السَّلاَمُعَلَيْـــــــــــكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِوَبَرَكَاتُهُ
الحمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ .. وبعدُ
كان السَّلف الصَّالحُ - عليهم رحمةُ الله - أصحابَ تأمُّلٍ عميقٍ وفهْمٍ دقيق
أورثهم ذلكَ - بعد تقوى الله تعالى - تربيةً لأنفسهم وإرشاداً لمن حولهم
فجاءت كلماتهم رصينة .. وعبارتهم مسبوكةً سَبْكَ الذَّهب الخالص ..
ومن بديعِ ما قالوا تلكمُ الكلمة الرقراقة من تابعيٍّ جليل ..
وهبُ بنُ مُنبِّهٍ – رحمه الله – إذ يقول :
الخالِقُ يغْفِرُ ولا يُعيِّر ، والمخلوقُ لا يغفِرُ ويُعيِّــر ..
ولا يقولُ هذا الكلام إلاَّ منْ عرف حقيقةَ الرِّبح في التعاملِ مع الخالق سبحانه ..
أمَّا الخلْق فنحنُ مضطرُّون للتعامُلِ معهم كلٌ بحسبه على مالهُ من حقوق ..
وهم إلاَّ من رحم الله لا يغفرون ويُعيِّرون .. وهذا في الأعمِّ الأغلب ..
وسببُ هذه الصِّفة ناتجٌ من سجيَّتهم إذا لم تُهذَّب وتقوَّم ..
وكلنا بشرٌ فينا ما فينا من هذه الصِّفة .. فمُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكثِر !!
لا نغفرُ لمن أخطأ في حقِّنا أو في حقِّ غيرنا ..
تبقى نظرتنا للمخطئ كما هي مهما حصل من اعتذارٍ أو تغيير ..
نشمَخِرُّ بأنوفِنا كأننا في منأى عن الوقوع في مثلِ أخطاء الآخرين ..
بل ربما فَرِحَ بعضُنا بوقوع الخطأ من صديقه أو قرينه ..
وليته الفرَحُ لهانَ الأمرُ وما هوَ بهيِّن ..
لكنها كوامِنُ في النفس بدت .. وأنيابُ حسدٍ كشَّرت ..
أعقبها نظرةٌ سوداء قاتمة لهذا الخطَّاء ..
صدرَ الحكمُ بالإقصاء أقواله وأفعاله ..
ومرَّةً أُخرى أقول ..
ليتَ الأمرَ توقَّفَ عندَ عدمِ المغفرةِ للمُذنب الخطَّاء ..
بل أردفه أمرٌ له مرارتهُ وألمه ..
ألاَ وهو التعيير ..
فمهما عمِلَ هذا المذنِبُ من حسناتٍ لمحوِ الماضي إلاَّ أنَّ نظرةَ الآخرين له كما هي ..
بيدَ أنَّ أصحابَ النفوسِ الكبيرة ينسون أو يتناسون ..
علموا وأيقنوا أنَّ هذا الخطأ الذي بدرَ من غيرهم
لربما حصل لهم مثله أو أكثر ..
وأذكرُ قصَّةً عجيبة ذكرها الإمام الذهبي – رحمه الله – لبيان التعيير من عدمه
فقد كان هناك رجلٌ اسمه أيوب مُشتهَِراً بفعل فاحشةِ الزِّنا
ومن شدَّة إعلانه بهذه المعصية أنه كان يمُرُّ في بعض الطُّرق وصبيةٌ يلعبون
فإذا ما رأوا أيوب هذا صفَّقوا وقالوا :
هيه هيه هيه أتاكم أيوب الزاني أتاكم أيوب الزاني ..
ثم إنَّه بعد فترة منَّ الله عليه بالهداية ورجع إلى الله رجعةً صادقة
حتى إنه – رحمه الله – أصبحَ زاهداً من الزُّهَّاد
فكان إذا مرَّ بنفس الطريق قال الصبيةُ :
أتاكم أيوب الزَّاهد أتاكم أيوب الزَّاهد ..
سبحان الله ..
حتى أطفال السَّلف تأثروا بما كان عليه آباؤهم من تربيةٍ لنفوسهم وصلاحٍ وَهُدى ..
أخيراً .. لِنُعامِلَ من الرِّبحُ كُلُّ الرِّبح في معاملته .. سبحانه وتعالى
يغْفِرُ ولا يُعيِّــر
وما دُمنا نعيشُ مع الناس فلا بُدَّ من الصبرِ على أخلاقهم
ولا ننسى الرُّقيَّ بأخلاقنا ونظرتنا ..
كتَبَهُ .. أبُــو أسْمَاء