رَنينُ الجوَّالِ ... ولواعِجُ الشَّوقِ
كنتُ بجانب أحد أصدقائي في سفر , ورن هاتفي الجوال , ثم رن هاتفُهُ, ففال لي : هل تستطيع أن تُدخلَ الجوالَ في الشعر العربي المعاصر لنجمع بين القديم والحديث ... فتبسمتُ وقلت : نعم , وبعد عشر دقائقَ أو أكثر , قرأت له هذه القصيدة على سبيل المداعبة الشعرية :
يـذوبُ قـلبـي إذا مـا رنَّ جوالـي
فكلُّ مـتّصـل عـندي هـو الغالي
أراه في كل حُسْنٍ جال فـي نـظـري
وطيفُهُ لحظةً مـا غـاب عـن بالي
كم اتصـلتُ به مـن غـير تغطـيةٍ !
وكم تُـهاتِفُهُ الأشـواقُ في الحال !
فالوجد متّصـل فـي سِـمْطـهِ دُرَرَاً
فكـيف يـنـثُرُهُ بركانُ زلزالي ؟ !
حَمَّلتُ ريح الصَّبَا الأشواقَ فـي صَفَرٍ
أتى الجواب : مضَوا من شهر شـوّال
فهام قلبـي جوىً يـجري بأوردتـي
وقد غرقتُ بدمعٍ ـ سحَّ ـ هَطّـالِ!
أُمضي حياتـي أسىً مذ غاب هودجُهُم
لا بارك الله فـي ظعْـن وجـمّـال
لا تعـجـبوا إن رأيتم قلـبَ قافيتـي
يهمي , وتَبكيه حُـسّادي وعُـذالي
وإن أردتـم كـلامـاً حِبــرهُ لهبٌ
فذي حروفي كواها الوجـدُ , أمثـالي
ما ذقتُ طعم الكرى من يوم فـرقتهم
بل قام شعـريَ يـرثي بؤسَ أحـوالي
عودتموني على التَّرحـالِ , أطلبُـكُمْ
فهل بــيومِ اللـقا يرتـاحُ تَرحالي ؟
ساءلتُ عنكم نجوم اللـيل , وا أسفي !
يا من فُـديتـم بآبائـي وأخوالـي ؟
وأيَّ ركبٍ أرى فـي الدرب أسألُه :
هل مرَّ فـي الـبِيدِ أقمارٌ كتِمـثال ؟
لـهفي ! رحلتُم وقلبي باتَ يتبعُكُـم
..وكم وقفـتُ ضُحىً أرنو لأطـلالِ !
...هنا جلسنا , هنا كانت أزاهرنـا
عنـد الشّـتـاء تُواري ثوبَـهَا البالي
كنا صغاراً, وكان الطهرُ يـجمعنـا
نـرنـو لـمسـتقبلٍ يأتـي بـآمالِ
وكم بَكيْنا مع القُمْريِّ في غَـصَصٍ !
لكنّ خاطرَنا ـ رغمَ الأسى ـ خـالِ
لا يـمكثُ الـهمُّ في أكـبادنا أبداً
ولا نبـالـي لأزمــانٍ وآجــالِ
حتـى كبرنا , ويَـمُّ الـهمِّ أغرقَنا
يا صاح : من كبروا ليـسوا كأطفـالِ
الشاعر : مصطفى قاسم عباس