الحمد لله
رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
أحييكم أيها الأحباب الكرام بتحية أهل الجنة ، تحيتهم يوم يلقونه سلام ، فسلام الله
عليكم ورحمته وبركاته
أحبتي الكرام
ما ألذه من شعور يكتنف قلوبنا ونحن في أول أيام شهر الخير والبركات . فها قد أظلنا
شهر الكنوز العظيمة ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار . سيد الشهور ، وميدان
السباق والتنافس . يشمر فيه المشمرون ، ويغتنمه العاقلون ، ويفرح بقدومه المؤمنون
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } البقرة: ١٨٥
رمضان أيها الأحباب حديقة وارفة الظلال ، دانية الثمار ، يدخلها المؤمنون منذ أول
ليلة منه ، فيقبلون بشوق وحماس ونشاط على كل ألوان العبادة والطاعات ، لأنهم يعلمون
ما فيه من المزايا والرحمات.
كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بقدوم رمضان فيقول ( أتاكم رمضان شهر
مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبوا ب
الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين . لله فيه ليلة خير من ألف شهر . من حرم خيرها
فقد حرم ) [ رواه النسائي ، وصححه الألباني ، صحيح الجامع 55 ]
وفي صحيح البخاري (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ) زاد مسلم ( وَغُلِّقَتْ
أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ) وفي رواية عند مسلم ( فتحت أبواب
الرحمة )
وفي الحديث أيضاً (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن و غلقت
أبواب النار فلم يفتح منها باب و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب و ينادي مناد
كل ليلة : يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر و لله عتقاء من النار و ذلك كل
ليلة ) رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة وحسنه الألباني [ صحيح الجامع 759 ]
فيالها من بشارات عظيمة . بشارات للطائعين أن يستزيدوا فأبواب الجنة مفتوحة ، وبشرى
للعاصين أن يرجعوا ويتوبوا فأبواب النار موصدة ، والرحمات متنزلة . وبشرى للعقلاء
أن يغتنموا هذا الموسم فمردة الشياطين مغلولة مصفدة .
رمضان أيها الأحباب ؛ مدرسة للتعلم والتعليم ، والتوبة والإنابة ، ومحطة للتزود
بالطاعات والنوافل . رمضان خلوة العابدين مع خالقهم في لياليه وأيامه ، وإخلاص لله
وحده في الطاعات والصيام ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصوم لي وأنا أجزي
به ) ، ودِربة للنفس على المجاهدة والصبر على الطاعات وترك العصيان .
رمضان فرصة للمغفرة ، فرصة للتوبة ، وغسل الأوزار والخطايا .
فيا فوز الطائعين ، ويا فوز الصائمين ، ويا فوز القائمين ، ويا فوز التالين
الذاكرين .
دموع الفرحة تغمرني بقدومك يارمضان ، لأن الله قد مدّ في عمري حتى بلغني إياك ،
فأعلن توبتي ، وأعود إلى ربي ، فأستزيد من الطاعات ، في حين شهدت بعيني رحيل كثير
ممن فاجأهم الموت وقد كانوا يؤملون قدومك يا رمضان .
دموع الفرحة تغمرني يا رمضان ، وانا أتأمل في تلك العافية التي من الله بها عليّ
لأتقوى بها على الطاعة ، وأستغلها في الصيام والقيام وتلاوة القرآن والاستزادة من
النوافل والقربات . في حين أن البعض قد أقعدهم المرض فأذهب عنهم لذة هذه الفرحة .
دموع الفرحة تغمرني يا رمضان ، لأنني لازلت أشعر بألم تجاه رمضان الفائت ، الذي مرت
أيامه متسارعة ولم أحصل فيها ما أردت من الخيرات ، وقد تثاقلت عن كثير من الحسنات ،
وفرطت في القيام والطاعات ، فجئت يا رمضان لتعطيني فرصة وشحنة إيمانية لاستدراك ما
فات.
فلماذا لا تدمع عيني وأنا في مثل هذا النعيم . لماذا لا تدمع عيني فرحاً وأنا
أستقبل شهر الصيام والقيام والقرآن .
( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) هكذا قال عليه الصلاة
والسلام .
فيا من أدرك هذا الشهر ، ها هو رمضان يناديك ، أقبل ، عد إلى ربك ، فمتى ستفيق من
غفلتك ، ومتى ستنتبه من رقادك ، ومتى ستقبل على الله إن لم تقبل الان .
ألا ترى تهجد المتهجدين ، وتسمع تلاوة التالين ، وبكاء الخاشعين ، وأنين العائدين
التائبين ، واستغفار المستغفرين .
اعقد العزم أخي ، واعقدي العزم أخيتي ، على الصيام والقيام والتوبة والاستكثار من
الطاعات عسى أن نكون من المقبولين المعتقين .
وفقني الله وإياك للصيام والقيام وصالح الأعمال ، وبلغني وإياكم تمام الشهر ، وتقبل
مني ومنكم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه