بالطبع قد تكون ممن عزم على حج هذا العام ، وستذهب إن شاء الله ولكن انتبه فقد تنسى نفسك ، وتزل بلسانك وأعمالك ، فتود لو أنك لم تُخطأ حتى تفوز (( بالحج المبرور )) ، والذي قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من حج هذا البيت ، فلم يرفث ولم يفسُق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ))
فما الذي يريده كل واحدٍ منا إلا الفوز بمثل هذا الفضل العظيم ، والمنزلة الرفيعة..
فهيا تعالوا قبل إحرامنا نشنف الأسماع ، ونعطِّر الأسماع بذكر كلام ربنا جل في علاه ، وهو يرشدنا إلى طريق السبق والفلاح..
قال تعالى : (( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمْهُ الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى والتقون يا أُلي الألباب )) البقرة197
(( أشهر معلومات)) قال البخاري: قال بن عمر: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. وقال عطاء: الفرض الإحرام وكذا قال إبراهيم والضحاك وغيرهم.
وقوله تعالى: (( فلا رفث )) أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث ، وهو الجماع ، كما قال تعالى: (( أُحِل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )) وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك ، وكذلك التكلم به بحضرة النساء ، قال عطاء ابن ابي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش ، وقال ابن عباس وابن عمر: هو غشيان النساء.
وقوله تعالى: (( ولا فسوق )) جاء عن بن عباس أنها المعاصي وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم. وجاء عن نافع أن بن عمر كان يقول: ( الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم ) ، وقال آخرون : الفسوقُ هاهنا السباب ، وقد تمسكوا بما ثبت في الصحيح: (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )).وقال الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب.
وعلى كل حال ـ أيها الحاج ـ المبارك هل يليق بك أن تذهب إلى ملك الملوك لتطلب ما عنده من غفران الذنوب ، وتحصيل الأجر العظيم ، وأنت تجاهر بمعاصيه ، سواءا بسيجارة تؤذي بها نفسك ، وتؤذي بها المسلمين ، أو غيرها من المعاصي التي طالما عكفت عليها سنين كثيرة.. فإن أحببت مغفرة ما سبق فأحسن فيما بقي يُغفَر لك ما مضى وما بقي.
كما نهى ـ سبحانه وتعالى ـ عن الظلم في الأشهر الحُرم ، وإن كان في جميع السنة منهياً عنه ، إلا أنه في الأشهر الحُرم آكد ، ولهذا قال تعالى: (( منها أربعة حُرُم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم )).
وأما ما جاء في النهي عن الجدال ، وهو الذي أورد الكثير إلى الخسران ، وحرمان الثواب والغفران ، فقد روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: (( ولا جدال في الحج )) قال: (أن تماري صاحبك حتى تغضبه ).
فهل نعقل أخي الحاج عظيم هذا الفعل ، وسوء عاقبته ، في إيذاء أخيك الحاج بإرادةِ همزه أو لمزه أو إغضابه ، وسوء الأدب معه ، وما أحوجنا والله أن نتخلق بآداب القرآن وهدي نبينا عليه الصلاة والسلام في مثل هذه العبادة ، وهذا الزمان ، وفي مثل تلك الأماكن والمشاعر المقدسة ، وإليك ما تُسَرُّ له الأنفس ، فقد روى الإمام بن حُميد في مسنده عن جابر بن عبد الله ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من قضى نُسُكَهُ وسَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ))
ثم يقول المولى جل وتبارك: (( وما تفعلوا من خير يعلمْه الله )) بعد أن نهاهم عن أتيان القبيح قولا وفعلاً ، حثهم على فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به ، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة..
فلنري الله من أنفسنا خيراً ـ أيها الإخوة ـ فما هي إلا أيام معدودات ، لنملؤها بذكرٍ لله تعالى، وطاعة وعبادة ، وتلاوة للقرآن ، ونصح وتوجيه وإرشاد ، ودعوة لله ، بعيدا عن الذنوب والعصيان..
دمتم بخير وجَعَلَ اللهُ حجكم مبروراً وسعيكم مشكوراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته