أسرار الفتيات.. لمن..؟!
عادل بن سعد الخوفي
تقول إحدى الأخوات – فرَّج الله همَّها -: (تعرَّفت على شاب بالصدفة، يعني واحد اتصل غلطان، ومن بعدها كان يتصل كل يوم بالصبح، حاولت أصده، أصده، أصده، لكن بالأخير وقعت، كان صوته حلو وحنون، وأنا كنت دائماً وحيدة، محتاجة أحد بجانبي، أنا كنت محتاجة أحب أحداً، كنت أرتاح له، وأفضفض كل اللي بخاطري، وقلت له قصة حياتي، هذا الشخص أنا أجزم لك أنه أحبني جداً، لدرجة التعلق بي، لكن في النهاية هدّدني، وقال لي: والله لأفضحك، وأحطم أسرار حياتك، قعدت أترجاه، وقلت له حرام عليك، خفت، خسرت نفسي، خسرت عقلي، جاءتني حالة مرضية، كنت أقعد أبكي، وأخاف من كل شيء، ولو كان صغيراً، أقعد أكرر خائفة، خائفة، أحس إنه سيهدم حياتي، أبغي أن أحافظ على سمعتي، وشرف أبوي، وأريد التخلص من هذا الشاب الذي يحاصرني، حتى وأنا في بيتي).
أرأيتِ يا ابنتي الكريمة! أرأيتِ كيف تحوَّل السِّر إلى طوق في رقبة هذه الفتاة! تُجَر به هنا وهناك في طريق موحشة، دون أن يكون لها خيار، كيف أمسى السِّرُّ أداةً لابتزازها، و إذلالها، و فضحها؛ إذ إن هذه الأسرار مرتكز رئيس لدى أصحاب القلوب المريضة من الذكور والإناث، للتأثير على الفتاة سلباً، أو دعوتها لكل فحشاء ومنكر .
إنَّ مواقع ومراكز الاستشارات، تَضجُّ بمئات - بل ألوف - الاستشارات التي تنضح هماً وبؤساً. كانت الخطوة الأولى لهذه المشكلات تنفيساً أو أسراراً ضاقت بها صدور أصحابها، فأرسلوها إلى غير طريقها الصحيح .
ومن هنا فإني أوصيكِ بُنَيَّتي بخمس:
الأولى: احتفظي بأسرارك في نفسك، لا تعتادي البوح بكلِّ ما يعتلجُ في صدرك هنا أو هناك، ليس صحيحاً أن ( الفضفضة) سلوك حسن، هي راحة مؤقتة، تعقبها مرارة الندم في الغالب، رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سِرُّك أسيرك، فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ .
وحتى صُويحباتك، لسن مؤهلات لكشف السِّر لهن، فهنَّ مثيلات لكِ في الفهم، ولا تُؤمن عليهنَّ الفتنة، فيتحول السر إلى عَلَن، كما هو حال كثير من الأسرار.
تأمَّلي يا ابنتي ما رواه الإمام مسلم -رحمه الله- من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ يَا فُلاَنُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".
الثانية: التجئي إلى من بيده خزائن السموات والأرض، من بيده كشف الكربات، وقضاء الحاجات، سبحانه وتعالى، ادعيه سبحانه وتعالى دعاء مسألة ورجاء، فقد جاء عند أبي داود رحمه الله، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي. اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي، أو عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي".
ادعيه دعاء عبادة، تَعَبَّدي الله بالستر على نفسك، والستر على أخواتك المسلمات فيما تعلمينه عنهن من مخالفات، فقد روى الإمام الترمذي -رحمه الله- في الحديث الذي صَحَّحه الألباني -رحمه الله- عَنْ أَبِى الْيَسَرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا فَقُلْتُ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ، فَدَخَلَتْ مَعِي فِي الْبَيْتِ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَه، فَقَالَ لَهُ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا، حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلاَّ تِلْكَ السَّاعَةَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ: وَأَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلاً حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين). [هود:114]. قَالَ أَبُو الْيَسَر:ِ فَأَتَيْتُهُ فَقَرَأَهَا عَلَيّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ: بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.
الثالثة: إن رأيتِ حاجة للتنفيس عمَّا يشغلك من أمور، سلي نفسك، ماذا أريد أن أقول؟ ولمن أقول؟ ومتى أقول؟ فبعض ما يمكن أن يُقال للأم، لا يُقال للأب، وما قد يُقال للوالدين، لا يُقال للصديقات، أو قد لا يُقال للإخوة مثلاً، ولذا ينبغي أن يكون لديك قدر كافٍ من التعقُّل، والتفكير، لتحديد الوجهة الصحيحة لهذا التنفيس.
وحديثنا هنا عن كل خبر أو سِرّ يكون في كشفه تأثير سلبي عليكِ، أو على سمعتك، وقد نقول: "إن المخالفات الشرعية، والانحرافات السلوكية" يجب أن تكون طي الكتمان، وبما أن الله سترها، فلتستري على نفسك ما استطعتِ إلى ذلك سبيلاً، فإن كانت هناك حاجة مُلِحَّة إلى ذكر بعض الأسرار، فليكن لأمك أو لأبيك، ماداما مؤمنين حكيمين، فإنَّهما أخوف الناس عليك، وأدرى الناس بمصلحتك، وأحرص الناس على سترك وسعادتك، وهما ملجآك بعد الله، ومستودعا سِرّك بإذن الله.
وأما المشاعر العاطفيَّة المجرَّدة، والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، أو علاقات الأسرة مع المجتمع المحيط؛ فيمكن أن يكون مع الوالدين، أو أحد أفراد الأسرة الموثوق في علمه وإيمانه وحكمته.
الرابعة: ازرعي الحب في أسرتك، ابذري العاطفة في محيطك، فإن للعاطفة تياراً لن تستنشقي عبيره حتى تعطيه لمن حولك، فإن رأيتِ في أحد والديكِ جفاءً، أو أساليب خاطئة في التربية، فرطِّبي الأجواء من حولك، بعاطفتك النَّفاثة المتألِّقة، وازرعي بابتسامتك أكاليل الورود لدى والديك وأخوتك، مارسي الحب الحقيقي معهم، لا يُسمع منكِ إلاّ أطيب حديث، ولا يُرى منكِ إلاّ كل فعل جميل، تفاعلي مع الأحداث من حولك، تعاوني مع جميع أفراد أسرتك، قَبِّلي رأس ويدي والديكِ كلما التقيتهما بعد انقطاع، عوِّدي لسانكِ على المفردات المُعَبِّرة عن حبك واحترامك حين الحديث معهم، اذكري مشاعرك لوالدتك، ارتمي في حضنها، أمطريها بقبلاتك، تميَّزي في بِرِّها وخدمتها،وفي المقابل احذري أشد الحذر من المفردات السلبية.
الخامسة: ينبغي أن يكون لديكِ ثقافة الاستعانة - عند الحاجة - بالمستشارين والمستشارات المختصِّين في مراكز الاستشارات الأسرية، أو التربوية، أو النفسية، لمحادثتهم هاتفياً، أو مكاتبة المواقع التي تُقَدِّم هذه الخدمة على الانترنت كمثل موقعي(المستشار)، و(الإسلام اليوم)، ونحوهما؛ فإن هذه المواقع تستقبل مئات الاستشارات يومياً، يجيب عنها أساتذة فضلاء، ومختصون نجباء، جمعوا بين العلم والخبرة، يشيرون بالرأي الحكيم، والموعظة بالتي هي أحسن، ساهموا -ولله الحمد والمنة- في علاج كثير من الانحرافات السلوكية، والمشكلات الأسرية، والمحاذير الأمنية، ورسموا آيات البر، وعلامات الأسرة الواحدة، ومنهج الأخلاق العالية، وأزاهير السعادة والابتهاج لدى المتصلين بهم. وفي هذه الحالة لا حاجة إلى التعريف بالمعلومات الشخصية.
إن هذه العادات الحسنة الخمس حِرْزٌ بإذن الله من الوقوع في قاصمة الظهر، والمنزلق الأكبر، بأن تخرج هذه الأسرار إلى أدعياء الحب، وعشَّاق الرذيلة، وخفافيش الظلام، الثعالب في ثوب المخلصين، الذئاب في جلباب الناصحين، عبر المكالمات الهاتفية، أو المنتديات على الشبكة العنكبوتية، أو الشات، و الاسكايبي، والماسنجر، وخلافها.
وأختم بوصية للوالدين:
تتميز الفتاة في سن المراهقة (12 – 20) سنة، بتسارع نموها العضوي، مع نشاط فطري وغريزي، يجعلها في حاجة إلى إشباع عواطفها ومشاعرها، الأمر الذي تحتاج معه إلى توسيع دائرة العلاقات، لتشمل بالإضافة إلى والديها وإخوتها، شخصيات معينة من بنات جنسها، أو أحياناً من أبناء الجنس الآخر حيث تأسيس مقومات الحياة الزوجية.
وأمام هذه التقلُّبات والعلاقات تَتَشَكَّل مجموعة من الأسرار التي تضيقُ بها نفس الفتاة إما لضغوط هنا، أو عاطفة هناك، لتخرج إلى فضاء هذا الكون الواسع، فتكونَ قنابل موقوتة، وقيود حديدية إذا لم تخرج في مسارها الآمن، بمظلَّة من العلاقات الإيجابية، والتفكير السليم. إنَّ فتياتنا بحاجة إلى إشباع حاجاتهم الأساس ليصبحن فاعلات منتجات مطمئنات، ولتكن الأسرة مستودع أسرار الفتاة، وملجأها بإذن الله، وإلاّ – والعياذ بالله – ستبحثْ عمَّن يُقدِّرُ ذاتها، ويعطيها الري العاطفي، والأمان النفسي، فيكون مهوى فؤادِها، ومستودع أسرارها.
ولذا فوصيتنا للأبوين العمل على تحقيق حاجات بناتهم، مع التعبير عن الحب بالسلوك، وليس بالمشاعر فقط، فقد كان هذا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، جاء في البخاري ومسلم -رحمهما الله-عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله"، وفي رواية لأبي داوود والترمذي: "وكانت إذا دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه صلى الله عليه وسلم" .
إنَّ في ذلك دلالة على الاهتمام والتقدير، وإن من أهم فوائد التقدير أنه يساعد على بناء الثقة بالنفس، والتَّغلُّب على المشكلات العارضة، والانتماء للأسرة.