إني عذرتك
مالي أراك تغلّـق الأبوابا وتكاد تُوقف نهرنا المنسابا؟
مالي أراك صرفت وجهك ناسياً أن المحب يقابل الأحبابا؟
أنسيت أن الناس لما أغلقوا باب المودة أصبحوا أخشابا؟
لا تغمض العينين إنك لن ترى إلا الحقيقة تبهر الأهدابا
لم ينته الأمر الذي أنهيته مازال نبض قلوبنا وثابا
خذ من يدي اليمنى المصافحة التي لا تعرف التدليس والإرهابا
واركب معي في زورق الود الذي مازال يمخر بي إليك عبابا
إن الكريم هو الذي لا ينزوي عن قاصديه، ويهجر الأصحابا
يامن تُعير السمع كل محدِّث إني أرى عجباً لديك عجابا
أتصدق الدَّعوى ولم تعرف لها أصلاً، وتمنح سمعك المغتابا؟!
إني عذرتك، لا لأنك جاهلٌ لكن لأنك ما قرأت كتابا
ولأن إدراك المعاني غائب عن ذهن من لم يعرف الإعرابا
قد يُفتح الباب الذي أغلقته فترى النهار وتعرف الأسبابا
يامن طوى عني صفاء مشاعري أتعبت نفسك جيئة وذهابا
قد يفقد الإنسان حكمة عقله فيرى المدى في عينه سردابا
ويرى الرُّبا الخضراء أرضاً جدبة ويظن طائره الجميل غرابا
في عصرنا للشائعات مكانة يغدو بها قشر الحياة لُبابا
يامن تحاول أن تصد ركابنا ماذا جرى حتى تصدَّ ركابا؟
لم نقترف ذنباً لتجعل صدّنا عما تميل له القلوبُ عقابا
انظر إلى الأفق البعيد لكي ترى صوراً مغردة تفيض شباباً
وترى عيوناً أفعمت بحنانها وتألقت نظراتها ترحابا
سترى هنالك صورتين عليهما هالات نور تسلب الألبابا
ولسوف تبصرنا هناك ولن ترى من حولنا إلا رُباً ورحابا
لو طوَّفت بشغاف قلبك لوعة لرأيت ماقال المحبُّ صوابا
وسعيت في جمع الشتات ولم تُقم سداً، وتجعل في الطريق هضابا
لو كنت تعلم ما تكنّ قلوبنا لجعلت تذليل الصعاب ثوابا
ياأيها الرجل الذي في رأسه عقل يضيف إلى الصواب صوابا
دعني من الألقاب واسمع قصتي أنا لست ممن يعبد الألقابا
أنا لست ممن يخفضون رؤوسهم طمعاً، ولا ممن يذلُّ رقابا
أنا ـ لو علمت بما أكنّ ـ مولّه يبني من الشعر الأصيل قبابا
يغذو حروف الشعر حُرّ شعوره وبه يثير الحب والإعجابا
وبه يقدّم للأحبة باقةً وبه يوجّه للعدو حِرابا
أشرقت بالشعر الأصيل على المدى وبه نشرت على الربوع سحابا
وصرفت عنه مذاهب الغرب التي جعلت ظهور شبابنا أقتابا
وبه أعدت إلى الأصالة روحها وبه سقيت الظامئين شرابا
وسقيت أحرفه رحيق مبادئي وصرفت عن ساحاته الأوشابا
إني لأطوي تحت ضبن أصالتي من ليس يحسب للوفاء حسابا
يامن يسائلني سؤالاً جامداً متحجراً، هل تقصد استجوابا؟
أنا لست من أطراف قومي إنّ لي نسباً يعلّم مثلك الأنسابا
فرع أصيل من أعز أرومة عربية ترمي إليك شهابا
لولا التزامي بالشريعة منهجاً لفتحت نحوك للتفاخر بابا
وجعلت عقلك تائهاً في عالمي وكسوت أجساد العراة ثيابا
وجلت قحطان العروبة خيمة تؤوي الأصيل وتطرد الأذنابا
فأبي هو الشيخ الجليل مكانة سل، إن أردت، الرّكن والمحرابا
واسأل دروس العلم كم أحيا بها عقلاً وكم نادى بها وأجابا
قد كان في البيت الحرام منارة تهدي النفوس، وترشد الألبابا
سِر حافي القدمين بين خمائلي حتى ترى أزْد السراة غضابا
ولكي ترى «عَشماً» تمدّ ظلالها تهديك من كرم الأصول رضابا
أستغفر الله العظيم، فإنما فخري بديني سنة وكتابا
ألقيت دعوى الجاهلية جانباً ورأيت أصل العالمين ترابا
إني اقتديت بسيّد الخلق الذي ماكان لعّاناً ولا صخّابا
هذا أبولهب تردّى هالكاً لم يعطه النسب الأصيل حجابا
وبلال بشَّره الرسول بجنة فغدا أعز من الطغاة جنابا
إني ليربأ بي حِجاي وحكمتي عن أن أواجه بالسّباب سبابا
ميزاني الإيمان والتقوى التي تجلو الغبار وتمسح الأتعابا
لولا وفاء الناس فيما بينهم لغدوا على سوء الطباع ذئابا
أرأيت هذا النحل، لولا شهده وجلال سيرته، لكان ذبابا
يُرجى من الإنسان خير وافر مالم يكن متلوناً كذابا
يامن يسائلني وفي عينيه ما جعلت مهابته الجواب مهابا
لا تبعث الشكوى عليّ فإنني لأرى حياة المدنفين عذابا
يقضي المحبون الحياة توجساً وترقباً وتلوماً، وعتابا
إن يشربوا كأس اللقاء سعادة فلكم سقاهم بُعدهم أكوابا
كم يفقد الإنسان طعم حياته لمّا تصير الذكريات يبابا
لا لا تسل عني ولا عمّا جرى فأنا الذي لا أستطيع جوابا
أنا لن أجيبك عن سؤالك قاصداً إن الذكيَّ اليوم من يتغابى
أغلقت ذهني واختزنت مواهبي ومضيت أسأل ربي الوهّابا
وطرقت باب الله أطلب فضله كم طالب برضا المهيمن آبا
العشماوي