعله من كلام أبي الدرداء فالله أعلم وقال البزار 2268 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن الحارث حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن بن عمر عن النبي كل يوم هو في شأن قال يغفر ذنبا ويكشف كربا ثم قال بن جرير وحدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن بن عباس إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور وعرضه مابين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء
الآيات ( 55 31 36 )
قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) قال وعيد من الله تعالى للعباد وليس بالله شغل وهو فارغ وكذا قال الضحاك هذا وعيد وقال قتادة قد دنا من الله فراغ لخلقه وقال بن جريج ( سنفرغ لكم ) أي سنقضي لكم وقال البخاري سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء وهو معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل يقول لآخذنك على غرتك وقوله تعالى ( أيها الثقلان الثقلان ) الإنس والجن كما جاء في الصحيح خ1338 يسمعه كل شيء إلا الثقلين وفي رواية إلا الإنس والجن وفي حديث الصور الثقلان الإنس والجن ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ثم قال تعالى ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم أينما ذهبتم أحيط بكم وهذا في مقام الحشر الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب ( إلا بسلطان ) أي إلا بأمر الله ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) وقال تعالى ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ولهذا قال تعالى ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس الشواظ هو لهب النار وقال سعيد بن جبير عن بن عباس الشواظ الدخان وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع وقال أبو صالح الشواظ هو اللهب الذي فوق النار ودون الدخان وقال الضحاك ( شواظ من نار ) سيل من نار وقوله تعالى ( ونحاس ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( ونحاس ) دخان النار وروي مثله عن أبي صالح وسعيد بن جبير وأبي سنان وقال بن جرير والعرب تسمي الدخان نحاسا بضم النون وكسرها والقراء مجمعة على الضم ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة
يضيء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا
يعني دخانا هكذا قال وقد روى الطبراني من طريق جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق سأل بن عباس عن الشواظ فقال هو اللهب الذي لادخان معه فسأله شاهدا على ذلك من اللغة فأنشده بيت أمية بن أبي الصلت في حسان
ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب إلى عكاظ
أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ
يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ
قال صدقت فما النحاس قال هو الدخان الذي لالهب له قال فهل تعرفه العرب قال نعم أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول
يضيء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا
وقال مجاهد النحاس الصفر المذاب فيصب على رؤوسهم وكذا قال قتادة وقال الضحاك ونحاس سيل من نحاس والمعنى على كل قول لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا ولهذا قال ( فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الآيات ( 55 37 45 )
يقول تعالى ( فإذا انشقت السماء ) يوم القيامة كما دلت عليه هذه الايات مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها0
كقوله تعالى ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) وقوله ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) وقوله ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ) وقوله تعالى ( فكانت وردة كالدهان ) أي تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم وقد قال الإمام أحمد 3266 حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء حدثنا نافع أبو غالب الباهلي حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول الله يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم قال الجوهري الطش المطر الضعيف وقال الضحاك عن بن عباس في قوله تعالى ( وردة كالدهان ) قال هو الأديم الأحمر وقال أبو كدينة عن قابوس عن أبيه عن بن عباس ( فكانت وردة كالدهان ) كالفرس الورد وقال العوفي عن بن عباس تغير لونها وقال أبو صالح كالبرذون الورد ثم كانت بعد كالدهان وحكى البغوي وغيره أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء وفي الشتاء حمراء فإذا اشتد البرد تغير لونها وقال الحسن البصري تكون ألوانا وقال السدي تكون كلون البغلة الوردة وتكون كالمهل كدردي الزيت وقال مجاهد ( كالدهان ) كألوان الدهان وقال عطاء الخرساني كلون دهن الورد في الصفرة وقال قتادة هي اليوم خضراء ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان وقال أبو الجوزاء في صفاء الدهن وقال بن جريج تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم وقوله تعالى ( فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان ) وهذه كقوله تعالى ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) فهذا في حال وثم في حال لا يسئل الخلائق عن جميع أعمالهم قال الله تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ولهذا قال قتادة ( فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان ) قال قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا فهذا قول ثان وقال مجاهد في هذه الآية لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم وهذا قول ثالث وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم بل يقادون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى ( يعرف المجرمون بسيماهم ) أي بعلامات تظهر عليهم وقال الحسن وقتادة يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون قلت وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء وقوله تعالى ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك وقال الأعمش عن بن عباس يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور وقال الضحاك يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره وقال السدي يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يعني جده أخبرني عبد الرحمن حدثني رجل من كندة قال أتيت عائشة فدخلت عليها وبيني وبينها حجاب فقلت حدثك رسول الله أنه يأتي عليه ساعة لا يملك فيها لأحد شفاعة قالت نعم لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد فقال نعم حين يوضع الصراط لا أملك لأحد فيها شفاعة حتى أعلم أين يسلك بي ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه حتى أنظر ماذا يفعل بي أو قال يوحى وعند الجسر حين يستحد ويستحر فقالت وما يستحد وما يستحر قال يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ويستحر حتى يكون مثل الجمرة فأما المؤمن فيجوزه لا يضره وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه قالت فهل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه فإنها كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه فتقذفه في جهنم فيهوي فيها مقدار خمسين عاما قلت ما ثقل الرجل قالت ثقل عشر خلقات سمان فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام هذا حديث غريب جدا وفيه ألفاظ منكر رفعها وفي الإسناد من لم يسم ومثله لا يحتج به والله أعلم وقوله تعالى ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها هاهي حاضرة تشاهدونها عيانا يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا وقوله تعالى ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء وهذه كقوله تعالى ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) وقوله تعالى ( آن ) أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك قال بن عباس في قوله ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) أي قد انتهى غليه واشتد حره وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة قد آن طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض وقال محمد بن كعب القرظي يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى ( في الحميم ثم في النار يسجرون ) والحميم الآن يعني الحار وعن القرظي يعني رواية أخرى ( حميم آن أي حاضر ) وهو قول بن زيد أيضا والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار كقوله تعالى ( تسقى من عين آنية ) أي حاضرة شديدة الحر لا تستطاع وكقوله ( غير ناظرين إناه ) يعني استواءه ونضجه فقوله ( حميم آن ) أي حميم حار جدا ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته ( فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الآيات ( 55 46 53 )
قال بن شوذب وعطاء الخرساني نزلت هذه الآية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) في أبي بكر الصديق وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفى حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس في قوله تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) نزلت في الذي قال أحرقوني بالنار لعلي أضل الله قال تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله بن عباس وغيره يقول الله تعالى ولمن خاف مقام ربه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ونهى النفس عن الهوى ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه فله يوم القيامة عند ربه جنتان كما قال البخاري رحمه الله 4878 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله قال جنتان من فضة آنيتهما ومافيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وأخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود من حديث عبد العزيز به وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد ولا أعلمه إلا قد رفعه في قوله تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) وفي قوله ( ومن دونهما جنتان ) جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأصحاب اليمين وقال بن جرير حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المقرئ حدثنا بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر عن محمد بن حرملة عن عطاء بن يسار أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله قرأ يوما هذه الآية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق فقال ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق فقال ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال وإن رغم أنف أبي الدرداء ورواه النسائي 11560 من حديث محمد بن أبي حرملة به ورواه النسائي أيضا 11561 عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل عن الجريري عن موسى عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء به وقد روي موقوفا على أبي الدرداء وروي عنه أنه قال إن من خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق وهذه الآية عامة في الإنس والجن فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال ( ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ثم نعت هاتين الجنتين فقال ( ذواتا افنان ) أي أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) هكذا قال عطاء الخرساني وجماعة أن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضا وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن علي حدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا عبد الله بن النعمان سمعت عكرمة يقول ( ذواتا أفنان ) يقول ظل الأغصان على الحيطان ألم تسمع قول الشاعرما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما تدعو أبا فرخين صادف طاويا ذا مخلبين من الصقور قطاما وحكى البغوي عن مجاهد وعكرمة والضحاك والكلبي أنه الغصن المستقيم قال وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد السلام بن حرب حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس ذواتا أفنان ذواتا ألوان قال وروي عن سعيد بن جبير والحسن والسدي وخصيف والنضر بن عربي وبن سنان مثل ذلك ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ واختاره بن جرير وقال عطاء كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة وقال الربيع بن أنس ( ذواتا أفنان ) واسعتا الفناء وكل هذه الأقوال صحيحة ولا منافاة بينها والله أعلم وقال قتادة ذواتا أفنان يعني بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله وذكر سدرة المنتهى فقال يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة أو قال يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال ورواه الترمذي 2541 من حديث يونس بن بكير به وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد ولا أعلمه إلا قد رفعه في قوله ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) وفي قوله ( ومن دونهما جنتان ) قال جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأصحاب اليمين ( فيهما عينان تجريان ) أي تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان فتثمر من جميع الألوان ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال الحسن البصري إحداهما يقال لها تسنيم والأخرى السلسبيل وقال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين ولهذا قال بعد هذا ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) أي من جميع أنواع الثمار مما يعلمون وخير مما يعلمون ومما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن بن عباس ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل وقال بن عباس ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء يعني أن بين ذلك بونا عظيما وفرقا بينا في التفاضل
الآيات ( 55 54 61 )
يقول تعالى ( متكئين ) يعني أهل الجنة والمراد بالاتكاء ها هنا الإضطجاع ويقال الجلوس على صفة التربيع ( على فرش بطائنها من استبرق ) وهو ما غلظ من الديباج قاله عكرمة والضحاك وقتادة وقال أبو عمران الجوني هو الديباج المزين بالذهب فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى قال أبو إسحاق عن هبيرة بن مريم عن عبد الله بن مسعود قال هذه البطائن فكيف لو رأيتم الظواهر وقال مالك بن دينار بطائنها من استبرق وظواهرها من نور وقال سفيان الثوري أو شريك بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد وقال القاسم بن محمد بطائنها من إستبرق وظواهرها من الرحمة وقال بن شوذب عن أبي عبد الله الشامي ذكر الله البطائن ولم يذكر الظواهر وعلى الظواهر المحابس ولا يعلم ما تحت المحابس إلا الله تعالى ذكر ذلك كله الإمام بن أبي حاتم رحمه الله ( وجنى الجنتين دان ) أي ثمرهما قريب إليهم متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا كما قال تعالى ( قطوفها
دانية ) وقال ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) أي لا تمتنع ممن تناولها بل تنحط إليه من أغصانها ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك ( فيهن ) أي في الفرش ( قاصرات الطرف ) أي غضيضات عن غير أزواجهن فلا يرين شيئا في الجنة شيئا أحسن من أزواجهن قاله بن عباس وقتادة وعطاء الخرساني وبن زيد وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ولا في الجنة شيئا أحب إلي منك فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) أي بل هن أبكار عرب أتراب لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن وهذه أيضا من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة قال أرطأة بن المنذر سئل ضمرة بن حبيب هل يدخل الجن الجنة قال نعم وينكحون للجن جنيات وللإنس إنسيات وذلك قوله ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولاجان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ثم قال ينعتهن للخطاب ( كأنهن الياقوت والمرجان ) قال مجاهد والحسن وبن زيد وغيرهم في صفاء الياقوت وبياض المرجان فجعلوا المرجان ها هنا اللؤلؤ وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون الأودي عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير حتى يرى مخها وذلك قول الله تعالى ( كأنهن الياقوت والمرجان ) فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه وهكذا رواه الترمذي 2533 من حديث عبيدة بن حميد وأبي الأحوص عن عطاء بن السائب به ورواه موقوفا ثم قال وهو أصح وقال الإمام أحمد 2345 حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة اخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه وقد روى مسلم 2834 حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال أما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء فقال أبو هريرة أو لم يقل أبو القاسم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على ضوء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث همام بن منبه وأبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الإمام أحمد 3141 حدثنا أبو النضر حدثنا محمد بن طلحة عن حميد عن أنس أن رسول الله قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدمه يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولطاب ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ورواه البخاري 2795 من حديث أبي إسحاق عن حميد عن أنس بنحوه وقوله تعالى ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) أي لا لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة كما قال تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) وقال البغوي حدثنا أبو سعيد الشريحي حدثنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني بن فنجويه حدثنا بن شيبة حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام حدثنا الحجاج بن يوسف المكتب حدثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله ( هل جزاءالإحسان إلا الإحسان ) وقال هل تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة ولما كان في الذي ذكر نعم عظيمة لا يقاومها عمل بل مجرد تفضل وامتنان قال بعد ذلك كله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وما يتعلق بقوله تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ما رواه الترمذي والبغوي من حديث أبي النضر بن هاشم بن القاسم عن أبي عقيل الثقفي عن أبي فروة يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن ادلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ثم قال الترمذي 2450 غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر وروى البغوي من حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزى عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله يقص على المنبر وهو يقول ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) قلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال وإن رغم أنف أبي الدرداء
الآيات ( 55 62 78 )
هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن قال الله تعالى ( ومن دونهما جنتان ) وقد تقدم في الحديث جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما فالأوليان للمقربين والأخريان لأصحاب اليمين وقال أبو موسى جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من فضة لأصحاب اليمين وقال بن عباس ( ومن دونهما جنتان ) من دونهما في الدرج وقال بن زيد من دونهما في الفضل والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه أحدها أنه نعت الأوليين قبل هاتين والتقديم يدل على الاعتناء ثم قال ( ومن دونهما جنتان ) وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني وقال هناك ( ذواتا أفنان ) وهي الأغصان أو الفنون في الملاذ وقال ها هنا ( مدهامتان ) أي سوداوان من شدة الري من الماء قال بن عباس في قوله ( مدهامتان ) قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا بن فضيل حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس مدهامتان قال خضراوان وروي عن أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن أبي أوفى وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في إحدى الروايات وعطاء وعطية العوفي والحسن البصري ويحيى بن رافع وسفيان الثوري نحو ذلك وقال محمد بن كعب ( مدهامتان ) ممتلئتان من الخضرة وقال قتادة خضراوان من الري ناعمتان ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض وقال هناك ( فيهما عينان تجريان ) وقال ها هنا ( نضاختان ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس أي فياضتان والجري أقوى من النضخ وقال الضحاك ( نضاختان ) أي ممتلئتان ولا تنقطعان وقال هناك ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) وقال ها هنا ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) ولاشك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم ولهذا فسر قوله ( ونخل ورمان ) من باب عطف الخاص على العام كما قرره البخاري وغيره وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما قال عبد بن حميد 37 حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا حصين بن عمر حدثنا مخارق عن طارق بن سهل عن شهاب عن عمر بن الخطاب قال جاء أناس من اليهود إلى رسول الله فقالوا يامحمد أفي الجنة فاكهة قال نعم فيها فاكهة ونخل ورمان قالوا أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا قال نعم وأضعاف قالوا فيقضون الحوائج قال لا ولكنهم يعرقون ويرشحون فيذهب الله ما في بطونهم من أذى وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الفضل بن دكين حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم ومنها حللهم وكربها ذهب أحمر وجذوعها زمرد أخضر وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم وحدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد هو بن سلمة عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كالبعير المقتب ثم قال ( فيهن خيرات حسان ) قيل
المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة قاله قتادة وقيل خيرات جمع خيرة وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه قاله الجمهور وروي مرفوعا عن أم سلمة وفي الحديث الآخر الذي سنورده في سورة الواقعة إن شاء الله تعالى أن الحور العين يغنين نحن الخيرات الحسان خلقنا لأزواج كرام ولهذا قرأ بعضهم ( فيهن خيرات ) بالتشديد ( حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ثم قال ( حور مقصورات في الخيام ) وهناك قال ( فيهن قاصرات الطرف ) ولاشك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت وإن كان الجميع مخدرات قال بن أبي حاتم حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال إن لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا ذفرات حور عين كأنهن بيض مكنون وقوله تعالى ( في الخيام ) قال البخاري 4879 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه ان رسول الله قال إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون ورواه أيضا من حديث أبي عمران به وقال ثلاثون ميلا وأخرجه مسلم 2838 من حديث أبي عمران به ولفظه إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا وقال بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن أبي الربيع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة أخبرني خليد العصري عن أبي الدرداء قال الخيمة لؤلؤة واحدة فيها سبعون بابا من در وحدثنا أبي حدثنا عيسى بن أبي فاطمة حدثنا جرير عن هشام عن محمد بن المثنى عن بن عباس في قوله تعالى ( حور مقصورات في الخيام ) قال خيام اللؤلؤ وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة واحدة أربع فراسخ عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب وقال عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي قال أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة تنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء ورواه الترمذي 2562 من حديث عمرو بن الحارث به وقوله تعالى ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولاجان ) قد تقدم مثله سواء إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله ( كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وقوله تعالى ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس الرفرف المحابس وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم هي المحابس وقال العلاء بن زيد الرفرف على السرير كهيئة المحابس المتدلي وقال عاصم الجحدري ( متكئين على رفرف خضر ) يعني الوسائد وهو قول الحسن البصري في رواية عنه وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ( متكئين على رفرف خضر ) قال الرفرف رياض الجنة وقوله تعالى ( وعبقري حسان ) قال بن عباس وقتادة والضحاك والسدي العبقري الزرابي وقال سعيد بن جبير هي عتاق الزرابي يعني جيادها وقال مجاهد العبقري الديباج وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى ( وعبقري حسان ) فقال هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها وعن الحسن رواية أنها المرافق وقال زيد بن أسلم العبقري أحمر وأصفر وأخضر وسئل العلاء بن زيد عن العبقري فقال البسط أسفل من ذلك وقال بن حرزة يعقوب بن مجاهد العبقري من ثياب أهل الجنة لا يعرفه أحد وقال أبو العالية العبقري الطنافس المخملة إلى الرقة ماهي وقال القيسي كل ثوب موشى عند العرب عبقري وقال أبو عبيدة هو منسوب إلى الأرض يعمل بها الوشي وقال الخليل بن أحمد كل شيء نفيس من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا ومنه قول النبي في عمر فلم أرى عبقريا يفري فريه وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليتين أرفع وأعلى من هذه الصفة فإنه قد قال هناك ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ) فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان فهذه وجوه عديدة في تفصيل الجنتين الأولتين على هاتين الأخيرتين ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين ثم قال ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) أي هو أهل أن يجل فلا يعصى وأن يكرم فيعبد ويشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى وقال بن عباس ( ذي الجلال والإكرام ) ذي العظمة والكبرياء وقال الإمام أحمد 5199 حدثنا موسى بن داود حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانئ عن أبي العذراء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله أجلوا الله يغفر لكم وفي الحديث الآخر إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وذي السلطان وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وقال الحافظ أبو يعلى 3733 حدثنا أبو يوسف الحربي حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله قال ألظوا بياذا الجلال والإكرام وكذا رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به ثم قال غلط المؤمل فيه وهو غريب وليس بمحفوظ وإنما يروي هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي وقد قال الإمام أحمد 4177 حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان المقدسي عن ربيعة بن عامر قال سمعت رسول الله يقول ألظوا بذي الجلال والإكرام ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك به وقال الجوهري ألظ فلان بفلان إذا لزمه وقول بن مسعود ألظوا بياذا الجلال والإكرام أي إلزموا يقال الإلظاظ هو الإلحاح قلت وكلاهما قريب من الآخر والله أعلم وهو المداومة واللزوم والإلحاح وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت كان رسول الله إذا سلم لا يقعد يعني بعد الصلاة إلا بقدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام