شروط من يقوم بالجرح والتعديلسئل فضيلة الشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني السؤال التالي :
جزاك الله خيرًا يا شيخنا,نرى بعض الإخوة السلفيين يتجهون إلى الجرح والتعديل ويتركون التفقه في الدين فمانصيحتكم لهم؟
فأجاب فضيلته :
من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده وجود من يدافع وينافح عن دينه وشريعته من أهل العلم أولئك الأعلام أهل الجرح والتعديل الذين تخصصوا في معرفة الرجال على مر العصور، وظيفتهم إرشاد الأمة إلى المعتبر من أهل العلم للأخذ عنهم ما يصلح شؤونهم في الدنيا والآخرة، وتحذير الأمة من المبتدعة الذين غيروا وبدلوا وقلبَّوا الحقائق والموازين, ولم يكن هذا التخصص من فراغ بل كان بعد رحلة طويلة شاقة لا يتحملها إلا الرجال الذين اختارهم الله ليكونوا متأهلين لهذا الأمر الخطير, تحت ضوابط شرعية تؤهل الرجل ليكون أهلًا للجرح والتعديل وقد اشترطوا في الرجل العالم الذي له حق التجريح أربعة شروط :
الأول : أن يكون الرجل ثقة في نفسه غير مجروح العدالة فإن كان مجروحًا فلا يعتد به .
الثاني: أن يكون عالمًا تقيًا ورعًا فلا يجرح لهوى أو حسد أو غرض دنيوي .
الثالث : أن يكون عارفًا بأسباب ودواعي التجريح .
الرابع : ألا يعرف بالتعصب المذهبي .
فإذا اتفقت هذه الشروط في الشخص حُقَّ له أن يكون معدلًا أو مجرحًا لأن مثله سوف يتصف بالعدل والأمانة, فيلزم طلاب العلم ألا يخوضوا في مسالك كهذه وأن يتركوا ذلك لأهل الشأن والبصيرة فهم أعرف بحال ومصلحة الأمة وأن ينكبوا على طلب العلم على أيدي علمائهم الموثوقين من أهل السنة والجماعة فإن أوقاتًا عديدة تضيع على شباب الإسلام في الخوض فيما لا يعنيهم وفيما لم يُكلفوا به شرعًا .
فكم من الشباب لا مَنْ يحافظ على السنن والمستحبات بل ويفرط في كثير من الواجبات وقد يتنزه عن الفتيا في أحكام الطهارات والمشروبات ولا ينزه عن الكلام في أعراض الأمة سواء بحق أو باطل وهذا مندرج خطير لا يحمد شرعًا, إذ إن الأمة تحتاج من أبنائها أن يكونوا قدوة لأجيالهم المستقبلية وأن يبحثوا عما يصلح البناء لا من يتسبب في خرابه .
ومع ذلك كله فليس كل من تكلم في الجرح والتعديل من الصغار قاصدًا الإفساد في الأرض والتكلم في أعراض الأمة, ولكن الأمر يتفاوت فمنهم مَنْ لقلة علمه يظن أن هذا يلزمه شرعًا, ومنهم من يرى غيره يخوض فخاض مثله محسنًا الظن فيمن سبقه, ومنهم من يتكلم بحجة الدفاع عن المنهج السلفي, وآخرون لهم مآرب أخرى أسأل الله أن يصلح الجميع وأن يعاملنا بلطفه .
ونصيحتي لطلاب العلم: أن يتقوا الله ويخلصوا في طلبهم للعلم, وأن يحافظوا على أوقاتهم بكثرة الطاعات وحضور الحلقات وأن يتورعوا عن الكلام في الأعراض فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في سنن أبي داود بإسناد حسن : "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة([1]) الخبال([2]) حتى يخرج مما قال"([3]) .
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم"([4]).
وفق الله الجميع لطاعته والحمد لله رب العالمين .
المصدر : السؤال (25) المنتقى من الفتاوى للشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني
([1]) طين ووحل كثير.
([2]) في الأصل الفساد, وفي الحديث أن ردغة الخبال: عصارة أهل ألنار( قيحهم وصديدهم وعرقهم).
([3]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب الأقضية, باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها(2/329 رقم 3597)] من حديث عبد الله بن عمر.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الرقاق, باب حفظ اللسان(5 / 2377 رقم6113)] من حديث أبي هريرة.