الليبرالية كتيار فكري غزا الخليج العربي
الليبرالية يعرفها المختصون على أنها مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله حتى لو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله، شرط المعاملة بالمثل.
وبناء على هذا التعريف لا يخفى ما في هذا المذهب من مصادمة لثوابت الإسلام ونسف لمبادئه إذ أن دين الإسلام مبني على الاستسلام لله وحده والدخول تحت مظلة تعاليمه في كل صغيرة وكبيرة من أمور الدين والدنيا.. (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء 65. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة 208.
ولقد كان من الأسباب التي أدت إلى اعتناق مثل هذا المذهب في بلاد الغرب جور الكنيسة والدين النصراني المحرف فهم هربوا إلى واقع أخف مرارة من الواقع الذي كانوا يعيشون فيه حيث أن بعض الشر أهون من بعض. وبناء على هذا يتبين لنا أن ليبراليي العرب لم يكن لديهم مبرر في اعتناق هذا المذهب لأن الإسلام يكفل لهم جميع ما حوت الليبرالية من منافع ويزيد عليها.
يضاف إلى ما سبق أن ليبراليي العرب إنما اتخذوا الليبرالية ستارا لنشر الفساد والجري وراء الشهوات الحيوانية بلا قيد وإلا فواقعهم يشهد أنهم من أشد الناس مصادرة لحرية الناس.
وعلى أن مذهب الليبرالية مذهب كفري في أصله ومعتقده إلا أن معتنقيه في العالم العربي على درجات فمنهم من دخل في الكفر ومنهم من هو دون ذلك ومنهم اتخذ الليبرالية موضة يتزين بها وبئست الزينة هي، وكل ذلك بحسب اعتقاد الشخص المنتمي إلى هذا المذهب وإن كان مجرد الانتماء خطرا عظيما على دين المرء..إن استهداف جزيرة العرب بمثل هذه المذاهب يأتي نتيجة لما تتمتع به هذه المنطقة من ميزات شرعية ودنيوية.
ولقد استغل الليبراليون الضعف المادي الذي تعيشه الأمة الإسلامية فقدموا هذا النموذج البائس كخيار للحاق بركب الحضارة المادية كما زعموا. والعجيب أن هؤلاء يلازمون بين التقدم المادي وبين ترك الدين وما ذلك إلا لمرض في قلوبهم وإلا فإن الإسلام يحث على الأخذ بجميع أسباب القوة والانتفاع من جميع ما في الكون لعمارة هذه الأرض بعكس الأديان المحرفة التي تحصر تابعها في مكان عبادته.
ومن العجب أن هؤلاء الذين يتشدقون بالدعوة إلى التقدم هم من أفشل الناس في الإنتاج النافع فلا تسمع منهم إلا الدعوة إلى الانفلات الأخلاقي واستخدام المرأة كسلعة رخيصة، فمذهبهم كما قيل عنه (يبدأ بالمرأة وينتهي بالمرأة مرورا بالمرأة).
ومن الطرائف المتعلقة بهذا الأمر أن أحدهم قال لإحدى المسلمات المستقيمات: تغطين شعرك والناس قد وصولوا إلى القمر؟؟ فقالت لهم: وهل يحتاجون شعري ليصنعوا منه حبلاً يصعدون فيه!! ؛ ودخل أحد المنكوسين من حجاج الغرب بعد عودته من حجته المشؤومة، دخل على رجل كبير وأمامه صحن (مرقوق) (وهي أكلة شعبية مشهورة في نجد)، فقال هذا المنكوس: تأكل المرقوق والناس وصولوا القمر؟؟فقال الشيخ الكبير بلهجة الساخر: (آكل المرقوق واغسل يدي والحقهم إن شاء الله)!!!
أقول: إننا نتحدى هؤلاء الليبراليين بأن يأتوا بشيء في الليبرالية لا يوجد في الإسلام ما هو مثله أو أحسن من ولكنهم قوم لا يعقلون..ومما يدل على تناقضهم أنهم يتشدقون بالوطنية وحب الوطن والمحافظة عليه، وهم أكثر من يستعدي الكفار والأعداء على الوطن وما قضية (فتاة القطيف) وأمثالها عنا ببعيد.
ولقد جعل الله في قلوب هؤلاء الليبراليين من معرفة الحق الذي في الإسلام وعدم التوفيق له ما يكون بمثابة العقوبة لهم على التولي عن التعاليم الربانية، فهم يعرفون الإسلام كما يعرفون أبناءهم ويعرفون أنهم على باطل ومع ذلك حال الله بينهم وبين قلوبهم فلم ينتفعوا بهذه المعرفة وحسبك بهذه مصيبة عليهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) الأنفال 24. والدليل على هذا أن غالبهم لا يمكن أن يهاجم الإسلام على الملأ لعلمه بالحق ولعلمه أنه لن يسمع له إن هو هاجمه، ولذلك فهم يهاجمون الرموز التي تحمل هذا الدين كالعلماء والمصلحين حتى يسقطوهم من أعين الناس فيسقط ما معهم من العلم والتوجيه ويتخذ الناس رؤوسا جهالا فيفتوا بغير علم فيضلوا ويضلوا وهذه من حيلهم الماكرة وخططهم التي انطلت على كثير من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن أفضل ما حوربت به الليبرالية وغيرها من المذاهب الهدامة هو العناية بتوعية المسلمين عامة وتوعية فئة الشباب خاصة لأن فئة الشباب أول الفئات المستهدفة بمثل هذه الحملات.
ومن أوجه العناية ما يلي:
أولاً- بيان حقيقة الإسلام الناصعة التي سعى المفسدون إلى طمسها وذلك بعرض العلم الشرعي المتمثل بعلم الكتاب والسنة كما نزل غضا طريا على محمد صلى الله وعليه وسلم بعيدا عما أحدثه المحدثون وافتراه المفترون وهذا لا يكون إلا بالأمر التالي وهو:
ثانياً- رد الناس إلى العلماء الربانيين الذي ينطلقون من كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وسد باب التهم لهؤلاء العلماء والاتصال المباشر بهم لسماع ما عندهم بأدب المتعلم المستفيد لا بفعل الند. وحينما كان الناس يرجعون إلى العلماء ويصدرون عن رأيهم كانت شوكة الإسلام أقوى وكلمة الحق أعلى، وحينما وقع الناس في علمائهم بمجرد الظن والتأويلات التي لا أساس لها حصل ما حصل من تسلط الأسافل.
ثالثاً- إحياء روح الانتماء للدين قبل كل شيء والتذكير بعظم نعمة الإسلام وعقد المقارنات بين واقع المجتمع المسلم المحافظ وبين غيره فإن استشعار هذه النعمة من أعظم دواعي التمسك بها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة 3. (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل عمران 164.
رابعاً- تمثل تعاليم الإسلام واقعا في الحياة اليومية وتنشئة الأجيال على هذا فإنه ما من شأن من شؤون المسلم إلا وللدين فيه عبادة يمكن أن تقربه إلى الله وتبعده من غيره وإن من أسباب الخواء الذي يعيشه كثير من المسلمين هو حالة الانفصام بينهم وبين دينهم فأصبح جزءا من شعائر الإسلام وعباداته مجرد حركات لا روح فيها تؤدى في أوقات معينه وجزءا آخر في طي الجهل والنسيان. وتمثل تعاليم الإسلام واقعا ملموسا لا يمكن أن يكون إلا بالرجوع للعلم الشرعي والاهتمام فيه.
أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرد المسلمين إليه ردا جميلا والله أعلم وأحكم وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم.
______________
فرحان بن سميح العنزي
السعودية-الرياض
عودة ودعوة