السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي في الله
هذا الإمام العلم الفقيه لما أراد الله له الهداية، (مالك بن دينار).
يقول: كنت في بداية حياتي شابا فتيا قويا لا أهاب أحدا، قلبي قاس، بطاش، أعمل
شرطيا للدولة.
وأنا في السوق ذات يوم، والناس في ثورة البيع والشراء، إذا باثنين يتخاصمان،
ويعلو صوت أحدهما على الآخر.
يقول: اقتربت منهما:
__ ما بالكما؟
وإذا بالمعتدى عليه يصيح: ويلك من الله!! تأخذ هذه الدراهم، وهن عشاء بنياتي
السبع الصغار، إني سأخبرهن عنك، وإنهن إلم يتعشين، سيدعين عليك.
وذلك الرجل علامات الغنى والظلم بادية على محياه.
يقول: فصفعته صفعة، طنت لها أذناه، وانقدحت لها عيناه، وكاد أنفه أن ينتزع من
مكانه.
وأدخلت يدي في جيب الرجل، وأخرجت الدراهم ووضعتها في يد الرجل ، وقلت له
انصرف.
ولكني استوقفته، وقلت له: (يا هذا إذا تعشت بنياتك، فقل لهن يدعين لمالك بن
دينار)!!
يقول: ففرح الرجل، وولى بالمال.
وذهبت إلى بيتي، وظللت أتفكر فيما أعد الله للآباء الذين رزقوا بالبنات، لقد
أثر في كلام الرجل الذي كان يعظ ذلك الرجل صاحب الحجر القاسي الذي في صدره.
وتمنيت الزواج، حتى تأتيني بنت أحصل على أجرها؛ لأنني سأرعاها حق الرعاية.
يقول: لم أستطع النوم، حتى أحقق تلك الرغبة، وقلت: يا هذا: من يزوجك، وأنت
الفاسق الفقير مدمن الخمر.
وبعد البحث، حصل على امرأة من بنات الحلال، رضيت به، وتزوجها، وجاءته البنت
التي تمنى، وسماها (*فاطمة*).
ظلت البنت تلعب في أحضان أبويها.
قال مالك بن دينار: وهي تلعب في حجري، إذ خرت ميتة!!!!!!! فجاءت أمها، وقد
حملتها، وتدلت رقبتها على يدي، وأنا أبكي؛ لأن البنت حبيبتي وقرة عيني.
وإذا بالأم تسألني: ما بال البنية؟
قلت: لا أدري، كانت تلعب في حجري، إذ خرت ميتة!!! انظري!!!!
يقول: كانت الأم أصبر مني على هذا البلاء!
يقول: وصليت عليها، ودفنتها، وعدت إلى بيتي، فما استطعت أن أنظر إليه، كل
مكان فيه يذكرني ب(فاطمة)، فهذه ملابسها، وتلك ألعابها، في كل جدار لها ضحكة،
وفي كل زاوية لها ابتسامة.
كانت تملأ حياتي أنا وأمها، يقول: وفي يوم، قلت لأمها، لم أعد أطيق، وعدت إلى
الخمر بشراهة، وقلت: لأشربن الليلة حتى أموت!!!!!
يقول: ومن شدة وكثرة ما شربت، أريد أنساها، فقدت عقلي وأغمي علي، وإذا أنا
بذلك الثعبان الضخم، ""في المنام" وقد جرى نحوي، وكأنه يقصدني، أنا أجري، وهو
يشتد خلفي، وإذا أنا بشيخ هرم، أرجوك أنقذني من هذا؟؟
لا أستطيع!!! ولكن امضي من هذا الطريق.
وأنا أجري، وهو يتبعني، وإذا بها حفرة تلوح أمامي، يقول: سأنجو منه فيها،
ولما قربت: إذا هي نار تشتعل، وإذا بالشيخ الهرم من جديد:
__ ماذا أفعل أنقذني أرجوك!!!!!
_ لا أستطيع!!!
__ ويلي!! إلى أين أمضي؟
أشار الشيخ إلى جبل، يقول: فنظرت إليه وإذا فيه شرفات، يطل منهن بنيات، وإذا
بهن يصرخن،
(يا فاطمة، أدركي أباك)
فإذا بابنتي، تصرخ،
يا أيها الثعبان، هذا أبي،
يقول: وأنا أنشد النجاة فجريت نحوها، فأخذت بيدها الشمال يدي، وأخذت تدفع
الثعبان بيمناها، فهرب، وولى، وإذا بها قد أجلستني عندها، وجلست في حضني.
وقالت: يا أبتي:
(ألم يَئْنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)
فقلت: بلى والله.
ولكني سألتها: يا (فاطمة) من ذلك الثعبان؟
قالت: عملك السيئ يا أبي، لقد سمن وكبر كما رأيت.
قلت: وذلك الشيخ يا ابنتي؟
قالت: عملك الصالح يا أبي، أرأيته كيف ضعف.
وصحيت وأنا أكررها...
وما هو إلا قليل: حتى سمعت المؤذن:
(حيا على الصلاة. حيا على الفلاح)
يقول: توضأت، وذهبت إلى المسجد، وصليت مع الإمام: وإذا به يقرأ الآية.
_فخلت نفسي المراد بها، واستدار الشيخ، فشرح الآية.
وإذا به العالم الزاهد الإمام المحدث التابعي (الحسن البصري) وإذا به يفسرها
تفسيرا أعادني إلى صوابي، وبقيت عنده في حلقته، حتى صرت الذي ترون.
وكان عمر (فاطمة) التي ماتت في حجر أبيها وقت ذلك سنتين، ظن أبوها أن الدنيا
لا تساوي شيئا من ضحكاتها التي كان يشاهد.
ولما أراد الله وحده الهداية له، صيره يذهب إلى تلك الحلقة، وأصبح بعد عشرين
سنة، إماما تغص به حلقات المسجد الجامع بالبصرة.