بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحوار أجرته أخت لكم في الله وتطلب منكم الدعاء لها في ظهر الغيب .
بارك الله في كل من عمل على إيصال هذه المادة للمسلمين وفي الأخت المحاورة وفي الأخت أم عبد الله وفي كل من عمل على إخراج وإيصال هذا العمل نصرة للمسلمين المستضعفين .
نرحب بالأخت أم عبد الله ونسأل الله عز وجل أن يجعل ما تقوم به هي وبقية الأمهات والأخوات وزوجات الأسرى من أعمال صالحة واتصالات بالجمعيات الحقوقية وتعريف
بمظلومية إخواننا وتشهير بقضيتهم على المستوى المحلي والدولي في ميزان حسناتهن بحول الله كما نسأله سبحانه وتعالى أن يعجل بتفريج كربتكن وكرب أبنائكن وإخوانكن الأسرى
الأخت أم عبد الله نشكركم على هذه الإلتفاتة ونسأل الله أن يبارك فيكم ويوفقكم لما فيه خير هذه الأمة وأن ينصر بكم المستضعفين في كل مكان .
السائلة : أولا أختنا أم عبد الله بصفتك إحدى الناشطات منذ سنوات في مجال الدفاع عن معتقلي السلفية الجهادية بالمغرب، هل بإمكانك أن تحدثينا عن معاناة أبنائكم في السجون والمعتقلات ومعاناة أسرهم ؟؟؟؟
الأخت أم عبد الله : الحديث في هذا يا بنيتي يطول يطول ويطول وهو حديث ذو شجون ولو جلست أحكي لك لشهر لما انتهيت من سرد معاناة أسرة واحدة فقط ناهيك عن مئات العائلات بل الآلاف ممن اكتووا بنار الظلم وفقدوا فلذات الكبد الذين غيبتهم السجون الظالمة الغاشمة منذ ثمان سنوات وإلى يومنا هذا.
فلا أدري من أين أبدأ ولا عن أي شيء أتحدث وأحكي، هل أحكي عن قصص وحكايات الاختطاف وما صاحبه من مداهمات للبيوت الآمنة وترويع للناس ورفس للأطفال وهم نيام وإفزاعهم بطرق ووسائل همجية لا نراها ولا نسمعها إلا فيما يجري للفلسطينيين على أيدي اليهود لعنهم الله ، مما تسبب لجل أبناء المعتقلين ممن عاشوها في عقد وأمراض نفسية لم تفلح محاولات الأسر في تجاوزها ، أم أحكي وأتحدث عن ظلم المحاكم وجور القضاء الذي وزع قرونا من السنوات على شباب دون دليل أو بينة ، أم أتحدث عن السجون وما يجري خلف أسوارها العالية الباردة التي يكابد خلفها أبناؤنا ويعانون في صمت وتواطئ من الجميع , باستثناء بعض الأصوات ( وهي قليلة ) المشكورة بين الفينة والأخرى التي تتجرأ على قول اللهم إن هذا منكر.
أم أحكي وأتحدث عن معاناة الأسر مع الفاقة والحاجة في غياب المعيل الوحيد للأسرة ودفنه حيا أم عن المضايقات السلطوية ونظرة الناس والمجتمع المجيش المشحون بإعلام مضلل لنا ولأبنائنا .
عن ماذا أحكي يا بنيتي والله لو حكيت وحكيت وحكيت فلن أفرغ ما في قلبي المليء ... الشكوى لله سبحانه وتعالى وحده .
(أجهشت أم عبد الله في هذه اللحظة بالبكاء وانهمرت دموعها غزيرة من عيونها فتقطعت كلماتها ورفعت كفيها إلى السماء وهي تردد :
الله يأخذ الحق في الظالمين ... الله يأخذ الحق في الظالمين ... الله يأخذ الحق فيهم...
قاطعتها في محاولة مني للتخفيف عنها وجرها للمزيد من الكلام والتفاصيل خاصة وأني لاحظت رغبتها في تفريغ ما تحمله من هموم وأوجاع مكتومة في الصدور المكلومة تنتظر أي فرصة كهذه لتفريغها...).
السائلة : أم عبد الله دعينا نبدأ نقطة نقطة حتى يكون قارئ هذا الحوار مطلعا على شيء من التفاصيل على ما يجري وما تكابدونه وأبناؤكم، وبصفتكم شقيقة لأخ من قدماء المعتقلين وقد عايشت بحكم انخراطك في تحركات الأسر النضالية ضمن الجمعيات الحقوقية العديد من الأسر وعلمت الكثير الكثير عن معاناتهم وهي قاسم مشترك يجمعكم . فنريد أن نبدأ من البداية حتى نلم بالموضوع من كل جوانبه .
فمنذ متى بدأت معاناتكم وأبناؤكم وإخوانكم المعتقلين وكيف بدأت ؟؟؟
أم عبد الله : منذ 8 سنوات تقريبا وتحديدا منذ تفجيرات 16 ماي 2003 التي عرفتها الدار البيضاء. لكن هناك أسر كانت معاناتها قد بدأت قبل هذا الحادث أي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لكنها كانت حالات محدودة لم تتجاوز المائة مقارنة مع ما وقع بعد أحداث الدار البيضاء من تفجيرات عليها ألف علامة استفهام ومشكوك في أمرها .
السائلة : مشكوك في أمرها !!! كيف مشكوك في أمرها ومن يقف خلفها حسب رأيكم ؟؟؟
أم عبد الله : كل أبنائنا نفوا أي علاقة لهم بالأحداث وتبرأوا منها أمام المحاكم وفيما بعد في بياناتهم من داخل السجون بل هناك معطيات وأدلة عرفت بعد مدة. أي بعد تجميع المعتقلين في السجون والأخذ والرد فيما بينهم ومناقشات واستفسارات ممن عاشوا الحدث بتفاصيله من الشباب الثلاثة الذين لم يفجروا تلك الليلة كلها تصب في اتجاه واحد وهو أن من خطط ووجه ودبر لتلك التفجيرات هم أنفسهم من استفادوا بعدها وجنوا المكاسب السياسية والمادية وغير ذلك كالترقيات والقرب والحظوة.
السائلة : هذا موضوع خطير وربما الكثير من الناس لأول مرة يسمعونه فهل بإمكانكم ذكر بعض المعطيات التي تستندون إليها أنتم وأبناؤكم على أن تلك الأحداث كانت مصطنعة وموجهة من جهات أمنية كما تشيرون ؟؟؟
أم عبد الله :المعطيات كثيرة جداً وأولها رسائل وبيانات محمد العمري (وهو ممن عاشوا الحدث لحظة بلحظة) من داخل سجنه ونشرتها بعض الصحف والجرائد والتي برأ فيها كل المعتقلين وكان مما ذكره أنهم كانوا فقط 14 شابا يرأسهم عبد الفتاح بويقضان وذكره للمكالمة الهاتفية التي جرت بين هذا الأخير وشخص مجهول كان يتابع التفاصيل هاتفيا وقصة سيارة المرسيدس السوداء اللون ... وللإشارة فبعد هذه الرسالة التي نشرتها الجرائد وفيها هذه المعطيات الخطيرة ستتوفى الأخت فاطمة زوجة العمري محمد ناشر الرسالة في حادث غامض آخر قيل أنه حادث انتحار بتناول سم وهنا ينبغي التوقف والتأمل والتمعن !!!!
معطى أخر: قبل هذه الأحداث بأسابيع قليلة تم إفراغ حي كبير من أحياء سجن سلا ( المسمى بسجن الزاكي والذي تسيره المخابرات المغربية بشكل كامل ) من سجناء( الحق) العام ونقلوا لعدة سجون وشرع في تجهيز وصيانة هذا الحي وإعادة طلائه وتعزيز إجراءاته الأمنية وهو نفسه الحي الذي استقبل المئات من أبنائنا مباشرة بعد الحدث ولا يزالون فيه إلى يومنا هذا , ويسمى حي "ميم".
وصار يطلق عليه السجناء والسجانين جناح غوانتانامو لما عرفه من فضائع وانتهاكات بشعة لنزلائه من أبنائنا وإخواننا
معطى أخر : بعض الشباب ممن اختطفوا ما بين 2001 و2003 كان يقول لهم المحققون متوعدين " قريبا سنجمعكم كلكم أنتم وشيوخكم في السجون.
معطى آخر : في مثل هذه الحالات شيء طبيعي أن يتحايل الفاعل ويتوقع مثل هذه التساؤلات والاستفسارات إذن فهو يعمد لحلقة مفقودة يجعلها شماعة يرد بها ومن خلالها على أسئلة المشككين إذن فكان لا بد لهم من هذه الحلقة وهي قتل وتصفية نفس بريئة وجعلها هي تلك الشماعة فكان الاختيار على المواطن عبد الحق بنتاصر الذي عرف بمول الصباط ( بائع الأحذية) هذا المسكين وقع عليه الاختيار وقد كانت له علاقة تجارية مع أحد الشباب المنفذين ووجد رقم هاتفه في مفكرته فقتل ببشاعة في معتقل مدينة تمارة السري وأذيع في الإعلام حينها أنه كان مريضا بالكبد والرئتين ويتناول الدواء باستمرار ومات قضاء وقدرا وهذا ما نفته أسرته وقالت أنه كان يتمتع بصحة جيدة بل ويمارس رياضة حمل الأثقال ولا يتناول أي أدوية. وصار هو الأمير المزعوم وهو الحلقة المفقودة التي تمتلك كل المعلومات والأسرار.
معطى آخر : مواقع التفجيرات واختيارها يطرح علامات استفهام كثيرة , خاصة المعبد اليهودي الذي كان فارغا لحظة مهاجمته إلا من الحارس وفي العادة يكون ممتلئا عن آخره ليلة الجمعة و السبت . فمن أخبرهم وأوعز لهم بالإخلاء والمغادرة في تلك الليلة ؟؟؟
معطى آخر : روى أحد أبنائنا المعتقلين أنه التقى من بين سجناء (الحق) العام بشخص كان يعمل في جهاز "لا دجيد" أي المخابرات الخارجية وكان يشتغل بليبيا حينها. فكان موعد سفره للمغرب يوم 15 ماي وفي آخر لحظة جاءه أمر بعدم المجيء للمغرب فاستغربه خاصة وأنه كان قد أعد العدة للسفر وحين مناقشته ودردشته في جلسة خمر مع أحد مسئوليه الكبار في السفارة المغربية بليبيا عن سبب إلغاء سفره حدثه هذا المسئول أن حدثاً كبيراً سيقع في البلاد في غضون اليومين المقبلين ونريد الاحتفاظ بكم هنا.
معطى آخر: في مثل هذه العمليات لا بد من جهة ما تتبناها وهو ما لم يحدث اللهم قصة البيان الفضيحة الذي اعتقلوا على إثره وعذبوا شبابا لا حول لهم ولا قوة .
هذه كلها معطيات منطقية توصل إليها أبناؤنا بل ويكفي فقط التمعن فيما تلا تلك الأحداث وما كسبه بعض المتنفذين في اتخاذ القرارات من مكاسب وترقيات لا تعد ولا تحصى حتى يحكى أن بعضهم يسافر لأمريكا مرتين كل شهر !!!
السائلة : طيب ما الذي حدث بعد تفجيرات الدار البيضاء المفبركة كما تقولون وأبنائكم المعتقلين؟؟؟
أم عبد الله : الذي حدث يزكي ما نقوله وهو أن هناك لوائح كانت جاهزة بأسماء ومعلومات كاملة عن الشباب المستهدف , فمباشرة بعد التفجيرات تحركت الأجهزة الأمنية بكل تشكيلاتها مدعومة إضافة إلى العتاد القمعي بغطاء إعلامي تحريضي خطير ومتطرف يستهدف كل ما هو إسلامي وذلك لتجييش المجتمع وتهيئته لكل ما سيقع لهذه الفئة المستهدفة ولسد الطريق وإخراس أي جهة حقوقية أو صوت يعارض اختطاف الأبرياء وتعذيبهم وسجنهم بل وقتلهم حتى . أذكركم أن عدد المعتقلين في هذه الأحداث تجاوز 5000 سجين تم اعتقالهم في فترة قياسية لا تتعدى الأسبوع، وهذا أكبر دليل على أن لوائحهم كانت جاهزة مسبقا ً.
وسن قانون إرهابي جديد فبدأت الاختطافات من البيوت والمساجد والأزقة ومقرات العمل لا تفرق بين شيخ كبير ولا شاب صغير لا مريض ولا معافى . ذاق حينها أبناؤنا ويلات التعذيب المختلف الأنواع في سجن تمارة السري وكذلك مراكز الأمن وخاصة كومسارية - مخفر الشرطة- المعارف بالدار البيضاء وغيرها...
تعذيب فاق وتجاوز ما مارسه الفرنسيون المحتلون على المقاومين المغاربة بهذه المخافر أيام الاحتلال مما حدثنا عنه آباؤنا . فكل ما يمكن أن يتخيله الإنسان من وسائل التعذيب مورس عليهم حتى أزهقت الأرواح من شدته ( كالدكتور محمد بونيت وعبد الحق بنتاصر ) فهناك من صعق بالكهرباء وخنق بمياه المجاري إلى التعليق لأيام وليالي والشبح وحتى الاغتصاب الجنسي . والعديد من المعتقلين لا يزال يحمل آثار ذلك إلى يومنا هذا أما معاناتهم النفسية جراء ما يحملونه من ذكريات سيئة فحدث ولا حرج ولا يكاد ينجو منها سوى القليل، وهناك عدة حالات للانهيارات العصبية والجنون ومحاولات الانتحار سجلت بين المعتقلين وبلغت بها المنظمات الحقوقية . بل هناك حالة قتل نفذها سجين اختل عقليا نتيجة التعذيب في حق أخ له كان يقاسمه السجن . ورفوف المنظمات الحقوقية تمتلئ عن آخرها بملفات ومراسلات المعتقلين وأسرهم تحكي بتفصيل قصصهم مع الاختطاف والتعذيب وجور المحاكم
السائة : حتى لا نتشعب دعينا نتوقف عند كل نقطة. لنبدأ بكلمة تكررت كثيرا في حوارنا معك وهي الاختطاف ؟؟؟
أم عبد الله :خلال هذه الثمان سنوات التي عايشت فيها أسر المعتقلين سمعت عشرات بل مئات القصص والوقائع سأكتفي بذكر بعضها وأبدأ بما عشته شخصياً وعاينته فقد هاجموا بيتنا على الساعة الثالثة والنصف ليلاً ونحن نيام كسروا الأبواب والنوافذ وقفزوا على أسطح الجيران، كل هذا لاختطاف شقيقي الذي تزوج حديثا وسكن معنا في نفس البيت كدنا نموت حينها من الرعب والخوف والفوضى التي أحدثوها كل شيء فتشوه وكل شيء خربوه حتى محتويات الثلاجة بل حتى وسائد النوم رموا قطنها أرضا .
دخلوا على أخي في غرفة نومه ولم يمهلوا زوجته التي أجهضت جنينها من الرعب حتى تستتر فقد كانا بلباس النوم أوقعوه أرضا على وجهه وهم يضربون رأسه وظهره وأحدهم يضع رجله على رقبته بقوة وهم يصرخون:
فين الصاك ؟؟؟ فين الصاك ؟؟؟ فين الصاك ؟؟؟ ( ويقصدون أين الحقيبة ؟؟)
أغمي على والدتنا وزوجة أخي التي أجهضت وأصبنا بهستيريا مرعبة من البكاء مما عجل بخروجهم . حملوا أخي معهم عاريا وبعد هذا التخريب اكتشفنا أنهم سرقوا مبلغا ماليا مهما وحليا ذهبية وبعض الأغراض الأخرى منها 12 هاتف نقال غالية الثمن كان يتاجر فيها شقيقي .
السائلة : ثم ما الذي وقع ؟؟؟
أم عبد الله: لا أعرف ما الذي جرى، اختفى ثلاثة أشهر وبعدها أخبرنا من أسرة أحد المعتقلين أن قريبنا موجود بسجن سلا. زرناه ويا ليتنا ما فعلنا.
السائلة : لماذا ؟؟
لأننا صدمنا وفجعنا . وجدنا شخصاً آخر غير الذي نعرف أمامنا كدنا من هول الصدمة.
السائلة : عذبوه ؟؟؟
لم يحك لنا شيئا آنذاك لأنه ظل صامتا طيلة فترة الزيارة فقط ينظر إلينا كالمخبول لا يعرفنا ويتمتم بكلمات لا نعرفها كان مجنونا بصريح العبارة حالته كانت تبين وتظهر أنه قاسى الشيء الكثير ..
في هذه اللحظات تنهدت الأخت أم عبد الله ونزلت دموعها وكأنها تذكرت ذكرى موجعة.
السائلة : هذا عنكم وماذا عن بقية الأسر الأخرى ؟؟؟
لم تسلم أسرة من أسر الإخوة المعتقلين من مثل ما حدثتكم عنه بل وبسبب ما وقع من إرهاب وتعنيف للأهالي وقت المداهمات الليلية سقط العديد من الآباء والأمهات كبار السن طريحي الفراش حزنا على فلذات أكبادهم وفزعا وهلعا مما عاينوه من همجية الأجهزة القمعية . وقد كنا قبل سنتين أجرينا في إطار عملنا الجمعوي الحقوقي إحصاءاً عن عدد المعتقلين الذين توفي آباؤهم أو أمهاتهم أو هما معا بعد اعتقالهم فوجدنا العدد كبيراً جدا وخلال هذه الدراسة الإحصائية اكتشفنا أن جل من توفوا كانوا قد لزموا فراش المرض بعد اختطاف أبنائهم ومحاكمتهم الظالمة . أي أن ما جرى يعتبر سببا لوفاة هؤلاء.
فخلال عملية الاختطاف لا يحترم لا الكبير ولا الصغير ولا المريض ولا الصحيح وهناك الكثير من الحالات التي ضرب فيها الأخ وجرد من ثيابه كلها وسب وأهين بأقذع الألفاظ والنعوت على مرأى ومسمع من أسرته: الأم والأب والزوجة والأطفال , هذا ناهيك عن سرقة مدخرات الأسر من مال وحلي بل حتى الوثائق . وأعرف الكثير من الأسر ضاعت منها وسلبت خلال عمليات المداهمات والتفتيش كل وثائقها ولم تسترجعها ليومنا هذا كعقود الزواج ودفتر الحالة المدنية العائلي وجوازات السفر وبطاقات الهوية وحتى وثائق ملكية البيوت والقطع الأرضية ووثائق السيارة والبنك وغيرها ....
السائلة : حديثك عن أسر المعتقلين يجر لنسألك عن مشاكلها ومعاناتها بعد اعتقال أولادها ؟؟؟
أم عبد الله : منذ لحظة اختطاف الشخص تدخل أسرته في دوامة من المشاكل والمعاناة لا تنتهي وتزيد وتتفاقم إن كان هذا الأخ متزوجا وله أبناء, وأنت تعلمين الحالة المادية لجل الأسر المغربية فبعض الزوجات وأبناء المعتقلين لم يستطيعوا شراء ملابس العيد ولو حتى حذاء أو قطعة قماش منذ سنوات بل هناك زوجات وأمهات وأبناء لم يروا قريبهم المعتقل للسنة أو يزيد بسبب الفقر وتكاليف السفر التي تزيد كلما زاد بعد الأسرة عن مكان احتجاز ابنها .
فهذه الحملات المسعورة لم تستثن منها منطقة فهناك إخوة من عمق الصحراء كبوجدور والعيون والداخلة إلى أقصى الشمال الشرقي كمدينة وجدة وبركان والناظور إلى وسط جبال الأطلس كمدينة خنيفرة وأزيلال ... فكيف لأسرة من هذه المناطق البعيدة أن تزور قريبها المعتقل بسجن مدينة سلا أو القنيطرة ومن أين لها مصاريف السفر وتكاليفه الكثيرة . والله إني لأعرف أخوات وأمهات بعن كل ما يملكنه لتغطية مصاريف زيارة أو زيارتين على الأكثر حتى أن إحدى الأخوات حدثتني يوما والألم يعتصرها وهي تبكي أنها قد باعت قارورة غاز وأواني المطبخ حتى تسكت بكاء آبناءها الراغبين في السفر لزيارة والدهم المسجون . المآسي لا تنتهي ولا يعلمها إلا الله ثم من يعيشونها ويكابدونها يوميا, وكأن هذا النظام يتعمد معاقبة الجميع الكبير والصغير . وأعرف كثيراً من أبناء الإخوة المعتقلين غادروا مقاعد الدراسة وتوجهوا لتعلم الحرف والعمل حتى يساعدوا أمهاتهم وكذلك بعض الأخوات خرجن للعمل ومنهن من لم تتحمل ضغوط الأسرة والمضايقات المستمرة فطلبن الطلاق وقد سجلنا عدة حالات .
السائلة: طيب أليس هناك محسنين أو جمعيات تهتم بهذا الجانب الإنساني الخيري في مساعدة الأسر؟؟؟
أم عبد الله : تبتسم بسخرية ومرارة وتردد : محسنين؟ جمعيات؟ !!!
من كتب عليه الله وابتلاه في هذه البلاد أن يسجن في ملف الإرهاب فليس له إلا الله وحده لا شريك له .
منذ 2001 والأجهزة القمعية وفي إطار حملتها على الإسلام لم تستثن أحدا واعتمدت أساليب تجفيف المنابع كما يسمونها فأدخلت الناس والمجتمع في دوامة من الإرهاب والرعب والخوف إلى درجة أن الناس صاروا يخافون من المعتقلين ومن أهاليهم إلا من رحم الله وهم معذورون فلطالما سمعنا عن اختطاف قريب أو صديق لمعتقل ومحاكمته ب5 سنوات أو 4 بسبب أنه ساعد أسرة معتقل ما .
السائلة : كثيراً ما نسمع عن إضرابات عن الطعام بسبب ما يتعرض له الإخوة السجناء داخل سجونهم هلا عرفتينا ببعضها ؟؟؟
حال الإخوة في السجون بين مد وزجر وقد عرف بعض الاستقرار نوعا ما منذ 2005 إلى 2007 وهذا ممنهج ومتعمد ويدخل في إطار الحرب النفسية الممارسة على أبنائنا وإخواننا فلا يكاد الوضع يعرف بعض الاستقرار النسبي حتى يعمدون إلى استفزاز المعتقلين بحرمانهم من أبسط حقوقهم والاعتداء عليهم وظلمهم . ومنذ تعيين المسمى "حفيظ بنهاشم" على رأس مديرية السجون في المغرب وأبناؤنا في مشاكل ومعاناة لا تنتهي وللعلم فهذا الرجل البالغ من العمر 75 سنة أو أزيد ولم يحل على التقاعد , تاريخه دموي معلوم للقاصي والداني وصنفته الجمعيات الحقوقية ضمن الجلادين المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عهد الحسن الثاني وهو ضمن القائمة السوداء لهذه الجمعيات التي تطالب بمحاكمتهم على ما اقترفته يداه , ورغم كل هذا عين وأطلقت يده يبطش بها كيف شاء ومتى شاء دون مسائلة. وآخر ابتكارات هذا الرجل هو ما يجري حاليا لإخواننا في سجن القنيطرة حيث يتواجد أزيد من 220 معتقل ضمنهم قريب لي محكوم بالسجن مدى الحياة مؤبد .
السائلة : ماذا جرى بهذا السجن ؟؟؟
قبل شهرين أو يزيد قليلا كان الوضع هادئا في السجون وفي ليلة باردة هوجم الإخوة في غرفهم بعدة سجون في جوف الليل من طرف فرق خاصة وحملوا بملابس نومهم فقط وحفاة الأرجل أركبوهم في آليات نقل بعد تغميض عيونهم وربط أيديهم للخلف وتوجهوا بهم نحو سجن القنيطرة. حملوهم من عدة سجون بعيدة من كل أنحاء المغرب مخالفين بذلك حتى قوانينهم التي تنص على مبدأ تقريب السجين من أسرته فطبقوا العكس وهو إبعاده عن أسرته مئات الكيلومترات .
بعدما أوصلوهم سجن القنيطرة الذي بنوا فيه جناحا خاصا بالسلفيين استقبلوهم بالضرب والتعذيب والتجريد من الثياب وصب المياه الباردة عليهم ورميهم في زنازين باردة بلا غطاء ولا فراش كافي فقط 3 بطانيات . نهبت كل أغراضهم وملابسهم وحتى كتبهم . وكل من احتج أو نطق بكلمة واحدة علق من يديه وعري وجلد حتى لم يعد يستطيع المشي على قدميه فقد حدثتني زوجة أحد الإخوة يسمى الخمال ورحل من مدينة طنجة أن زوجها لم يستطع الوقوف على قدميه المتورمة حين زارته بعد ترحيله إلى سجن القنيطرة وقد أخبرها أنهم علقوه وجلدوه وتبولوا عليه وعبثوا في عوراته وهذا حدث مع الكثير من المعتقلين المرحلين مؤخراً لهذا السجن الذي يضاهي أبو غريب .
فالمعتقلون لحد هذه الساعة يمنعون من كل شيء حتى من الراديو والكتب وسرقت ملابسهم حين ترحيلهم وبعضهم لا يزال يلبس نفس الملابس التي رحل بها منذ شهور ومن طالب بأغراضه عذب وجُرد من ثيابه وجلد .
وهذا الإرهاب لم نسلم منه حتى نحن الأسر فحين زيارتنا لهم أهانونا أشد الإهانة ومن خبثهم وحقدهم منعونا حتى من الجلوس على كراسي كما هو معمول به في كل الدنيا ، ومدة الزيارة 15 دقيقة فقط فلكم أن تتخيلوا أسرة تقطع مسافة1000 كيلومتر سفراً لترى ابنها المعتقل مدة 15 دقيقة وهم واقفون في جو من الإرهاب . يعبثون بسلة الزيارة ويفتشونها ويبعثرون ويخلطون محتوياتها بشكل لا أعتقد أن اليهود يفعلونه مع الفلسطينيين المعتقلين.
فالحارس المكلف بتفتيش السلة (سلة تحتوي على الطعام الذي تجلبه الأسرة لأسيرها ) يمنع كل شيء الثمر والزيتون يأمرك بنزع نواه كي يسمح لك بإدخاله وحين تفتيشه يتعمد خلط مسحوق الغسيل مثلا مع مواد الأكل فيدخل ملعقة وسخة في الشوكلاته ثم ينزعها ويضعها في المرق ثم ينزعها ويدخلها في الجبن وهكذا يعجنون كل شيء فما يجري بسجن القنيطرة بالمغرب ينذر بكارثة لا قدر الله لأن الضغط يولد الانفجار كما جرت العادة .
السائلة: وكيف تفسرون وأبناؤكم هذه الخطوة. إبعاد المعتقلين عن أسرهم وتجميعهم بسجن القنيطرة المركزي؟؟؟
أم عبد الله : هناك إشارة لا بد من ذكرها وهي أن هذا الترحيل كان انتقائيا ولم يتعرض له الجميع والمرحلون جلهم رفضوا ولم ينخرطوا في المبادرة الفاشلة التي أطلقها بعض السجناء من قبل بزعامة أبو حفص . وإخواننا يعتقدون أن هذا الإجراء جاء انتقامياً يصبون من وراءه إلى إذلال وتركيع هذه الفئة الثابتة الصابرة المحتسبة والأجهزة الأمنية تعتقد أنه لا بد من الضغط والإرهاب لتهييء الجو للتنازلات لطي هذا الملف والخروج من هذه الورطة الحقوقية التي أصبحت تسبب حرجا للنظام المغربي الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان والقطيعة مع الماضي, خاصة أن بعض الأصوات بدأت ترتفع مشككة وداعية إلى إنصاف الشباب المظلوم وإطلاق سراحه وتعويضه على ما لحقه.
السائلة : على ذكر المراجعات فقد ترددت هذه الكلمة كثيراً فماذا تعني للمعتقلين وما موقفهم منها ومن الحوار بصفة عامة ؟؟؟
أم عبد الله : أبناؤنا بينوا مواقفهم في مناسبات عدة وهم يعتبرون أنفسهم ضحايا مصالح وصراعات دولية وإقليمية وتصفية حسابات سلطوية أمنية ويعتبرون أنفسهم أبرياء. فعن أي شيء سيتراجعون أو يراجعون ؟؟؟
أناس لم يحملوا سلاحا ولم يقاتلوا نظاما ولم يؤذوا أحدا جيء بهم من بيوتهم وحوكموا بالمؤبد والإعدام ظلما وعدوانا وشرد أبناؤهم وأسرهم ويطلب منهم التراجع والمراجعة. إن أولى الناس بالتراجع والمراجعة هم من اتخذوا معاناة إخواننا مطية لكسب المغانم وحيازة رضا الغرب وعلى رأسه أمريكا والاتحاد الأوربي . الأولى بالتراجع هم من أزهقوا الأرواح وانتهكوا الأعراض وعذبوا ولازالوا يفعلون ليومنا هذا وسجن القنيطرة وغيره والمعتقلات السرية خير دليل وأكبر شاهد على ذلك ... ثم إن هناك مسألة مهمة لا ينبغي إغفالها فقد صدعوا رؤوسنا بكلمة الحوار ... الحوار ... الحوار... فكيف يستقيم أن يكون هناك حوار تحت الإكراه، فمنطقياً لا يمكن أن تضع أناساً يخالفونك الأفكار والقناعات داخل السجون بعد أن تعذبهم وتنتهك عرضهم وتشرد أسرهم وتجوعها لسنوات ثم تدعي أنك ترغب في محاورتهم للتراجع عن أفكارهم . هذا أمر لا يستقيم ولا يمكن لا عقلاً ولا شرعاً ولا منطقا .
وهذا أيضا غباء فما يدريك أن هذا السجين قد يأخذ برخصة المكره ويوافقك ظاهريا في كل ما تطرحه وترغب في سماعه منه.
السائلة : هل هناك نساء معتقلات في السجون المغربية ؟؟؟
الحملة لم تترك أحدا قبل أيام فقط حوكمت بنت شابة صغيرة وهي طالبة جامعية تدرس القانون اسمها فوزية أزكاغ بست سنوات سجنا وهناك الدكتورة الطبيبة ضحى زين الدين تنتظر المحاكمة وقبل أيام أنهت أربع أخوات منهن طبيبتان حكمهن بأربع سنوات وغادرن السجن بتهمة تمويل الإرهاب والتحريض عليه والله المستعان .
السائلة: ربما أثقلت عليك وأطلت أختنا أم عبد الله فهل من كلمة أخيرة تختمين بها ؟؟؟
أم عبد الله : كلمتي لعلماء المسلمين عامة وفي المغرب خاصة أن اتقوا الله فالساكت على الظلم ظالم والساكت عن الحق شيطان أخرس وكلكم تعلمون مظلومية إخواننا وما نزل بهم من بلاء إرضاء لأمريكا وطمعا في مكاسب زائلة منها ف أليس فيكم رجل رشيد .
وهو نفس الكلام الذي أوجهه للمؤسسات الحقوقية والجمعيات لقد طرقنا أبوابهم نحن الأسر ولم نجد منهم إلا التهرب وعدم الاكتراث إلا النزر القليل مشكورين كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الكرامة وغيرهما وهي قليلة للأسف .
وكلمتي للمسلمين عامة أن لا ينسوا الشباب المظلوم في سجون المغرب من دعائهم ودعمهم ماديا ومعنويا والتعريف بقضيتهم إعلاميا وإيصال صوتهم للعام أجمع .
نسأل الله أن يفرج عن كل مسلم ومسلمة في كل مكان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
روابط التحميل
doc
pdf
doc + pdf
مع تحيات إخوانكم في
مؤسســـة
الإعـــــلامية