بهاء الدين الزهري
منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م، كان على رأس أولويَّاتها مبدأ "تصدير الثورة الإسلامية" إلى جميع الدول المجاورة لها أوَّلاً؛ لأن الخطر
الذي يواجِههم من الحُكَّام الوهَّابيين وذَوِي الأصول السُّنية - على حدِّ تعبيرهم - أكبر بكثيرٍ من الخطر الذي يواجههم من الشرق والغرب؛
يقول الأستاذ صباح الموسوي رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي: "ومع انتصار ثورة الشعوب
الإيرانيَّة ضد نظام الحُكم البهلوي، وقيام ما يسمَّى بالنظام الجمهوري الإسلامي، تبنَّى قادة هذا النظام مشروع تصدير
الثورة لإسقاط الأنظمة السُّنية؛ ولهذا فقد تَمَّ إنشاء العديد من الأحزاب والحركات السياسية الشيعيَّة في عددٍ من
البلدان الإسلاميَّة؛ بُغية خلخلة وضْعها الأمني، وتهيئة الظروف لإسقاط أنْظِمتها، وتَحقيق حُلم الشعوبيَّة الهادف إلى
إعادة الإمبراطورية الفارسية تحت عباءة التشيُّع".وتَمَّ بالفعل وضْع المُخَططات لتحقيق هذا الغرض؛ من أجل زيادة النفوذ الإيراني خارج نطاق الدولة الإيرانيَّة.
وقد حدَّدوا ثلاثة أُسس؛ لتثبيت أركان الدولة:
الأول: القوة التي تَملكها السلطة الحاكمة.
الثاني: العلم والمعرفة عند العلماء والباحثين.
الثالث: الاقتصاد المتمركز في أيدي أصحاب رؤوس الأموال.
وتحقيق ذلك يتم في اتجاهين متضادين: اتجاه إضعاف هذه الأُسس في هذه الدول، مقابل اتجاه تقويتها في صالحهم.
ونجد وسائل تنفيذ ذلك تتنوَّع بين طرق اجتماعيَّة وثقافيَّة، ودينيَّة وسياسيَّة، واقتصادية وإعلاميَّة، وغير ذلك، بل وعسكريَّة
واستخباراتيَّة وجاسوسيَّة، وعمليَّات سريَّة، وما أشْبَه ذلك، ووسائل الرافضة لتنفيذ مُخططاتهم متنوعة، حتى قال عنها الخبير
بمذهبهم والعارف بحالهم عبدالعزيز شاه ولي الله الدهلوي بأنها: "كثيرة جدًّا، لا تدري اليهود بعُشرها".وفي النهاية هو مشروع صفوي إيراني
رافضي، يمتدُّ من إيران فالخليج، فالعراق، فسوريا ولبنان وفلسطين، ولا تبعد الدول المحيطة
بهذا الهلال عن المُخطط، طالَما كانت تنتسب إلى الإسلام السُّني (الوهابي) من جهة، ومن جهة أخرى، فهي تمثِّل عُمقًا إستراتيجيًّا
يَحفظ لهم هذا الهلال.فلا جَرَمَ أن تُصبح لبنان - وهي تقع في الطرف الغربي لهذا الهلال، وفي وقتٍ مُبكر جدًّا حتى قبل قيام الثورة - مرتعًا
للوجود الإيراني،
بَدءًا من تأسيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان 1969م، ومرورًا بحركة أمل الشيعيَّة 1973م، إلى حزب الله، والذي يشكِّل الذراع
الإيراني في لبنان إلى الآن، بل يشكِّل أكثر من ذلك؛ يقول فخر روحاني سفير إيران السابق في لبنان في مقابلة مع صحيفة
"إطلاعات" الإيرانيَّة: "لبنان يُشبه الآن إيران عام 1977م، ولو نُراقب ونعمل بدقة وصبْرٍ، فإنه - إن شاء الله - سيجيء إلى
أحضاننا، وعندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلاميَّة، فسوف يتَّبعه الباقون"؛ ا . هـ.وفي تصريح آخر لصحيفة النهار
اللبنانية، قال: لبنان يشكِّل خير أملٍ لتصدير الثورة الإسلامية؛ ا .هـ.وأمَّا حزب الله، فيقول إبراهيم أمين أحد قادة الحزب: نحن لا
نقول: إننا جزءٌ من إيران، نحن إيران في لبنان؛ ا .هـ.ومما جاء في البيان التأسيسي لحزب الله، المؤرَّخ بشهر فبراير من عام
1985م أنه: يَلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة،
تتجسَّد في ولاية الفقيه، وفي آية الله الخميني، كما أنَّ حسن نصر الله الأمين الحالي لحزب الله يُعَدُّ الوكيل الشرعي
لآية الله الخميني في لبنان، كما هو مُبَيَّن في موقع حسن نصر الله على الشبكة العنكبوتيَّة.بل إنَّ جميع تحرُّكات حزب الله
محكومة بالمصالح الإيرانية فقط، وفي ذلك يقول حسين شريعة مداري - أحد كبار
مساعدي خامنئي: إنَّ حزب الله لا يُقاتل من أجل السُّجناء، أو مزارع شِبْعا، أو حتى القضايا العربية أيًّا كانت، وإنما من
أجْل إيران؛ ا .هـ.ومن أجل ذلك فقد عَمَدت إيران - أثناء الوجود السوري في لبنان - إلى جعْل حزب الله اللاعب الرئيسي في منطقة
الجنوب، وهو ما صرَّح به الشيخ إبراهيم المصري، نائب أمير الجماعة الإسلامية في لبنان.
وأمَّا الهدف من ذلك، فقد كشَفه صبحي الطفيلي، الأمين السابق لحزب الله؛ حيث قال: ما يؤلِمني أنَّ المقاومة تَقِف
الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيليَّة، ومَن يحاول القيام بأيِّ عمل ضد الإسرائيليين، يُلقون القبض عليه، ويُسام
أنواع التعذيب في السجون؛ ا .هـ؛ انظر مقال: الهلال الشيعي والقمر السُّني؛ د. خالد محمد الغيث، عضو هيئة التدريس بجامعة أم
القرى.