القصة الأولى
رجل من الأعاجم امتلأ قلبه شوقاً إلى بيت الله
والمشهد الأول: مع رجلٍ من الأعاجم، من بلاد الإمام البخاري رحمه الله تعالى: جاء إلى مكة بعد عشرات السنين من الستار الحديدي الذي أقامته الشيوعية حائلاً بين أهل تلك الديار والاحتكاك ببقية المسلمين. يقول أحد المسلمين الذي يعرفون شيئاً من لسان أولئك القوم وهو في مكة ، يقول: وأنا أسير في ساحة الحرم متجهاً إلى الكعبة سمعت صوتاً ينادي: يا حاج! يا حاج! فالتفت فإذا بحاجٍّ قد بدت في وجهه آثار الجهد والإرهاق، كانت هيئته وملامح وجهه تدل على أنه من بلاد ما وراء النهر، قال لي بالأوزبكية مع حركات يديه الكثيرة محاولاً إفهامي: كم عليَّ أن أطوف بالبيت؟ فأجبته بالأوزبكية وهي كل ما تبقى لنا من ذكريات بلادنا المنسية: عليك أن تطوف بالبيت سبعة أشواط. فرأيت السرور داخله بمعرفتي لغته. ثم ما لبث أن قال باستعجاب: سبعة أشواط؟! وهل تستطيعون ذلك؟! لقد بلغ الجهد مني مبلغه من أول شوطٍ حول البيت. وأشار إلى مبنى الحرم الخارجي. ففهمت سبب التعجب، ومدى ما أصابه من الإرهاق، لقد ظن هذا المسكين أن هذا المبنى كله (الحرم) هو الكعبة، فشرع في الطواف حول الحرم دون تردد من الخارج؛ لأنه لم يَرَ البيت العتيق من قبل، فهو منذ أن جاء إلى جدار الحرم الخارجي، شرع بالطواف. فقطع تفكيري صوتُه قائلاً: أستعين بالله، وأكمل الطواف. ثم أخذ بالانصراف، فوجدتها فرصةً سانحةً للتعرف على ما يدور داخل بلاد المسلمين، فاستوقفته عارضاً عليه المساعدة، فرحب مسروراً. ذهبنا سوياً إلى داخل الحرم، وأشرت إلى الكعبة المشرفة، وقلت له: هذا بيت الله، لا الذي طفت حوله من قبل. فما هي إلا لحظات حتى رأيت الدموع تنهمر من عينيه، وقال: يا ألله! هذا هو بيت الله؟! سمعتُ به كثيراً، ولَمْ أَرَه إلا الآن. فأسرع الخطى نحو البيت، وأسرعتُ معه قائلاً: هذا من فضل الله عليك أن يسَّر إليك القدوم إلى بيته، وقد حُرِم منه الكثير. فقال بصوت منتحب: كم سمعتُ أبي رحمه الله وهو يدعو ويتمنى رؤية بيت الله؛ ولكن الشيوعيين لم يُمَكِّنوه من ذلك، فمات وفي قلبه حسرةٌ وألم، لقد ذقنا الكثير مما لا أظن أن أحداً قد لاقاه، دَعْنا نطوف بالبيت أولاً، ثم أفصِّل لك شيئاً مما نلناه. وبعد طواف رقَّ له قلبي، وذرفَت عيناي مما شاهدت من عجيب انكساره بين يدي الله، وبعد تعارفٍ جرى بيننا قال لي: لم يترك لنا الروس شيئاً يَمُتُّ إلى الإسلام بِصِلَة إلا وحاولوا إبادته، حتى أسماؤنا لم يتركوها لنا، والدي أسماني عبد الحكيم، ولكنني لا أُعْرَف بهذا الاسم إلا في البيت، أما رسمياً فاسمي حكيموف، إن الروس قد فعلوا هذا بالأسماء، وهي أسماء لا تضرهم، ولا تقاومهم، فماذا تظن أنهم قد فعلوا بعلمائنا ومشايخنا الذين يعلموننا القرآن والسنة؟! دعني أقص عليك طريقة بعض علمائنا. يتبعونهم في تعليم الصبية كتاب الله، ويراقبونهم في كل شيء، ومنعوا من كل وسيلة من وسائل التعليم، حتى كان الشيخ يصعد فوق سقف المنزل من الداخل بسلم، ويصعد الطلاب خلفه، ثم يرفع السلَّم إليه ويخبئه، ويلقي الدرس بصوت خافت؛ لكيلا يعلم أحد بهم. وقل مثل ذلك في مخازن تحت المنزل، كان الشباب في المصانع إذا أرادوا المذاكرة ومراجعة شيء من العلم، اجتمع كل أربعة، أو خمسة في وقت تناول الطعام، ويتحدث كل واحد بما عنده دون أن يلتفت إليه الباقون؛ لكي لا يُعْلَم بأمرهم. حتى الصلاة التي هي عماد الدين، كان الواحد منا يذهب ويختبئ بعيداً ويصليها سريعة، ويعود لكي يذهب الآخر، لم نكن نعرف صلاة الجماعة، وما عرفناها منذ زمن بعيد. كم أشعر بالأسى على مشايخنا وعلمائنا الذين كان لهم الفضل بعد الله في بقاء دينه في بلادنا، لم نستطع أن نقدم لهم أبسط حقوق المسلم، لم نستطع أن نغسِّلهم ونكفِّنهم، وأن نشيع جنائزهم، فماتوا ودُفِنوا حسب مراسم الدفن الشيوعية، وهكذا. والشاهد -أيها الإخوة- أن دين الله بقي في تلك البلاد بمثل هذه الوسائل التي عاشت تحت الضغط والقهر والإكراه والحصار؛ لكن بقي دين الله، لو أن ديناً آخر في بلاد الشيوعيين حصل له ما حصل لهذا الدين، لكان فَنِي منذ زمنٍ بعيدٍ، أليس في هذا دليل على عظمة هذا الدين؟! أليس في هذا دليل على أن الله قد اختاره ليبقى؟!
القصة الثانية
قصة تبين غيرة العلماء:
ومع موقف آخر لأثر من آثار هذا الدين في نفس أحد العلماء في هذا العصر، الذي يتبين لك به -يا أيها المسلم- عزة العالِم وتعففه وجرأته وعدم رضوخه للترهيب، ولا استجابته للترغيب: كان الشيخ سعيد الحلبي من كبار الأساتذة في القرن الماضي، كان يلقي مرة درساً في جامعٍ من جوامع دمشق ، فجاء إبراهيم باشا -الحاكم في وقته، وهو من القسوة والعنف والجبروت والاعتداء والقتل والبطش بمكان- ودخل المسجد مع بعض شرطته وعساكره، ووقف أمام الباب، وكان الشيخ يشكو ألماً في رجله، وكان مادَّاً رجله إلى الأمام؛ لأنه كان مستنداً إلى جدار المحراب ويلقي الدرس، ورجله ممدودة للعلة إلى باب المسجد. فدخل هذا الوالي المعروف بظلمه ومعه العسكريون والشرطة، ووقف بالباب ينظر إلى الشيخ، وانتظر أن يقبض الشيخُ رجلَه احتراماً له؛ لكن الشيخ لم يفعل، فخاف التلاميذ على شيخهم من السيف، وقبضوا ثيابهم لئلا تصاب بدمه؛ ولكن الوالي وقف برهةً ثم انصرف ورجع. وبعد ذلك استدعى أحداً من خدمه، وأعطاه صُرَّةً من الدنانير الذهبية، وقال له: تقدم إلى سيدنا الشيخ، وقل له: هذه هديةٌ من إبراهيم باشا . فلما جاء بها الخادم إليه، قال الشيخ كلمته المشهورة التي تغني عن ألف كتاب، قال له: قل لسيدك: إن الذي يمد رجله لا يمد يده. وهذا مثال من أمثلة علماء الحق وعلماء الشريعة الذين زخرت بهم هذه الأمة، وهو شاهدٌ آخر من الشواهد على أن الله سبحانه وتعالى يقيض لهذا الدين مَن يقوم به، وأن الله سبحانه يَخْلُق رجالاً، يصطنعهم للمواقف، تجري بسِيَرِهم الركبان. إنه دليلٌ على أن هذا الدين باقٍ، وأن الله سيبعث له من يجدده في كل رأس مائة سنة، فاستبشروا برحمة ربكم يا أيها المسلمون!
القصة الثالثة.
الحجاب سبب في هداية فتاة أمريكية:ولننتقل الآن إلى شعيرة من الشعائر الإسلامية التي فرَّط فيها كثير من المسلمات، والتي أعرض عن التنبيه عليها كثيرٌ من أولياء الأمور والآباء والإخوان، ألا وهي: الحجاب: لنعرف -أيها الإخوة- كيف يكون الحجاب -وهو أمر من الشريعة- سبباً في إدخال امرأة كافرة في دين الله! هي فتاة أمريكية، يميزها حجابها الشرعي الذي ترتديه، وحرصها على حضور الحلقات التي يتم عقدها في مسجد المدينة الأمريكية التي تقطنها، وتستعير كتباً باستمرار من مكتبة المسجد، فهي حريصةٌ على ذلك. كيف أسلمت؟! لقد أسلمت تلك الفتاة وكانت تعمل على صندوق قبض الثمن في إحدى المحلات. وتقول: في بلدتنا توجد جامعة، وفيها بعض الطلاب المسلمين المتزوجين الذين جاءوا بزوجاتهم معهم إعفافاً لأنفسهم، وفي فصل الصيف كنت في زاوية المحاسبة في المحل، حيث الكل هنا يرتدي الملابس القصيرة والعارية والخفيفة جداً. إن الذي أدهشني وأصابني بالذهول أنني رأيت بعض المتسوقات يرتدين حجاباً كاملاً يغطي جميع الجسد بما فيه الوجه، ولم تكن تبدو سوى أعينهن أحياناً، فاستغربت هذا المنظر، فاستوقفت إحداهن حينما كانت تحاسب لديَّ على أغراضها، وسألتها عن السر الكامن في هذا اللباس، فأخبرتني أن دينها الإسلامي يفرض عليها ذلك صيانةً لها وحفاظاً عليها، واسترسَلَت بالشرح عن منافع الحجاب وأهميته وفائدته للمرأة حتى اشتد شوقي وانبعثت من فطرتي تلك الحاجة التي تتكلم عنها هذه المرأة، بالرغم من صعوبته وعدم تخيل لباسه في مجتمعنا. فرجعتُ إلى البيت، وأخذت قطعة قماش، ووضعتها على رأسي، ولبستُ ملابس ذات أكمام طويلة، فأعجبني شكلها، وخرجت بها في اليوم التالي إلى مركز إسلامي قريب، أبحث عن هذا الدين، أبحث عن كتب تتكلم عنه وعن أناسٍ يشرحونه لي فعمل لي بعض المسلمات مناسبة دعونني فيها إلى الإسلام، فأسلَمْتُ، فأهدتني إحداهن هدية، وكانت الهدية حجاباً، وكنت أستصعب لبسه في المكان الذي أنا فيه؛ ولكنني حاولت لبسه، وكنت خائفةً جداً من الحجاب، شأني في ذلك شأن كثيرٍ من الأمريكيات اللاتي ينظرن إلى الحجاب على أنه سجنٌ للحرية، ولكن بعد أن اعتدت عليه زال كل شيء. وكان الامتحان في اليوم الأول الذي ذهبتُ فيه لمقابلة المجتمع باللباس الجديد. أما أبي: فإنه لم يبالِ؛ لأنه شعر أن الأمر ليس بيده. وأما أمي: فهي إنسانة اعتادت على احترام آراء الآخرين وتَقَبُّلِها؛ لهذا لم تُعر أمر إسلامي شيئاً؛ لكنها كانت خائفةً عليَّ من الحجاب، وحينما رأت إصراري راعت شعوري، بل إنها أصبحت تشتري لي الحجاب وتهديني إياه. وأذكر أن ابن خالي جاء لزيارتنا ذات يوم، فأمرته والدتي أن ينتظر حينما تعطيني خبر قدومه حتى أضع الحجاب. وذات مرة زارنا عمي، فأسرعت لتناولني الحجاب حتى أضعه قبل أن يدخل، فضحكتُ، وشرحتُ له الأمر. الشاهد -أيها الإخوة- أن هذه الشعيرة من شعائر الإسلام وهي الحجاب كانت سبباً في إسلام تلك المرأة وغيرها من النساء. على أي شيء يدل هذا؟! وما هو المغزى؟! هل رأيتم شيئاً في النصرانية المحرَّفة يدعو شخصاً للدخول فيها؟! هل رأيتم شيئاً في اليهودية المحرَّفة يدعو شخصاً للدخول فيها؟! هل رأيتم شيئاً في البوذية ، أو الهندوسية يدعو شخصاً للدخول فيها؟! إلا الإسلام، فإن شعائر الإسلام تدعو الناس للدخول فيه، ولو كانت الدعوة صامتة، ولو كان حجاباً يُرتَدَى بين الكفار، ولذلك ننعي على أولئك المسلمين الذين يذهبون إلى الخارج، ثم يطالِبون زوجاتهم بكشف الوجه والشعر وغيره من أجل ألا يُنْظَر إليهم نظرة السخرية والاستهزاء، ما عندهم الشجاعة الكافية أن يظهروا بمظاهر دينهم، وأولئك الكفرة قد يُعْجَبون به، بل يدخلون في الدين بناءً عليه.