السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
المـكـان
امتحان الدنيا في جوٍّ مهيأ ، ومكانٍ معدٍّ ، فالكراسي مريحة ، والأنوار ساطعة ، والمكيفات باردة ، والأمن والأمان يبسطان رداءهما على المكان .
أما امتحان الآخرة ففي جوٍّ رهيب ، وموقفٍ عصيب ، ومكانِ عجيب ..
قال تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار )
أهوالٌ عظيمة ، وكرباتٌ جسيمة ، وأحوالٌ مفجعةٌ ، ومناظر مدهشةٌ ، ترتعد منها الفرائص ، وتقشعرُّ منها الجلود ، وتنخلع لهولها القلوب ، وتشيب منها مفارق الولدان !
قال تعالى : ( .. يوماً يجعل الولدان شيباً )
يوم يجمع الله الأولين والآخرين ، فإذا هم بالساهرة ، حفاةً بلا أحذية ، عراةً بلا أردية ، غرلاً بدون ختان .
قال تعالى : ( كما بدأنا أوَّل خلقٍ نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين )
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تُحشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرلاً " قالت عائشةُ : فقلتُ : يا رسولَ الله الرِّجالُ والنِّساءُ ينظُرُ بعضُهُم إلى بعضٍ ؟ فقال :" الأمرُ أشدُّ مِن أن يُهِمَّهُم ذلك "
القبور تبعثرت ، والأفلاك تفجَّرت ، والنجوم تكدَّرت ، والسماء تفطَّرت، والجبال سيِّرت ، والبحارسعِّرت ، والشمس كوِّرت ، والجحيم بُرِّزت ، والوحوش جُمعت وعلى أرض المحشرحشرت ...
قال تعالى : ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذاب الله شديد )
القلوب واجفة ، والأبصار خاشعة ، والأعناق خاضعة ، والأمم جاثية على الرُّكب تخشى العطب ، لِما ترى وتسمع من مهلكات وخطوب ، فالميزان منصوب ، والصراط مضروب ، والشهود تشهد ، والجوارح تفضح ، والصحائف تنشر !
وإلى الله يومئذِ المستقر ! فأين المفر ؟!
مثِّل لنفسِكَ أيُّها المغرورُ ......... يوم القيامةِ والسَّماءُ تمورُ
قد كُوِّرت شَمسُ النَّهارِ وأُضعِفَت حَرَّاً على رأس العبادِ تفُورُ
وإذا الجِبالَ تقلَّعت بأُصُولها ....... فرأيتَها مِثلَ السَّحابِ تسيرُ
وإذا النُّجُومُ تساقَطت وتناثَرت ........ وتبدَّلت بعدَ الضياءِ كدُورُ
وإذا العِشارُ تعطَّلت عن أهلِها .... خَلَت الدِّيارُ فما بها معمُورُ
وإذا الوحوشُ لدى القيامةِ أحضرت وتقولُ للأملاكِ أين نسيرُ
فيقالُ سيروا تشهدُونَ فضائحاً ..... وعجائباً قد أُحضِرت وأُمُورُ
وإذا الجنينُ بأُمِّهِ مُتعَلِّقٌ ....... يخشى الحِسابَ وقلبهُ مذعُورُ
هذا بلا ذنبِ يخافُ لهولِهِ .... كيفَ المُقيمُ على الذُّنوبِ دُهُورُ ؟!
قال تعالى : ( يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذِّركم الله نفسه والله رؤوفٌ بالعباد )
الزمـان
امتحان الدنيا إن طال زمانه وامتدَّ أوانه فهو في ساعةٍ من نهار ، وربما أكثر من ذلك بقليل .
أما امتحان الآخرة فهو في ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )
وعندما يعيش المجرمون ذلك اليوم الطويل بما فيه من خطبٍ جليل ، يقسمون الأيمان المغلظة ما لبثوا إلاَّ قليلاً ولا عاشوا إلاَّ يسيراً .
قال تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) فيفزعون نادمين ، وعلى أعمارهم متحسِّرين : إنما هو زمنٌ يسير ! وعمرٌ قصير! ثُمَّ كان إلى الله المصير !
قال تعالى : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلاَّ يسيراً لو أنكم كنتم تعقلون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق ..)
والعاقل الحصيف يعلم علم اليقين أنَّما هي بضع سنين أو أقلُّ من ذلك أو أكثر ، ثمَّ يقبر ، ثمَّ ينشر ، ثمَّ يحشر ، فإذا به واقفٌ بين يدي ربّه في يوم العرض الأكبر!
فيستعدَّ لما أمامه من أهوال يوم القيامة ، فيغنم أيامه ولياليه فيما يقرِّبه من خالقه ومولاه .. بالمبادرة إلى الطاعات ، والأعمال الصالحات ، والمسابقة في الخيرات ، قبل أن تأتيه المنيَّة ، ويصاح في قافلة الهلكى : الرحيل ! الرحيل !
ويبلسُ هنالك الغافلون !
قال تعالى : ( كأنَّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاَّ عشيَّة أو ضحاها )
عبد اللطيف الغامدي