لجينيات ـ قد يندهش المتابع للمجازر التي ارتكبها ولا زال يرتكبها النظام السوري ، والذى سلم من رصاص قناصته اليهود بعد قضمهم الجولان وقصفهم منشآت دير الزور ، ولم يسلم منه شعبه الأعزل في درعا وبناياس ، ويزداد العجب إلى الحد الذي يجعل الحليم حيرانا وهو يرى أهل درعا يبادرون إلى فتح كنيستها كمستشفى بعد أن أصبحت المساجد قبلة لطلقات المدافع ورصاص الأمن في رحلات قنص البشر ..!
وهكذا أضحت بيوت الله في حلب ودمشق غير آمنة ، لدوام القصف عليها ، وحيث يُختطف منها المصابون والأطفال ! في تكرار مذهل للمشهد الشيعي في مساجد أهل السُنة إبان احتلال العراق ، وفي جرائم الأسد يصدق الشاعر إذ يقول :
أسد علي وفي الحروب نعامة *** ربداء تجفل من صفير الصافر ..!
وقد تزول هذه الدهشة وتتحول إلى مرارة في الحلق حينما نقارن بين مشهدين ، أحدهما قديم محفور في الذاكرة السورية المعذبة بسبب مذابح حماة خلال حكم حافظ الأب ، والثاني حدث منذ أيام عرضته شاشات التلفزة في كل أنحاء العالم ، لقوات الأمن السورية وهي تسحل جثة متظاهر قضى برصاص ميليشيات النظام ، ومشاهد أخرى فظيعة رأيناها في وسائل الإعلام وعلى اليوتيوب في رسالة للعالم مفادها ( نحن نقتل ونسلخ ونسحل بكل جرأة ووقاحة ، أما ما نخفيه خلف المعتقلات ومراكز التعذيب ذات الجدران السميكة والأسوار العالية أشد سوءاً وتنكيلاً مما قد يأتي في مخيلة أكثر شياطين الشر دموية ووحشية...!!
أما المشهد الأول وهو أحد تفاصيل مجزرة وقعت في مدينة حماة في الثامن من فبراير عام 1982م ، وكما يروي الشهود .. ففي تمام الساعة 6:30 صباحاً قرعت قوات الأمن المدججة بالسلاح باب منزل الأستاذ فهمي محمد الدباغ ( معلم ابتدائي ) وعند محاولته فتح الباب جاءه الجواب زخات من الرصاص ؛ فأصيب بجروح بالغة وابتعد عن الباب زحفاً ، وباغتته قوات الأمن ودخلت بيت الرجل الأعزل لتنفيذ أمر أتت من أجله ، وعند شروق الشمس تم ذبح جميع أفراد الأسرة التى تتكون من الأستاذ فهمي محمد الدباغ 58 عامًا ، وزوجته 43 عامًا ، وابنته ظلال 22 عامًا ، وابنه وارف 21 عامًا ، طالب وابنه عامر 15 عامًا ، وابنه ماهر 14 عامًا ، و ابنته صفاء 10 سنوات ، وابنته رنا 9 سنوات ، وابنته قمر 8 سنوات ، وابنه ياسر 6 سنوات ، وابنه أحمد ، ولم ينجُ من مشهد المذبحة سوى ابنته هبة الدباغ صاحبة كتاب "خمس دقائق فقط" ليس لأنهم رأفوا بها ، بل لأنها كانت أسيرة في السجن وقت ارتكاب الجريمة ..!
ذلك المشهد كان واحداً من مشاهد الموت والرعب والقتل الذي بثه حافظ الأب في مدينة حماة ، والذى أسدل الستار على جرائمه فيها بعد أن قامت القوات السورية بمجزرة فظيعة كانت مدتها 27 يوماً حيث قصفت مدينة حماة بكل أنواع الأسلحة وهدمها ومن ثم اجتياحها عسكرياً وحرقها, وارتكاب إبادة جماعية سقط ضحيتها ما بين 30 ألف إلى 40 ألف قتيل مسلم ، وها هو وريث نظامه بشار الابن يريد أن يعيد الكرة على مرأى ومسمع ومشهد من العالم الأخرس ، ألا يستوجب ذلك تحميل النظام السوري مسؤولية أعمال إبادة المدنيين ، واتخاذ الإجراءات القانونية للحجز على ممتلكات شلة المجرمين ومن حولهم داخل سورية وخارجها ، وتوقيفهم وتقديمهم للمحاكمة أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب ..؟! .. اقرأ هنا المزيد عن مجزرة حماة في موسوعة ويكيـبـيـديا!
ومن دلائل الدهشة في المشهد السوري - ولعل القائمة تطول- هو موقف الشريك الإيراني في طهران ، حيث خرست أصوات الإعلام الشيعي الرسمي وأذياله الفضائية أمام المذابح التى يرتكبها تابعهم المدلل في دمشق ، وقد كانت أصواتهم لا تكل ولا تمل وهم يحشدون الإفك في فتنة البحرين قبل أسابيع ، لما لا والمصالح التى تجمع بين النظامين في طهران ودمشق من الترابط العقائدي والسياسي ، بحيث تجعل المذيع الإيراني يسخر في أحد النشرات الإخبارية من شهداء أهل السنة ويقلل من حجم جرائم النظام النصيري في سوريا ..!
ولعلنا لا نظلم المذيع الإيراني الذى لا يتدخل في صياغة الأخبار بل يقرؤها ويرددها مثل الببغاء من ورقة موضوعه على طاولته، إذ نذكر أن إسرائيل التى قبلت بنشر قوات سورية بالقرب من حدودها المقتطعة من الجسد السوري ، لم تقبل بذلك طوعاً لولا علمها أن هذه القوات لم تنشر إلا لأجل قمع المقاومين ، بل وبلغ اطمئنانها ذروته لوفاء النظام قديماً وحديثاً وهو ما جعل المعلق في القناة الصهيونية يحث اليهود قائلاً "صلُّوا من أجل بقاء بشار في السلطة"..!
إننا لم نسمع أن يهودياً سحل يهودياً أو سجنه وعذبه حتى الموت في معتقل داخل إسرائيل ، ولكن سمعنا عن مجزرة درعا ومقتل عشرات من أهلها السُنة برصاص النظام السوري الحي ؛ بعد اقتحامها المسجد العمري بالمدينة ، فضلاً عن مئات الجرحى !، ولم نسمع صوتاً لعمائم طهران التى تقتر سواداً تدين أعمال القتل والإجرام في درعا وبانياس واقتحام المساجد وخطف الجرحى من المستشفيات ليلاً ، ولكن سمعناها تروج الأكاذيب في المشهد البحريني ، و لولا مشيئة الله ثم تدخل قوات درع الجزيرة لكان الحديث غير الحديث .
إن إيران التي تصف النظام النصيري الحاكم في سوريا بأنه امتداد للإمامية الإثني عشرية ، كما هو الحال في موقفها الرسمي المعلن مع الحوثيين في شمال اليمن ، ستسكت حتما ولن تعلق على هذه الجرائم ، وقد قبلت عمائم الإفك السوداء من قبل بترحم وترضي النصيرية عن عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي رضى الله عنه ، لزعمهم بأنه قد خلص اللاهوت من الناسوت ، حيث أنه لم يكن ظهور الإله علي – وفق ما يعتقده النصيريون- في صورة الناسوت إلا إيناساً لخلقه وعبيده ..!!
ولكن دعونا من إيران الآن ، فموقفها في البحرين وسوريا مفضوح ومحترق ولن تجدي معه تقية إعلامها اليوم ولا مستقبلاً ؛ والسؤال .. هل يخرس العالم كما خرس من قبل أمام جرائم حافظ الأب ؟!! والتى يعيد تفاصيل مشاهدها بشار الابن! ، أم هل يتجرأ ويقدم صانعوها إلى محاكمة عادلة كي ينالوا جزاء الدنيا قبل الآخرة ، أم يترك النظام النصيري يتدثر بمقولات تفضح سوأته أكثر عن "الأجندات" و"المؤامرة" و"سوريا الممانعة المستهدفة" و"المندسين" ، هذا هو السؤال ، أما الإجابة فستسفر عنها الأحداث في الأيام القادمة ، وما هي من الظالمين ببعيد .