بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله وبعد
من مظاهر التطرف في الفكر والجنوح في الكره والبغض سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم من خلال منظار أسود ولذلك نهى الإسلام عن الظن السيئ وحذر منه.
قال تعالى: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ...) آية رقم 12 من سورة الفتح
وقال تعالى: (يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...) آية رقم 12 من سورة الحجرات.
ومن عجب أن هاتين الآيتين اللتين تحذران من الظن السيئ تحملان الرقم 12 وتقعان في سورتين متجاورتين في ترتيب المصحف بل كلتا السورتين مدنية.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم -( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ) رواه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبوداود والترمذي
عن أبي هريرة رضي الله عنه ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمير أو الوالي أن يجاهر بسوء الظن في الناس حتى لا يحمل المسيء على اقتراف ما رماه به ووصفه باقترافه، ولا يتتبع عورات الناس إلا ما دعت إليه الضرورة كتتبع الجناة والخارجين على القانون والخطرين على أمن البلاد فقال صلى الله عليه وسلم ( إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ) رواه أبو داود والحاكم.
وليس معنى حسن الظن بالناس أن يقصد الإنسان مواضع الريبة وأماكن الشبهات وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لنا المثل في اتقاء الشبهات والبعد عن مواضع الريبة حينما كان معتكفاً في المسجد وذهبت إليه السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها زوجته، وتحدثت معه، ولما همت بالانصراف قام معها يوصلها إلى سكنها.
روى البخاري عن صفية رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي يقلبني (يوصلني) وكان سكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ؟ أي تمهلا ؟ إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلبيكما سوءًا أو قال شيئًا، كما ضرب الزمخشري المفسر المعروف لنا مثلاً آخر حينما كان مجاورًا في مكة وكانت رجله قد قطعت من علة ،اختلف في هذه العلة التي أدت إلى قطعها فقيل: من أثر الثلج الذي كان ببلاد خوارزم التي كان يعيش فيها قبل أن يأتي إلى مكة.
فكان يمشي على خشبة وبيده وثيقة موقع عيها من خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقته، وذلك خوفًا من أن يظن مَن لا يعرفه أنه رجله قطعت في حد من الحدود.
وليس من حسن الظن بالناس وحسن معاملتهم كما أمرنا الإسلام الغفلة عن مكائد الأعداء ومكر السفهاء من الناس.
روى الديلمي والقضاعي عن أنس رضي الله عنه مرفوعا المؤمن كيس فطن ) أي ذكي عاقل.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن نفسه ( لست بالخِب ؟ المخادع - والخب لا يخدعني ). بمعنى أنني لست مكارًا مخادعًا ومع ذلك فالمكار المخادع لايستطيع .