سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يفطر الصائم إذا استنشق البخور؟
أجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المفطرات التي تفطر الصائم لابد أن يكون عليها دليل من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، وإلا فالأصل أن الصوم صحيح غير باطل، والمفطرات معروفة في القرآن والسنة، والبخور إذا وصل إلى باطن الجوف بالاستنشاق فهو مفطر لمن كان يعلم أنه محرم، وأنه يفطر الصائم.
وأما إن كان جاهلاً لا يدري فإنه لا يفطر بذلك، وهذه قاعدة في جميع المفطرات، كل المفطرات إذا فعلها الإنسان وهو لا يدري أنها مفطرة فإنه لا يفطر بها، لقوله _سبحانه وتعالى_: "رَبَّنَا لاَ تؤاخذنا إِن نسينا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـٰفِرِينَ". وقوله _سبحانه_: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ".
ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_، ثم طلعت الشمس ولم ينقل أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ونقل إلينا؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يمكن أن يؤخر البلاغ عن وقت الحاجة إليه، وإذا بلغ لابد أن ينقل؛ لأنه إذا بلغ صار من شريعة الله، وشريعة الله محفوظة.
فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حين أفطروا في يوم الغيم في عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ثم طلعت الشمس، ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، كان هذا دليلاً على أن من كان جاهلاً فإنه لا قضاء عليه.
وأما النسيان فقد صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".
وعلى هذا فنقول لهذا السائل: لا تستنشق البخور وأنت صائم، ولكن تبخر ولا حرج، وإذا طار إلى أنفك شيء من الدخان من غير قصد فلا يضر، ونقول أيضاً: إذا كنت لا تدري أنه مفطر. وكنت تستعمله من قبل، أي تستنشق البخور حتى يصل إلى جوفك فلا شيء عليك؛ لأن جميع مفطرات الصوم لا تفطر إلا إذا كان الإنسان عالماً بها، وعالماً بتحريمها، ذاكراً لها.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله