درجات العابدين
قد سمعنا بجماعة من الصالحين عاملوا الله عزوجل على طريق السلامة
والمحبة واللطف فعاملهم كذلك ، لأنهم لايحتمل طبعهم غير ذلك .
ففي الأوائل برخ العابد خرج يستسقي فقال : _ مناجيا لله _ ماهذا الذي
لانعرفه منك . اسقنا الساعة فسقوا.
وفي الصحابة أنس بن النضر يقول : والله لاتكسر سن الربيع ،
فجرى الامر كما قال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره )
وهؤلاء قوم غلب عليهم ملاحظة اللطف والرفق ، فلطف بهم ،
وأجروا على مااعتقدوا.
وهناك أعلى من هؤلاء يسألون فلا يجابون ، وهم بالمنع راضون،
ليس لأحدهم انبساط ، بل قيدهم الخوف ، ونكس رؤوسهم الحذر،
ولم يروا ألسنتهم أهلا للانبساط ، فغاية آمالهم العفو .
فإن أنبسط أحدهم بسؤال فلم يرى الإجابة عاد على نفسه با لتوبيخ ،
فقال : مثلك لايجاب ، وربما قال لعل المصلحة في منعي.
وهؤلاء هم الرجال حقا ، والأبله الذي يرى له من الحق أن يجاب ، فإن
لم يجب تذمر في باطنه كأنه يطلب أجرة عمله ، وكأنه قد نفع
الخالق بعبادته .
وإنما العبد حقا من يرضى ما يفعله الخالق ، فإن سأل فأجيب
رأى ذلك فضلا ، وإن منع رأى تصرف مالك ،
فلم يجل في قلبه اعتراض بحال .
كلام نفيس لأبن القيم رحمه الله في كتابه صيد الخاطر