توظيف الطاقات
يعيش بعض أفراد الصحوة الإسلامية اليوم ازدواجية بين ما يريدون وما هو في مقدورهم وبين ما يطالبون به ويكلفون بإنجازه، نتج عن هذه الازدواجية نوع من خفوت حس الإبداع الذاتي عند هؤلاء الأفراد، بالإضافة إلى وهن منتقد في الأعمال التي يقومون بها، أدى هذا إلى انتقادات واسعة لهم ممن كلفهم وطالبهم، وسوء تقويم لهم ولطاقاتهم ومن ثم تهميش لجهودهم؛ فخسارة الصحوة لبذلهم وأنواع عطاءهم، وهؤلاء قد تؤدي بهم مواهبهم إلى أن يكون منهم المحلل السياسي البارع الذي لا يستطيع أن يربي، أو المثقف واسع الإطلاع الذي لا يتقن فن الحركة الدعوية بالمفاهيم المحدودة، أو العالم الشرعي المتقن الذي لا يحسن الخطاب الجماهيري، أو المربي الحاذق الذي لا يقدر على قيادة وإدارة فرق العمل الدعوية، أو ...، أو ...
ساعد في إظهار هذه المشكلة عدة أسباب، منها :
•كثرة وتشعب ميادين العمل للإسلام، وقلة العاملين بصدق له، جعل بعض الدعاة يخلط في توظيف الطاقات التي حوله.
•الأحادية في تحليل مشاكل الصحوة الإسلامية، أو الأحادية في النظر إلى جوانب الخدمة والعمل لهذا الدين، جعل بعض الدعاة يقصر العمل للإسلام في جانب واحد فقط هو في المرتبة الأولى، وغيره من الجوانب في المرتبة الثانية أو الثالثة أو هو في حقيقته تضييع للجهود والأوقات فلا داعي له.
•ذوو المواهب من ناشئة الدعاة عادة ما يكونون جانب إغراء لدى بعض الدعاة؛ فيسعى كل داعية إلى أن يوظف طاقتهم في المجال الذي يحسنه هو دون النظر في قدراتهم وإمكانياتهم مما قد يؤدي إلى ضغط شديد عليهم يثقل كواهلهم فتقل إنتاجيتهم، ويقل إبداعهم.
•محدودية سقف بعض الدعاة أدى إلى أن يكون تكوين من حوله محدود بمحدودية ما عنده، فهو في توجيهاته لا يرتقي بمن حوله فوق ما عنده، فهو بهذا كأنه ينسخ نسخاً كربونية من ذاته، ويريد منها أن تعمل للدين فيقل بذلك الإبداع الذاتي، كما أنه قد يوجه من حوله بتوجيهات لا تتناسب مع طاقاتهم وقدراتهم فيخسرهم ويخسر جهودهم.
•انغماس بعض الدعاة في مجال عطائه الدعوي جعله لا ينظر إلا إلى هذا الجانب فعنده أن جميع الطاقات لابد أن توظف في هذا الجانب، ولو خرج مثل هذا بفكره قليلاً لينظر إلى الأمة من المحيط إلى المحيط وحاجتها إلى أقل الجهود في أبسط الميادين، لتغيرت نظرته.
ولمواجهة هذه المشكلة، فإن على الدعاة أن يتقنوا فن توظيف الطاقات التي حولهم فيما تحسن وتستطيع أن تخدم فيه، ولا يكن همهم قولبة من حولهم، فكل الدعاة قالب واحد في اهتماماتهم، ونمط واحد في حركتهم، وليكن لهم في هدي نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم خير هادٍ ودليل، فها هو ذا يوظف طاقة حسان بن ثابت رضي الله عنه الشعرية في جهاد اللسان دون أن يطالبه مثلاً بأن يتقن فنون جهاد النفس كخالد بن الوليد رض الله عنه، وها هو ذا يوظف طاقة خالد بن الوليد رضي الله عنه القتالية، وحنكته القيادية في ميادين جهاد النفس دون أن يطالبه مثلاً بأن يحفظ القرآن فيكون كأُبي بن كعب رضي الله عنه .. وهكذا.
وحتى تكتمل صورة توظيف الطاقات هذه، فإن على الدعاة أن يسبروا أغوار من حولهم من إخوانهم الدعاة، ويفهموا نفسياتهم قبل الهم بتكليفهم، سبراً وفهماً يؤدي بهم إلى معرفة تخصصاتهم التي يتقنون العمل فيها، ومواهبهم وملكاتهم التي لابد من توظيفها، ولا ضير عليهم إن بينوا لهم هذه المواهب والملكات حتى تتوافق النظرتان: نظرة الداعية لنفسه، ونظرة من حوله له، كما فعل نبي الهدى صلى الله عليه وسلم حين قال: ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبيٌّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) (1) رضي الله عنهم أجمعين.
أيها الإخوة ..
منظار لابد أن ننظر إلى الناس به، ومقياس لابد أن نقيس جهودهم عليه، هو ماذا يحسنون هم؟ لا ماذا نريد منهم؟ وماذا يقدرون أن يقوموا به لهذا الدين؟ لا ماذا نريد منهم أن يقدموا؟ وتخيلوا معي كم ستكسب الصحوة من طاقات ومواهب متى ما أحسن الدعاة هذا الفن.. فن توظيف الطاقات، وتوجيه المواهب .. وهو باختصار :
توجيه سديد من داعية موفق.. يبارك الله فيه؛ فيطلق لخدمة هذا الدين طاقة كامنة كان قد علاها غبار النوم وارتاحت إلى الدعة والسكون.
منقول للفائدة