السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هكذا تكون الهمة العالية للمرأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد.
إن الهمة العالية هي الإرادة القوية الرفيعة، والرغبة في التخلي عن الرذائل .
.
قال ابن الجوزي ( من علامة كمال العقل علو الهمة والراضي بالدون دنيّ ) ، فإذا أصبح العبد وليس همه إلا الله وحده, كمل الله حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته .. وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وأنكادها.
وعالي الهمة ينظر إلى من هو فوقه في الدين، ويقول : فلان خير مني، فينافسه .. وساقط الهمة ينظر إلى من هو أسفل منه في الدين ويقول أنا خير من فلان .
قال ابن القيم :فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار . فالنفوس العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة ولا بالخيانة لأنها أكبر من ذلك . والنفوس الحقيرة بالضد من ذلك .أ.هـ
أختي المسلمة :-
وبعد هذه الكلمات التي تعلي همة من يتوق إلى علو الهمة، تأملي معي حالنا - معشر النساء - ، تأملي حالنا … أفكارنا… آمالنا… طموحاتنا… أحاديثنا… فلم نكتفِ باليقظة حتى غلبت على مناماتنا من فرط التفكير فيها وانشغال الذهن بها.
فنجد بعض النساء أحاديثهن تدور حول الأثاث أفضله وأجوده وأرقه… فأشغلهن تزيين بيوت الدنيا عن تزيين بيوت الآخرة…
وبعضهن حول ما ابتلينا به الآن وعجت به الأسواق وضجت به ألسن النساء وهو الماركات، متمثلة في الساعات والشنط والاكسسوارت والملابس وما إلى ذلك، ولقد علم المنتجون بدنو همم النساء فصاروا يصنعون التقليد من تلك الماركات وهو - ظاهراً - مشابه لها تماماً إرضاءً لمن كانت همتها محصورة في تلك الأمور لكن لا تستطيع الوصول إليها أو تعبت من ملاحقة ما جد فيها، ومن المضحك المبكي حول ذلك أن معلمة اشترت ساعة من الماركات المعروفة بـ 35 ألف ريال وأتت بها إلى المدرسة وفي نظرها أن جميع المعلمات يقدرن لهذه الساعة قدرها ولكن فوجئت أن معلمة أخرى تلبس التقليد منها ب1500 ريال فخابت كل آمالها وانطفأت كل همة لديها، فاعتذرت وخرجت من المدرسة ذلك اليوم حيث أصيبت بالإحباط !!
ومما يدل على دنو همم بعض نسائنا تهافتهن على المحلات التي لا تبيع من المنتج إلا قطعة واحدة مسايرة لرغبتهن في التفرد والتميز بهذا المنتج .
ومن النساء من لديها همة ولكنها في أمور الدنيا وتفاهاتها أعظم منها في أمور الآخرة، فتجدها تتطلع إلى المعالي وتنافس غيرها في المسكن والأثاث واللباس والمستوى المادي و الاجتماعي وكثرة الخروج إلى الأسواق والمنتزهات والسفر وما إلى ذلك … فتجدها تسعى في تلك الأمور دوماً إلى الأفضل، وبالمقابل إذا نظرنا إلى تعاملها مع ربها ومع خلقه وحالها مع الطاعات والقربات وقضاء حاجات الناس ومع كتاب الله وجدنا أن المؤشر ثابت لا يزيد، إن لم نقل ينقص وبدون وقفات محاسبة أو تحسر .
أختي المسلمة :
إننا حين نتحدث حول علو الهمة فلا نطالبك بها أنت فقط ، بل أن تغرسيها في نفوس الصغار من اخوة وأطفال، واعلمي أن غرسها في نفوس الصغار تذليل لغرسها في نفسك أيضا، بل وتنشئتهم عليها لقول ابن القيم ( وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء ) .
ولكأني بك تتساءلين ، كيف أغرسها في نفوس الصغار ؟ وهل يدرك الصغار علو الهمة ؟
فأقول : إن الطفل إن غرس في فكره علو الهمة نشأ عاليها، وإن غرس في فكره دنوها نشأ دونيّها . فمن المربيات من أم وأخت من يكون همها مع الصغير ألا تنقص درجاته في المدرسة، بل يطمحون منه الزيادة دوما . ونحن لا نعتب عليها في ذلك ولكن بالمقابل لا تحرص على متابعته في أداء الصلاة وتحسُّن حاله مع ربه فهل تظنين أن هذا ينشأ عالي الهمة ؟!
ومنهن من تُحرصّه مع بداية العام الدراسي على صحبة الطلبة المتفوقين دراسيا وأن يجلس في المقاعد الأمامية وبالمقابل لا تتفقده فيمن يخالل ويصاحب ؟ أزملاؤه صالحون أم لا ؟
فهل تظنيين أن هذا ينشأ عالي الهمة ؟!
ومنهن من إذا حان وقت نوم أولادها قالت ناموا مبكرين لتستيقظوا مبكرين، ولا نسمعها تقول لتدركوا صلاة الفجر مع الجماعة بل إن منهن من توقظ أولادها أيام الاختبارات لمراجعة دروسهم وإن اُضطرها إلى مواصلة السهر طوال الليل حتى لا تفوت عليهم تلك الساعة، بل إن ذلك قد يكون بدافع الحرص منها لا من ولدها، وبالمقابل لا تبذل عشر تلك الجهود وذلك الحرص في إيقاظه للصلاة .
فهل تظنيين أن هذا ينشأ عالي الهمة ؟!
ومنهن من تُري أبناءها صور شخصيات ساقطة تمثل دور القوة والبطولة أو دور الفن والجمال ولو كانت شخصيات كافرة، وإن لم تكن تقصد ذلك فينحصر ذهنه وفكره حول بروز تلك الشخصيات فيظل يطمح إلى الوصول إلى مستواهم ؛ هذا إن لم تُعطه اللقمة وتقول كل لتتقوى وتصبح مثل فلان من تلك الشخصيات الوهمية الساقطة .
فهل تظنيين أن هذا ينشأ عالي الهمة ؟!
ولقد ورد أن الصحابة كانوا يعلمون أبناءهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن، فاعرضي عليهم أيتها المربية نماذج للمجاهدين الأبطال من الصحابة ومن تبعهم .. اعرضي عليهم نماذج ممن طمحوا في أعلى درجات الإيمان فنالوا أعلى درجات في الجنان .. اعرضي عليهم نماذج ممن تميزوا بحسن الخلق والسعي في حاجات الخلق، فما زال في الدنيا خير وما زال فيها نماذج أفذاذ يقتدى بهم ، ولا تظني أن الصغير لا يدرك تلك الأمور وإن لم يصرح بذلك بل إن هذه الصور تنطبع في ذهنه ولا تزول إلا بغرس نقائضها .
أختي المسلمة :
لعل لنا وقفة مع نماذج من السلف نستنير بها .
قالت أم سفيان الثوري لسفيان وهو صغير : يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي .
ولقد توفي أبو أحمد بن حنبل فاعتنت أمه بتربيته، وكانت توقظه قبل صلاة الفجر وهو صغير فيصليان معا ما شاء الله، فإذا أذن الفجر أمسكت بيده وذهبت به إلى المسجد وانتظرت حتى تقضى الصلاة ثم تعود إلى البيت .
وحفظ القرآن وهو صغير فلما بلغ اثنتي عشرة سنة قالت : يا بني انطلق فاطلب العلم ؛ يقول الإمام أحمد : كنت ربما أردت البكور في طلب الحديث فتأخذ أمي بثيابي حتى يؤذن الناس أو حتى يصبحوا .
وليست ببعيدة عنها الأم الكبيرة في السن التي تمسك بيد ولدها البالغ عشر سنوات لصلاة الفجر وتذهب معه خوفا عليه وتجلس عند باب المسجد إلى أن تقضى الصلاة .
وكان والد عمر بن عبدالعزيز قد أرسل عمر وهو صغير إلى المدينة يتأدب فيها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات فأبطأ يوما عن الصلاة فقال : ما حبسك ؟ قال : مُرجِّلتي تُسكِّن شعري ، فقال : بَلَغَ مِنْ تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة ؟! وكتب بذلك إلى والده فبعث والده رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره ..
الله أكبر .. همم لا ترضى بغير القمم ومعالي الأمور، ولعلنا نهدي هذه الوقفة إلى من تقص شعر أبنائها وبناتها القصات الغربية لما فيها من التشبه، أو أنها من القزع المنهي عنه ، لما يغرس في نفس الولد من حب التميع و التأنث ونبذ الرجولة ودنو الهمة .
نختم أختي المسلمة بنصيحة ابن الجوزي لابنه التي يقول فيها : ( وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثت سارت ، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم ، أو كسلا فسل الموفق ، فلن تنال خيرا إلا بطاعته ) .
وفقنا الله لطاعته .. وأعلى هممنا في الخير والصلاح
منقول