السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوانى فى الله ...انتشرت فى الفترة الاخيرة وبشكل غريب بدعة التعطيل لصفات الله تبارك وتعالى وانتشر الكذب والافتراء بنسبة هذه العقيدة الى السلف الصالح
فوجب التحذير ...فالوقاية خير من العلاج
وقد رايت كلمة طيبة مختصرة فى موقع الدفاع عن السنة فانقلها اليكم علها تبين لنا الحق
ولمزيد تفصيل يرجى مراجعة ...مجموع الفتاوى_الصواعق المرسلة_التمهيد_جامع بيان العلم وفضله_التدمرية _الحموية _شرح الواسطية لابن عثيمين _وغيرها من كتب عقيدة السلف
نسال الله ان يجنبنا الفتن
نقل الموضوع
التّفويض = التجهيل : (من شر أقوال أهل البدع والإلحاد )
لفظ التّفويض مأخوذ من : فوّض الأمر إلى الله : أي ردّه ووكله إليه ، والمراد هنا أنّ العبد يفوّض امر الصّفات والأسماء إلى الله تعالى ، وهذا من حيث الإجمال يتضمّن أمرين أحدهما حق والآخر باطل.
أمّا الحق فهو أنّ الواجب على العباد الإيمان والتّسليم للنّصوص الّتي وردت بصفات الله تعالى ، وتفويض العلم بكنهها وكيفياتها إلى الله تعالى لأنّ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات؛ فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات؛ فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، و ذلك داخل ضمن الغيب والإيمان به ، مثله في ذلك مثل الجنّة والنّار واليوم الآخر وعذاب القبر وسائر أمور الغيب .
وهذا هو مذهب السّلف وهو معنى ما جاء عنهم في التّفويض لكنّهم مع هذا يثبتون ما جاء في النّصوص من الصّفات ويعلمون معانيها ويمرّونها على ظاهرها .
وأمّا المعنى الباطل : فهو أنّ النّصوص الّتي وردت بصفات الله تعالى لا يعلم أحد من النّاس معاني تلك الألفاظ ، بل لا يعلم معناها إلاّ الله تعالى ، حتّى الرّسول لم يُعلِّم ذلك ولا يَعلَمُه ، بل علينا قراءة هذه الألفاظ وتفويض العلم بمعانيها إلى الله ... ولم يقفوا عند هذا بل زادوا إلى ذلك قيداً مهماً وهو : مع الجزم بأنّ ظاهر تلك الألفاظ غير مراد.
يتبين للباحث أن هناك علاقة تزاوج غير شرعية بين التأويل و التفويض قائمة :
على أن اللفظ القرآني للصفة غير مراد.
فالمؤوّل : صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر.
و المفوض : جاهل بمعنى الصفات، ومفوض لمعانيها لرب العالمين.
فتمخض عن هذا التزاوج مولود مسخ هو :
أن إثبات صفات الله عز وجل يؤدي إلى التجسيم.
ثم هؤلاء المفوّضة هم المبتدعة الّذين أحسن شيخ الإسلام(1) حين سماهم باسمهم الحقيقي وهو (أهل التّجهيل ) إذ في ما ذهبوا إليه يلزم منه تجهيل الرّسل وأتباعهم والسّلف الصّالح ،وقذفهم بهذه النّقيصة العظيمة ، وهي أنّهم جاءوا بألفاظ لا يعرفون معانيها وتلقّتها عنهم الأجيال الصّالحة المزكّاة بنصّ السّنّة والقرآن دون أن تفهم معناها ،وهذه مسبّة وتنقّص في حق أفضل الخلق.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" : "وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله". إلى أن قال: "فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه". قال: "ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقاً لكل شيء وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهى، ووعد وتوعد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون، فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد". أهـ كلامه رحمه الله.
والردَّ على " المفوضة " من وجوهٍ:
1 . أنَّ السلف الصالح ثبتَ عنهم تفسيرُ معاني أسماء الله وصفاته وفق ما تفقهه العرب من كلامها، ولم يثبت عنهم خلاف ذلك. يدلُّك على صحة هذا أن الإمام مالكاً قال عندما سئل عن كيفيَّة الاستواء: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ والمراد ب "المعلوم": أي معلوم معناه في لغة العرب.
2 . لو كانت الأسماء: ألفاظاً لا معاني لها: لم تكن حسنى كما أخبر الحقُّ تبارك وتعالى، ولا كانت دالة على مدح وكمال، لأن حسنها باعتبار معانيها، فأيُّ حُسْنٍ فيها إن لم يكن لها معانٍ.
3 . لو كانت ألفاظاً لا معنى لها لساغ وقوعُ أسماء " الغضب " و " الانتقام" في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس! فيقال: اللهمَّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنَّك أنتَ الجبار المنتقم. اللهم أعطني إنَّك الضارُّ المانع القابض.
فمذهب أهل السنة تفويض كنه وكيفية صفات الرب سبحانه وتعالى، ولهذا قال كثير منهم: "أمروها كما جاءت بلا كيف"، يعنون بذلك النهي عن السؤال عن كنهها وكيفيتها، ولهذا قال مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول
أما تفويض معاني الصفات فهو مذهب أهل الأهواء من الجهمية ومن شاكلهم وأول من نسب تفويض معاني الصفات إلى السلف هو الشهرستاني وتبعه الرازي وإمام الحرمين - أي الأشاعرة، وممن اضطرب قوله في هذه المسألة ابن الجوزي وقد رد عليه فيها رداً غليظاً
وممن قال بتفويض معاني الصفات من المعاصرين الشيخ حسن البنا رحمه الله
والقول الحق ما عليه أهل السنة سلفاً وخلفاً من إثبات معاني الصفاتً وتفويض كنهها وكيفيتها
قال ابن القيم رحمه الله تعالى _والصنف الثالث : أصحاب التجهيل : الذين قالوا نصوص الصفات ألفاظ لا نعقل معانيها ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن نقرأها ونعلم أن لها تأويلاً لا يعلمه إلا الله ، وهي عندنا بمنزلة (كهيعص) و (حم عسق) و (المص) فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيها تمثيلاً و لا تشبيهاً ولم نعرف معناه وننكر على من تأوله ونكل علمه إلى الله ، وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ، و لا يفهمون معنى قوله(لما خلقت بيديّ) وقوله(والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة) وقوله(الرحمن على العرش استوى) وأمثال ذلك من نصوص الصفات ، وبنوا هذا المذهب على أصلين :
أحدهما:أن هذه النصوص من المتشابه.
والثاني:أن للمتشابه تأويلاً لا يعلمه إلا الله .
فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأنهم كانوا يقرأون (الرحمن على العرش استوى) و (بل يداه مبسوطتان ) ويروون (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا) و لا يعرفون معنى ذلك و لا ما أريد به ، ولازم قولهم أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه ، ثم تناقضوا أقبح تناقض فقالوا : تجرى على ظواهرها وتأويلها بما يخالف الظواهر باطل ، ومع ذلك فلها تأويل لا يعلمه إلا الله ، فكيف يثبتون لها تأويلاً ويقولون تجرى على ظواهرها ، ويقولون الظاهر منها غير مراد ، والرب منفرد بعلم تأويلها؟ وهل في التناقض أقبح من هذا؟ .
غلطوا في المتشابه ، وفي جعل هذه النصوص من المتشابه ، وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله ، فأخطئوا في المقدمات الثلاث ، واضطرهم إلى هذا التخلص من تأويلات المبطلين وتحريفات المعطلين ، وسدوا على نفوسهم الباب ، وقالوا لا نرضى بالخطأ ولا وصول لنا إلى الصواب ، فهؤلاء تركوا المأمور به والتذكر والعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان وعمود اليقين ، وأعرضوا عنه بقلوبهم ، وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك ، وظنوا أنها أنزلت للتلاوة والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها)اهـ
هل آيات الصفات هي من المتشابه ؟
القرآن كله بيان لصفة الله عز وجل فهو إما إخبار عن ذات الله وصفاته، أو عما صنعه بأوليائه من الرسل والمؤمنين، وهذا بيان أفعاله وإكرامه وإحسانه، أو عما أحله بأعدائه وهذا من صفاته. ولا شك أنه ليست هناك صفة لله في القرآن أو في السنة إلا وقد ساقها الله لحكمة ومنفعة وغاية ولولا ذلك لما ساقها ولما ذكرها لأن كلام الله وكلام رسوله ينزه عن العبث واللغو والحشو. ومن ظن أن الله يحشو كلامه بما لا فائدة في ذكره أو لا غاية من ورائه أو لا أهمية له فقد اتهم الله بالنقص واللغو وهذا يصدق في كل ما تكلم الله به في أي موضوع. فكيف إذا تكلم الله بكلام يعظم فيه نفسه، ويعرف فيه خلقه بذاته العلية وصفاته السَنِيَة. لا شك أن الله فيما يصف فيه نفسه إنما يرشدنا إلى أعظم باب من أبواب الإيمان وهو الإيمان به سبحانه وتعالى.
فصفات الله سبحانه وتعالى من قبيل المحكم الذي يعلم معناه العلماء ويفسرونه، أما كيفيتها؛ فهي من قبيل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة؛ لا أحمد بن حنبل ولا غيره؛ أنه جعل ذلك من المتشابه"
قال ابن القيم رحمه الله:وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيماناً؛ ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال؛ بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحدهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها؛ بل تلقوها بالقبول والتسليم"
ومعنى ذلك أن علماء أهل السنة وأئمتها أجمعوا على أن نصوص الصفات ليست من المتشابه، وإنما ذلك قول المبتدعة والفرق المنحرفة عن منهج السلف.
هل المتشابه مما يمكن الاطلاع على علمه أولا يعلمه إلا الله ؟
على قولين منشؤهما الاختلاف في قوله {والراسخون في العلم} هل هومعطوف ويقولون حال_ أو_مبتدأ خبره يقولون والواو للاستئناف.
على الأول مجاهد وهورواية عن ابن عباس: أخرجه ابن المنذر في قوله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} قال: إنا ممن يعلم تأويله. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {والراسخون في العلم} قال: يعلمون تأويله ويقولون آمنا به. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال الراسخون في العلم يعلمون تأويله لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ولا حلاله من حرامه ولا محكمه من متشابهه. واختار هذا القول النووي فقال في شرح مسلم إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته. وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر.
وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ذهبوا إلى الثاني : و هو الوقف على قوله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله } إما المتشابه وإما الكتاب كله ونفي علم تأويله ليس نفي علم معناه وتفسيره بل قال : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات وما لا يعقل له معنى لا يتدبر : وقال : { أفلا يتدبرون القرآن } ولم يستثن شيئا منه نهى عن تدبره . فلم يقل في المتشابه لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله وإنما قال : { وما يعلم تأويله إلا الله } وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع ... والله ورسوله إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمره الله وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه الله بل أمر بذلك ومدح عليه . وقال علي رضي الله عنه لما قيل له : هل ترك عندكم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه وما في هذه الصحيفة . فأخبر أن الفهم فيه مختلف في الأمة والفهم أخص من العلم والحكم قال الله تعالى : { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { رب مبلغ أوعى من سامع } وقال { بلغوا عني ولو آية } . وأيضا فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها وفسروها بما يوافق دلالتها وبيانها ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة توافق القرآن وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم مثل عبد الله بن مسعود الذي كان يقول : لو أعلم أعلم بكتاب الله مني تبلغه آباط الإبل لأتيته . وعبد الله بن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين إثباتا للصفات ورواية لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا وما في التابعين أجل من أصحاب هذين السيدين بل وثالثهما في علية التابعين من جنسهم أو قريب منهم ومثلهما في جلالته جلالة أصحاب زيد بن ثابت ؛ لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به بل أخذوا عن غيره مثل عمر وابن عمر وابن عباس . ولو كان معاني هذه الآيات منفيا أو مسكوتا عنه لم يكن ربانيو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاما فيه . ثم إن الصحابة نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة ولم يذكر أحد منهم عنه قط أنه امتنع من تفسير آية .
حقيقة التأويل في أساس إطلاقه عند السلف يشمل أمرين:
الأمر الأول: تطلق هذه الكلمة ويراد بها معرفة ذلك الشيء ومفهوم تفسيره وبيانه .
الأمر الثاني: تطلق كلمة التأويل ويراد بها ما تؤول إليه حقيقة ذلك الشيء ومصيره وعاقبته، نحو قوله تعالى : (ذلك خير وأحسن تأويلا). (ولما يأتهم تأويله ) ، ( يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل) ومعنى التأويل في الآيات المذكورة ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال.
وبين هذا المعنى والذي قبله بون ؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام كالتفسير والشرح والإيضاح ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي . وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج سواء كانت ماضية أو مستقبلة .
العلم و التأويل :
قال تعالى:{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله } أي كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله . ففرق بين الإحاطة بعلمه وبين إتيان تأويله . فتبين أنه يمكن أن يحيط أهل العلم والإيمان بعلمه ولما يأتهم تأويله وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله . وهذا هو الذي بيناه فيما تقدم أن الله إنما أنزل القرآن ليعلم ويفهم ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه محكمه ومتشابهه وإن لم يعلم تأويله . ويبين ذلك أن الله يقول عن الكفار : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا } فقد أخبر - ذما للمشركين - أنه إذا قرئ عليهم القرآن حجب بين أبصارهم وبين الرسول بحجاب مستور وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا . فلو كان أهل العلم والإيمان على قلوبهم أكنة أن يفقهوا بعضه لشاركوهم في ذلك . وقوله : { أن يفقهوه } يعود إلى القرآن كله . فعُلِمَ أن الله يحب أن يفقه ؛ ولهذا قال الحسن البصري : ما أنزل الله آية إلا وهو يُحِبُ أن يُعلَم في ماذا أنزلت وماذا عنى بها وما استثنى من ذلك لا متشابها ولا غيره . وقال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره مرات أقف عند كل آية وأسأله عنها . فهذا ابن عباس حبر الأمة وهو أحد من كان يقول : لا يعلم تأويله إلا الله يجيب مجاهدا عن كل آية في القرآن . وهذا هو الذي حمل مجاهدا ومن وافقه كابن قتيبة على أن جعلوا الوقف عند قوله { والراسخون في العلم } فجعلوا الراسخين يعلمون التأويل لأن مجاهدا تعلم من ابن عباس تفسير القرآن كله وبيان معانيه. ومجاهد إمام التفسير . قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .
وأصل ذلك أن لفظ " التأويل " فيه اشتراك بين ما عناه الله في القرآن وبين ما كان يطلقه طوائف من السلف وبين اصطلاح طوائف من المتأخرين فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معنى بلغته أن ذلك هو المذكور في القرآن .
ف" التأويل " في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره ، وهو " التأويل المردود " .
قال ابن القيم: وأما المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره، وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه، ولهذا يقولون: التأويل على خلاف الأصل والتأويل. وهذا التأويل هو الذي صنف في تسويغه وإبطاله من الجانبين، فصنف جماعة في تأويل آيات الصفات وأخبارها، كأبي بكر بن فورك وابن مهدى الطبري وغيرهما، وعارضهم آخرون فصنفوا في إبطال ذلك التأويل، كالقاضي أبى يعلى والشيخ موفق الدين بن قدامة، وهو الذي حكى عن غير واحد، إجماع السلف على عدم القول به .
إذا تبيّنا من هذا وضح لنا أن لا خلاف جوهري بين الرأيين إذ أن الأول فسر التأويل بمعنى التوضيح و البيان .. و الثاني فسر التأويل بما يؤُول إليه في حقيقة الأمر .. و التفسيرين مما تتحمله الآية .. قال الخطابي: (المتشابه على ضربين: أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف معناه. والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيتفتتون).
وآيات الصفات معناها معلوم بمقتضى اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن إلا أننا لا ندرك كيفيتها ولا حقيقة كنهها شأنها في ذلك شأن كل ما هو غيب عنّا من وعد و وعيد و غير ذلك .. وهذا حق وليس بغريبٍ أن نعلم معنى الشيء ولا ندرك حقيقته وكيفيته نحن نعلم معنى الروح التي بين جنبينا والتي إذا انسلت من الجسد مات الإنسان نعم نعلم هذا لكن هل ندرك حقيقتها وكيفيتها لا أبداً نحن نعلم ما ذكر الله عن الجنة بأن فيها من كل فاكهةٍ زوجان ونخلاً ورماناً وما أشبه ذلك كما في قوله : { وأتوا به متشابها } ولكن هل نحن ندرك حقيقة ذلك وكنهه لا لأن الله يقول (فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءٌ بما كانوا يعملون) ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر)
فالصواب ما عليه أئمة الهدى وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين أهل العلم والإيمان والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه ولا يعرض عنها فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صما وعميانا ولا يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني .
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم النبيين و المرسلين
و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل
-----------------------------------------------------------------
[1] هو شيخ الإسلام ابن تيمية و أغلب ما في هذه الورقات من كلامه و كلام تلميذه ابن القيم (انظر مجموع الفتاوى , و الصواعق المرسلة ) .