الوسيلة السحرية
أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية واديان من إبل وغنم, فأسلم صفوان وحسن إسلامه ثم سخَّر كل ما يملك لخدمة الإسلام, فعن صفوان بن أمية قال: (لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إليَّ, فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) [رواه مسلم].
إن الهدية من أقوى الوسائل لترابط القلوب وتآلفها, وللهدية أهمية كبيرة في جذب غير المسلمين إلى الإسلام كما فعل رسول الله صلى الله وسلم مع صفوان بن أمية.
لقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واديان من إبل وغنم, وبعدها سخَّر صفوان كل ما يملك لخدمة الإسلام, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تهادوا تحابوا) [حسنه الألباني].
(عبارة موجزة جامعة, قالها من آتاه ربه جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم, وصارت علامة لنا على طريق بناء العلاقة القوية, وإظهار المشاعر الصادقة, فالهدية تعبير سهل ومؤثر عما في داخل النفس من عاطفة وود.
ولقد كان لي أخ كثيرًا ما يحدثني عن أهمية استخدام الهدية كوسيلة فعَّالة في الدعوة إلى الله, ويجزم لي بأنه لها أعظم الأثر في نفوس الآخرين, ولكني كنت أستثقل ذلك, وظل يحثني على إعطاء الهدية حتى جربت ذلك مع أحد أصدقائي ففوجئت بروعة أثرها في نفسه, ومن يومها وأنا أقدر قيمة الهدية) [سحر الاتصال, محمد أحمد العطار].
هذا على مستوى العلاقات العامة بين الناس وبناء العلاقات الناجحة, فكيف الحال مع الزوجين؟ وما دور الهدية في بناء العلاقة الزوجية؟
الهدية والعلاقة الزوجية
(للهدية دور بالغ في توطيد العلاقة الزوجية, فالهدية تزيد المحبة, وتجبر الخواطر, وتطرد وسواس الشيطان في الحياة الزوجية, وللهدية ذكرى طيبة تدوم ما دامت الهدية أمام العيون, وتترك هدية السفر انطباعًا خاصًا, لأنها ناعبة من بحر الشوق ومعاناة الغربة, وليست العبرة بقية الهدية المادية؟ بل العبرة بصدق التوجه وحسن التقويم, إذ لا أهمية لدى المرأة لحجم هدايا الحب, فكل هدية لها نفس القيمة) [الزوجة, الشيخ أحمد القطان].
وقد طُرح هذا السؤال على الزوجات:
أيهما أحب للمرأة: أن يشتري الزوجة أربعًا وعشرين وردة ويقدمها لزوجته في يوم واحد؟ أم يشتري أربعًا وعشرين وردة ويقدمها مقسمة على أربع وعشرين يومًا؟ فكان الجواب بالإجماع من الزوجات أن يشتري لها كل يوم وردة على مدار الأربع وعشرين يومًا.
(وهكذا أيها الزوج الفاضل قد تحضر لزوجتك عشرين وردة ـ مثلًا ـ فتفرح هي بها, وتظن أنت أن لك عندها بذلك عشرين نقطة, ولكن الحقيقة أنها لا ترى لها أكثر من نقطة واحدة أو نقطتين, فالذي يهمها في الحقيقة ليس الورد بحد ذاته, وإنما كونه قد فكرت فيها "نقطة واحدة".
وأنك فعلت شيئًا جميلًا معها يعبر عن حبك لها "نقطة أخرى" كيف ذلك؟
فلنتصور أن عند المرأة خزَّان للحب ـ على حد تعبير الطبيب النفس الأمريكي والمتخصص في العلاقات الزوجية "د.جون جراي" ـ فإن هذا الخزَّان لكي يمتلئ إلى حافته يحتاج إلى كثير من الأشياء الصغيرة وإلى الكثير من التعبير عن الحب, وعندما يمتلئ خزان الحب لدى المرأة؛ تشعر بحب شريكها لها, وهذا يمكِّنها أن تتعامل بمزيد من الحب والثقة والتقبل والتقدير والإعجاب والاستحسان والتشجيع, وهي كلها أشياء يحتاجها الرجل لتنجح علاقته بشريكته) [حتى يبقى الحب, د.محمد بدري].
قاعدة تقدير الأعمال:
(من الفروق الواضحة بين الرجل والمرأة أن الرجل لا يعير اهتمامه إلا للأمور التي يعتقد هو أنها أمور كبيرة, بينما في الغالب تهتم المرأة أكثر بالأمور الصغيرة, ولذلك يعتقد كثير من الرجال بأنه قدَّم خدمة كبيرة لزوجته عندما يقوم بعمل كبير كأن يشتري لها شيئًا كبيرًا, بينما يعتقد نفس الرجل أنه لم يُقدم الكثير عندما يبذل لزوجته أمرًا صغيرًا كأن يهديها وردة مثلًا أو يتصل بها هاتفيًا.
ومن ثم نجد أن الرجل يحاول تركيز جهده ووقته لتقديم أمور كبيرة للزوجة ولا يحب أن يضيِّع وقته في الأمور البسيطة, والخطأ هنا في سلوك الرجل أنه يعتقد أن المرأة لا تحسب إلا الأمور الكبيرة أيضًا.
إن من عادة المرأة أن تُعطي لكل عمل مهما كبر أو صغر درجة واحدة، بينما يظن الرجل أنه سيحصل على عشرات الدرجات لشراء هدية كبيرة لزوجته, ودرجة واحدة للهدية الصغيرة.
ومن هنا تختلف حسابات الرجل, فقد يُقصٍّر في الأعمال الكثيرة البسيطة ظنًا منه أنه قدَّم منذ قليل أمرًا كبيرًا يغني عن هذه الأعمال الصغيرة, ولكن يُفاجأ أن رصيده عند زوجته أقل بكثير مما كان يتوقع, ولا يدرك أن كل الأعمال, وبغض النظر عن حجمها, تأخذ نفس الدرجة من الأهمية عند الزوجة) [التفاهم في الحياة الزوجية, د.مأمون مبيض].
حيث تقوم المرأة باعتبار وتقدير كل العطايا وما يقدمه الرجل لها بنفس الدرجة بغض النظر عن حجم هذا العمل, بينما يميل الرجل إلى التركيز على عمل واحد كبير أو تضحية عظيمة ويُهمل الأعمال الأخرى الصغيرة.
إن من المهم أن يفهم كل من الرجل والمرأة كيف يحسب كل منهما الدرجات للآخر,فالرجل عادة يتصوَّر أنه سيحقق نقاطًا أكثر ويزداد تقدير شريكة حياته له إذا قدَّم لها شيئًا كبيرًا, كأن يشتري لها سوارًا من ذهب أو يوفِّر مصروفات المدرسة لأبنائه.
والمرأة تحسب الدرجات على نحو مختلف, إذ لا أهمية لديها الحجم هدايا الحب, فكل هدية تساوي درجة واحدة.
استحوذ على قلب زوجتك
(إن مفاجأة سارة, أو نزهة قصيرة, أو هدية رمزية, أو كلمة تقديرية, أو تعبيرًا عاطفيًا عميقًا, له أثر سحري في الحياة الزوجية فهو يجدد العاطفة فيها, حيث تتخللها هذه المواقف الإنسانية النبيلة, وذلك السلوك الرقيق, ولن يعدم الزوج المخلص بعض الوقت وبعض الكلام, وبعض المال لتحقيق ذلك) [نصائح للفرسان, د.محمد سعيد درويش].
فإذا أردت امتلاك قلب زوجتك, فاطرح على نفسك هذا السؤال اليومي:
كيف أستطيع أن أُفرِح زوجتي اليوم؟
وستجد أن الكثير من الأمور الصغيرة يمكنها إدخال السرور عليها مثل: إجراء اتصال هاتفي صغير من العمل للاطمئنان عليها, أو توجيه مديح لها على طعام أعدته, أو كلمة حب رقيقة أو هدية بسيطة.
أنت أيها الزوج الفاضل (وكل رجل يعرف أن يستطيع أن يغري امرأته على أن تفعل من أجله أي شيء, لو أنه أهداها بين الفينة والفينة شيئًا من الهدايا التي لا تُكلف مالًا يُذكر, مكافأة على حسن تدبيرها للبيت أو إجادة طهوها الطعام.
وكل رجل يعلم أنه لو قال لامرأته: "كم يبدو جمالك رائعًا وضاءً في ثوب العام الماضي" لما رضيت أن تستبدل بهذا الثوب القديم أحدث المبتكرات من الأزياء, وكل رجل يعرف أن في وسعه أن يُقبِّل زوجته, فيُغمضها حتى تكاد تكون كالعمياء, وأنه يستطيع أن يطبع على شفتيها قبلة تفقدها القدرة على النطق) [كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس, ديل كارنيجي].
كيف تختار الهدية؟
يُرشدك توني بوزان إلى أهمية كون هديتك متميزة لتكون أعمق تأثيرًا فيقول: (إذا كنت تريد أن تعلق هديتك بالأذهان, ونتيجة لذلك تعلق أنت ذاتك بالأذهان؛ فحاول أن تجعلها بارزة ومختلفة, كأن تكون مثلًا باقة ورد متميزة, أو حلية صغيرة, ولا يلزم أن تكون مثل تلك الهدية بالغة الضخامة, أو باهظة الثمن, بل إن أي شيء يوضح أنك كنت تفكِّر في شريكك وفيما يحب يفي بالغرض) [قوة الذكاء الاجتماعي, توني بوزان].
إذًا حاول أن تختار هدية متميزة ومناسبة لشريك حياتك بحيث تُعجبه وتعلق بذهنه فيَذكرك, بها, حتى تزداد محبته لك.
وعليك أن تختار الوقت المناسب للهدية, ويمكنك استغلال بعض المناسبات لتقديم الهدية مثل: الشفاء من المرض, الرجوع من السفر, النجاح في الامتحانات، التميُّز في العمل.
وعليك أن تختار الهدية المناسبة لكل شخص, فهدية الصغير تختلف عن هدية الكبير, وهدية الغني تختلف عن هدية الفقير, وهدية العالم تختلف عن هدية الجاهل.
وإليك هذه القصة الحقيقية:
عاد الزوج من السفر وقد اشترى أسورة من الذهب هدية لزوجته وقدمها لها, وفرحت بها كثيرًا, وظلت تحتفظ بها أكثر من عشرين عامًا, تُجدد في ذهبها ولا تلمس هذه الأسورة, لأنها كانت تُذكِّرها بعودة زجها الحبيب من السفر وهو يحمل لها هذه الهدية الرائعة.
وهذه زوجة بعد العقد كلما زارها زوجها أحضر لها هدية بسيطة مرة وردة، وأخرى برفان, وكتاب في العلاقات الزوجية وغيرها من الهدايا الرمزية البسيطة, التي كانت سببًا في تنمية العلاقة بينهما.
وماذا بعد الكلام؟
1- من خلال معرفتك بشخصية شريكك, اختر هدية تُناسبه, يتفاعل معها نفسيًا وعاطفيًا ويذكرك بها دومًا.
2- قدِّم الهدية بطريقة عاطفية لتمتلك قلب شريكك "تهادوا تحابوا".
3- قدِّم الهدية بنفس طيبة ووجه طلق.
4- استغل المناسبات لتقديم الهدية المناسبة ولتنمية الحب في القلب.