[align=center]
1- مرحلة العفو المكية منسوخة بمرحلة القتال المدنية , بإجماع الأمة المحمدية :
نعني أن الأمر بالقتال والجهاد الذي حصل بالمدينة ناسخ للأمر بالصفح والعفو الذي كان في مكة .
قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري : فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم والصفح بفرض قتالهم . أهـ ثم نقل رحمه الله القول بالنسخ عن ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس . أهـ [ أنظر تفسير الطبري 2/503 ]
وكذلك نقل الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) نقل القول بالنسخ عن ابن عباس ثم قال : وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي : إنها منسوخة بآية السيف . أهـ [ تفسير القرآن العظيم 1/154 ]
وقال الإمام ابن عطية في تفسيره لآية السيف : وهذه الآية نسخت كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك . أهـ [ تفسير ابن عطية 6/412 ] فآية السيف نسخت كل موادعة بين المسلمين والكفار وكل ما جرى مجرى ذلك كعدم الخروج عليهم .
وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) : هذه الآية منسوخة بقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون ) إلى قوله (صاغرون) عن ابن عباس وقيل : الناسخ لها : ( فاقتلوا المشركين ) [ الجامع لأحكام القرآن 2/71 ]
وقال في تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) [التوبة: 73]: وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصفح . أهـ [ المصدر السابق: 8/205 ]
وقال الإمام ابن حزم: ونُسخ المنع من القتال بإيجابه .أهـ [الإحكام في أصول الأحكام 4/82]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:... فأمره لهم بالقتال ناسخ لأمره لهم بكف أيديهم عنهم . أهـ [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: 1/66 ]
وقال الإمام السيوطي: قوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ): هذه آية السيف الناسخة لآيات العفو والصفح والإعراض والمسالمة . أهـ [الإكليل في استنباط التنزيل: ص: 138]
وقال أيضاً: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف . أهـ [التحبير في علم التفسير: ص: 432 ]
وهذه المسألة مسألة إجماعية , لا تبطلها مزاعم إدعائية : فقد قال الإمام ابن جرير في تفسير قوله تعالى: ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) [ الجاثية: 14] : وهذه الآية منسوخة بأمر الله بقتال المشركين، وإنما قلنا هي منسوخة لإجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك . أهـ [ تفسير الطبري:25/144]
وقال الإمام الجصاص في قوله تعالى: ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعلنا لكم عليهم سبيلاً ) [ النساء: 90] : ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره فقد حصل الاتفاق من الجميع على نسخ حظر القتال.. أهـ [ أحكام القرآن 2/222 ]
وقال الإمام الشوكاني : أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية... وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال.. أهـ [ السيل الجرار 4/518 ]
ونقل الإجماع أيضاً صديق حسن خان بنفس ألفاظ الشوكاني دون أن ينسب القول إليه. [ انظر الروضة الندية 2/333 ]([1])
بل حتى الشيخ الألباني غفر الله له – الذي يستشهد بأقواله من قال بشبهة المرحلة المكية - أقر بهذا فقال : في شريط بعنوان ( حركة حماس وأهل السنة في خان يونس ) وقد سجل بتاريخ 8/1/1414 هـ وهو برقم 747/1 من سلسلة الهدى والنور كما ذكر مقدم الشريط ، ففي ذلك الشريط سأل الشيخَ قادمٌ من خان يونس قائلاً :" يقول إخواننا هناك : نحن نعتقد فيما يسمى بالمجتمع المكي ، من الصبر والدعوة... لكن يقول :خان يونس كل أهلها مسلمون،وأحياناً نضطر إلى إزالة المنكر باليد فهل يجوز لنا أن نزيل منكراً باليد ....؟ " ، فأجاب الشيخ : "أولاً خرج منك كلمة أظن أنها لم تكن مقصودة..أو بعبارة أخرى سبق لسان عنهم ، ولا أظن أنهم يقصدون معنى ذلك اللفظ ، ذكرت فيما علق في ذهني أنهم يعتبرون أنفسهم في العهد المكي " .. ..لأننا نسمع نحن من بعض الناس أنهم فعلاً يعتبرون أنفسهم بسسب بعض الظروف والضغوط التي يعيشونها أنهم في العهد المكي ، وهذا فيه ضلال مبين ، لأن اعتبار المسلم نفسه في العهد المكي معناه أنه يتخلص من أحكام مقطوع بين علماء المسلمين بوجوب إتيانها أو بوجوب الابتعاد عنها ، وهذا لا يقوله مسلم أبداً ، وفي ظني أن الذي يحملهم على مثل هذه الكلمة فضلاً عن أن يعتقدوا معناها هو شعورهم بأنهم لا يستطيعون أن يقوموا هم بأنفسهم بكثير أو قليل على الأقل من الأحكام الشرعية ، فالذي يحملهم على هذا هو في الواقع جهلهم بالإسلام وبالقواعد العلمية الإسلامية التي بها يتمكن المسلم من أن يتجاوب مع كل الظروف التي يعيشها دون أن يزعم بأنه يعيش في العهد المكي أو في مثل العهد المكي ".أهـ
2- ما بني على باطل فهو باطل , وما بني على فاسد فهو فاسد :
يقول علماء السوء الدجلة : إن المجاهدين أهل عجلة ! لأنهم يتعجلون الجهاد ونحن لا زلنا في المرحلة المكية , ويستدلون لذلك بما أخرجه البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا ؟ قال ( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه . ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
وهذا الحديث قبل أن يُشرع الجهاد , فكيف يُستدل به على تبطيء العباد ؟! قال الله تعالى : (وإن منكم لمن ليبطئن ) [ النساء : 72 ] قال العماد ابن كثير رحمه الله : وقوله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئن ) قال مجاهد وغير واحد : نزلت في المنافقين وقال مقاتل بن حيان : ( ليبطئن ) أي ليتخلفن عن الجهاد ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ويبطىء غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي بن سلول ـ قبحه الله ـ يفعل يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه وهذا قول ابن جريج وابن جرير . أهـ [ تفسير القرآن العظيم 1/697 ]
فاستدلالهم باطل , لأنه بني على باطل , فالجهاد قبل أن يُشرع لم يكن من المعروف , أما اليوم فهو ذروة سنام المعروف , وكما قيل : تعجيل المعروف , ملاك المعروف .وقد تضافرت الأدلة على مشروعية تعجيل المعروف – ومنه جهاد الدفع - .
ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم ) وفي رواية عند البيهقي : ( إن إبراهيم الخليل أمر أن يختن وهو ابن ثمانين سنة فعجل فاختتن بقدوم؛ فاشتد عليه الوجع فدعا ربه؛ فأوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بالآلة قال : يا رب كرهت أن أؤخر أمرك ).
وقال الله تعالى : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى (83) قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى (84) ) [ طه ] قال ابن عاشور رحمه الله: والإعجال : جعل الشيء عاجلاً .. والذي يؤخذ من كلام المفسرين وتشير إليه الآية : أن موسى تعجّل مفارقة قومه ليحضر إلى المناجاة قبل الإبّان الذي عيّنه الله له , اجتهاداً منه ورغبةً في تلقي الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط بنو إسرائيل بجبل الطور , ولم يراع في ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه . أهـ [ التحرير والتنوير 16/160-161 ] وأي خير للنفس والقوم أوجب بعد التوحيد من دفع الصائل عليهم عنهم ؟! ([2])
وعن أنس بن مالك قال : .. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه ) فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) قال : يقول عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال ( نعم ) قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يحملك على قولك بخ بخ ) قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال ( فإنك من أهلها ) فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل ) [ أخرجه مسلم ]
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذرعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) .
وعن ابن عباس قال : لا يَتِمُّ المعروف إلا بثلاثةٍ : تعجيله , وتصغيرِه عنده , وستره ؛ فإنه إذا عجله هنأه , وإذا صغره عظَّمه , وإذا ستره تمَّمه . أهـ [ عيون الأخبار 3/198 , المجالسة برقم 685 , وذكره ابن حمدون في تذكرته 8/153 ]
وقال محمد بن سلاّم الجمحي : قال الأحنف بن قيس : الرفقُ والأناةُ محمودٌ ؛ إلا في ثلاثٍ . قالوا : ما هن يا أبا بحر ؟ قال : تُبادر بالعملِ الصالح , وتُعجِلُ إخراجَ ميِّتك , وتُنكحُ الكفءَ أيِّمك . أهـ [ أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 24/344 , وابن قتيبة في المجالسة برقم 2675 ]
وكما قال الأول :
ركضاً إلى الله بغير زادِ
إلا التقى وعمل المعادِ
والصبر في الله على الجهادِ
وكل زاد عرضة النفادِ
غير التقى والبر والرشادِ
ثالثاً : مناقشة منقاشية :
الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً :
يقول المخذلون المخدرون عن الجهاد في سبيل الله : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقاتل الكفار في مكة لأنه كان مستضعفاً هو ومن معه من الصحابة , والآن نحن في استضعاف فلا يجب علينا الجهاد , وقال بعضهم – بل أكثرهم - : فلا يجوز لنا الجهاد ([3]).. لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً , وعلة الحكم هنا تدور حول " القوة أو الاستضعاف " .
1- لماذا لم يُقاتل النبي صلى الله عليه وسلم الكفار في مكة ؟
إننا لو رجعنا إلى السنة لوجدنا فيها الإجابة هذا التساؤل:
قال العباس بن عبادة بن نضلة في بيعة العقبة الثانية للرسول صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم أومر بذلك ) [ أخرجه أحمد ]
فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إننا في استضعاف .. ولم يقل : ليس لدينا قدرة .. بل قال : ( لم أومر بذلك ) , فلما أُمر بذلك – أي بالقتال - استجاب للأمر وقاتل الكفار , وهذا الأمر باق غير منسوخ , ومن قرأ القرآن والسنة علم ذلك علم اليقين ..
وقرأتُ فتوى الله ( إلا تنفروا )
فلتبشروا بالخزي ثم العارِ
ووعيتُ قول محمد (فلتنفروا
يوم النفير) كما رواه بخاري
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله عن مراحل تشريع القتال : وكان محرماً ثم مأذوناً به ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال ثم مأموراً به لجميع المشركين... أهـ [ زاد المعاد: 2/58 ]
2- ما هي علة الحكم في عدم الأمر بقتال الكفار في المرحلة المكية :
إن أشهر المسالك – الطرق - التي يتوصل بها إلى معرفة العلة هي :
1- النص .
2- الإجماع .
3- السبر والتقسيم . ([4])
وإن أقوى المسالك في معرفة علة الحكم هو النص ثم الإجماع , فإذا لم تثبت العلة لا بنص ولا بإجماع تحول الباحث إلى استنباط العلة بالسبر والتقسيم .
ومعنى السبر : الاختبار , ومعنى التقسيم : هو أن يحصر الباحث الأوصاف التي يراها صالحة لأن تكون علة للحكم , ثم يكر عليها بالفحص والاختبار والتأمل فيبطل منها ما يراه غير صالح للإبقاء , ويستبقي منها ما يراه صالحاً لأن يكون علة حتى يصل بعد هذا الإلغاء والإبقاء إلى أن هذا الوصف دون غيره هو العلة.([5])
وبما أنه لا نص ولا إجماع في مسألتنا , فنتحول إلى السبر والتقسيم :
أولاً : التقسيم :
نجد هنا ثلاثة أوصاف قد تصلح لأن تكون علة لعدم الأمر بالقتال في المرحلة المكية:
أ- مراعاة نفوس المسلمين , والتدرج في الدعوة .
ب- الاستضعاف .
ت- إقامة الحجة .
ثانياً : السبر :
إن الوصف " أ " لا يصلح لأن يكون علة للحكم بدليل أن أكثر الأحكام الشرعية راعت نفوس المسلمين , وتدرج الله سبحانه وتعالى في تشريعها , فلا يُقال أنها علة لجميع هذه الأحكام بحيث أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً .
وإن الوصف " ب " لا يصلح لأن يكون علة للحكم بدليل أن المسلمين كانوا في استضعاف في فتراتٍ طويلة من المرحلة المدنية أيضاً , وأكثر جيوش النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت أقل عدداً وعُدةً من الأعداء , عن أبي العالية قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سراً وجهراً , ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح . أهـ [ رواه القرطبي في تفسيره 12/272]
وإن الوصف " ت " هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يصلح أن يكون علة يدور معها الحكم وجوداً وعدماً , والله أعلم .
ثالثاً : علة الحكم في عدم الأمر بقتال الكفار في المرحلة المكية :
هي إقامة الحجة , فلا يُقاتل قوم حتى تُقام عليهم الحجة , ولذلك لم يُؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الكفار في المرحلة المكية , قال الإمام الفقيه ابن العربي المالكي رحمه الله : قال علماؤنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بَيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلّ له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل مدة عشرة أعوام ؛ لإقامة حجة الله تعالى عليهم , ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله : ( وما كنا مُعذبينَ حتى نَبعثَ رسولاً ) [ الإسراء : 15 ] فاستمرّ الناس في الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان , وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فرّ إلى أرض الحبشة , ومنهم من خرج إلى المدينة , ومنهم من صبر على الأذى . فلما عَتَتْ قريش على الله تعالى وردّوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام , وعذبوا من آمن به ووحده وعبده, وصدّق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه , أذِن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم , وأنزل : ( أُذنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا ) إلى قوله : ( الأمور ) . أهـ
أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عون قال : كتبتُ إلى نافعٍ أسأله عن الدعاء قبل القتال ؟ قال : فكتب إليّ : إنما كان ذلك في أول الإسلام ...
وقد بوب الإمام النووي رحمه الله على هذا الحديث بقوله : ( باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام , من غير تقدم الإعلام بالإغارة ) . ثم قال في الشرح : وفي هذا الحديث جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة , وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي, أحدها : يجب الإنذار مطلقاً , قال مالك : وغير هذا ضعيف . والثاني : لا يجب مطلقاً وهذا أضعف منه أو باطل , والثالث : يجب إن لم تبلغهم الدعوة , ولا يجب إن بلغتهم , لكن يستحب , وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر والجمهور . قال ابن المنذر : وهو قول أكثر أهل العلم , وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه . أهـ [ شرح صحيح مسلم 12/53-54]
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : عن سليمان ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً . ثم قال ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ( أو خلال ) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام ([6]) فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. [ الحديثَ ]
وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبى طالب فقيل هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) يدوكون : أي يخوضون . [ متفق عليه ]
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في فوائد هذا الحديث : الخامسة والعشرون : الدعوة إلى الإسلام قبل القتال .
السادسة والعشرون : أنه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا . [ كتاب التوحيد - باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ]
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وفيه مشروعية الدعوة قبل القتال , لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارُّون , وإن كانوا لم تبلغهم الدعوة وجبت دعوتهم. أهـ [ فتج المجيد لشرح كتاب التوحيد ص79 ]
فالعلة التي يدور معها الحكم وجوداً وعدماً هي الدعوة وإقامة الحجة , فإن بلغت الدعوة قوماً من الكفار شُرع قتالهم , وإن لم تبلغهم لم يُشرع قتالهم . قال الشيخ العلامة علي بن خضير الخضير فك الله أسره في كتابه العظيم الجمع والتجريد شرح كتاب التوحيد ص130 :
المسألة الخامسة والعشرون :الدعوة إلى الإسلام قبل القتال والشاهد ( ثم ادعهم إلى الإسلام ) : وهذه قاعدة من قواعد الدعوة أنه لا بد من قيام الحجة قبل القتل والقتال والتعذيب إذا لم يكن قد دعوا من قبل ، أما إذا دعوا من قبل فتكرار الدعوة مرة أخرى سُنّة (التيسير ص110 ،والفتح ص92 ).
المسألة السادسة والعشرون : أنه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا ، والشاهد (ثم ادعهم إلى الإسلام ) ووجه كونه سنة لأنه دعوة ليهود خيبر ،وقد دعوا قبل ذلك ، وعرفوا ماذا يُراد منهم ، ومعنى مشروع أي مستحب .(التيسير ص110 ،والفتح ص92)
وفيها قضية معاصرة :
وهي هل يُدعى اليوم في باب القتال والجهاد العام ؟ الجواب : لا ؛ فقد عرف الأعداء هذا الدين وماذا يُراد منهم . سئل الإمام أحمد هل يُدع أحد اليوم (أي في زمنه ) فقال : لا أعرف اليوم أحدا يُدعى , قد بلغت الدعوة كل أحد فالروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يُراد منهم (المغني والشرح 10/380 ) ، قال الترمذي في باب الدعوة قبل القتال 5/267 ( وقال أحمد : لا أعرف اليوم أحدا يُدعى ) فإذا كان هذا زمن أحمد فما بالك بزماننا ؟ ا.هـ
3- هل الاستضعاف علة الحكم أم حِكمة من حِكم الحكم :
إن مسألة الاستضعاف هي حِكمة من حِكم عدم مشروعية القتال في المرحلة المكية لا علة للحكم , وهي كحِكمة ضعف نفوس بعض المسلمين في بداية الإسلام بالنسبة لمسألة تأخير تحريم الخمر والزنا .. أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) . وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده " . أهـ
فلا يقول قائل : لَم يحرم شرب الخمر في العهد المكي لأن نفوس بعض المسلمين ضعيفة , والآن نفوس كثير من المسلمين ضعيفة فلا يُحرم شرب الخمر اليوم قياساً على العهد المكي , والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً !!!
فهذا قول باطل , لأن مراعاة نفوس الناس إنما هي من حِكم تأخير تحريم الخمر وليس هي علة ذلك .. قال صاحب الوجيز : يقول الأصوليون : الأحكام تربط بعللها لا بحِكمها . بمعنى أن الحكم يُوجد متى وُجدت علَّتهُ , وإن تخلفت حِكمته في بعض الأحيان , وأن الحكم ينتفي متى انتفت علته وإن وجدت حكمته في بعض الأحيان .. أهـ [ الوجيز في أصول الفقه ص203 ]
4- بعض حِكم عدم مشروعية القتال في المرحلة المكية :
ذكر الشيخ الأستاذ سيد قطب رحمه الله في كتابيه " في ظلال القرآن " عند تفسير سورة النساء [ 2/714-715 ] وفي " معالم الطريق " [ ص67-71 ] بعض الحِكم من عدم مشروعية القتال في المرحلة المكية , وفيما يلي إجازوها :
أ- إن الكف عن القتال في مكة ربما كان لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد , في بيئة معينة , لقوم معينين , وسط ظروف معينة, ومن أهداف التربية في مثل هذه البيئة : تربية الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم حين يقع عليه أو على من يلوذون به : ليخلص من شخصه , ويتجرد من ذاته , فلا يندفع لأول مؤثر , ولا يهتاج لأول مهيج ومن ثم يتم الاعتدال في طبيعته وحركته . ثم تربيته على أن يتبع نظام المجتمع الجديد والتقيد بأوامر القيادة الجديدة , حيث لا يتصرف إلا وفق ما تأمره – مهما يكن مخالفاً لمألوفه وعادته – وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي المسلم لإنشاء " المجتمع المسلم " .
ب- وربما كان ذلك أيضاً لأن الدعوة السلمية أشد أثراً وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية والشرف , والتي قد يدفعها القتال معها – في مثل هذه الفترة – إلى زيادة العناد ونشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة أمثال داحس والغبراء وحرب البسوس , وحينئذ يتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات تنسى معها فكرته الأساسية .
ت- وربما كان ذلك أيضاً اجتناباً لإنشاء معركة ومقتلة داخل كل بيت , فلم تكن هنالك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين, وإنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء كل فرد . ومعنى الإذن بالقتال – في مثل هذه البيئة – أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت ثم يقال : هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في المواسم , إن محمداً يفرق بين الوالد وولده فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد , والمولى بقتل الولي ؟
ث- وربما كان ذلك أيضاً لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون المسلمين عن دينهم ويعذبونهم هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلص , بل من قادته . ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء ؟!
ج- وربما كان ذلك أيضاً لأن النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى , ولا يتراجع وبخاصة إذا كان الأذى واقعاً على كرام الناس فيهم . وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة في هذه البيئة , فابن الدغنة لم يرض أن يترك أبا بكر – وهو رجل كريم – يهاجر ويخرج من مكة , ورأى في ذلك عاراً على العرب ! وعرض عليه جواره وحمايته .. وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب .
ح- وربما كان ذلك أيضاً لقلة عدد المسلمين حينذاك وانحصارهم في مكة حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة , أو بلغت ولكن بصورة متناثرة , حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها , لترى ماذا يكون مصير الموقف . ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة – حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم – ويبقى الشرك , ولا يقوم للإسلام في الأرض نظام , ولا يوجد له كيان واقعي , وهو دين جاء ليكون منهج حياة ونظام دنيا وآخرة .
خ- إنه لم تكن هناك ضرورة قاهرة ملحة , لتجاوز هذه الاعتبارات كلها , والأمر بالقتال , ودفع الأذى , لأن الأمر الأساسي في هذه الدعوة كان قائماً ومحققاً وهو " وجود الدعوة " ووجودها في شخص الداعية محمد صلى الله عليه وسلم , وشخصه في حماية سيوف بني هاشم , فلا تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع . ولذلك لا يجرؤ أحد على منعه من إبلاغ الدعوة وإعلانها في ندوات قريش حول الكعبة , ومن فوق جبل الصفا , وفي الاجتماعات العامة ولا يجرؤ أحد على سجنه وقتله , أو أن يفرض عليه كلاماً بعينه يقوله , بل إنهم حين طلبوا إليه أن يكف عن سب آلهتهم وعيبها لم يكف , وحين طلبوا إليه أن يسكت عن سب دين آبائهم وأجدادهم لم يسكت , وحين طلبوا إليه أن يدهن فيدهنوا , أن يجاملهم فيجاملوه , بأن يتبع بعض تقاليدهم ليتبعوا بعض عبادته لم يدهن .
إن هذه الاعتبارات كلها – فيما نحسب – كانت بعض ما اقتضت حكمة الله – معه – أن يأمر المسلمين بكف أيديهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. ونحن حين نلتمس الحكمة في هذه الحالة وفي غيرها من التكاليف الشرعية لا نجزم بما نتوصل إليه , لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبيّن لنا من حكمة . ونفرض أسباباً وعللاً قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية , أو قد تكون .
ذلك أن شأن المؤمن أمام أي تكليف , أو أي حكم من أحكام الشريعة هو التسليم المطلق لأن الله سبحانه هو العليم الخبير , وإنما نقول هذه الحكمة والأسباب من باب الاجتهاد وعلى أنه مجرد احتمال لأنه لا يعلم الحقيقة إلا الله , ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح . أهـ
5- إلزام الخصوم ([7]) :
يقول الخصوم : أن الجهاد لم يُشرع في العهد المكي بسبب الاستضعاف , والآن نحن في استضعاف فلا يُشرع الجهاد اليوم !
فإليهم هذا الإلزام الذي سيُلجمهم إلجاماً , وهو من باب قول العرب : " وداوها بالتي هي الداء " :
أخرج الترمذي عن سهل بن سعد قال : " إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك " .
" فلما اشتدت العزبة بالناس رخص النبي صلى الله عليه وسلم في زواج المتعة , والآن نحن في عزبة شديدة بالناس فيجوز زواج المتعة اليوم !!! " ([8])
فإن أحتج أحد الخصوم برواية : ( .. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ) , احتججنا عليه برواية : ( .. الجهاد ماض إلى يوم القيامة ) ([9]) , قال صاحب الوجيز : المحكم : .. هو اللفظ الذي ظهرت دلالته بنفسه على معناه ظهوراً قوياً على نحو أكثر مما عليه المُفسر , ولا يقبل التأويل ولا النسخ .. ثم أخذ يضرب للمحكم أمثلة من الكتاب والسنة فقال : .. وقوله صلى الله عليه وسلم : (الجهاد ماض إلى يوم القيامة ) . ويسمى هذا النوع : محكماً لعينه . أهـ [ الوجيز في أصول الفقه ص347 ] وقال صاحب " أصول الفقه الإسلامي " : المحكم : هو لغة مأخوذ من إحكام البناء . وفي الاصطلاح : هو ما دل على معناه المسوق لإفادته بصيغته ولا يحتمل التأويل ولا التخصيص ولا النسخ لا في زمن الرسالة ولا بعدها . فهو أقوى هذه الأنواع . وهو إما محكم لعينه إن انقطع احتمال النسخ بما يدل على الدوام والتأبيد كقوله تعالى : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ) .. أهـ [ أصول الفقه الإسلامي ص 454 ] وهكذا تتابع أهل الأصول على ذكر هذا المثال .
6- سؤال للخصوم :
بما أنكم فرقتم بين المرحلتين المكية والمدنية في مسألة الجهاد في سبيل الله , فلِم لَم تقولوا بالتفريق بين المرحلتين في جميع المسائل التي لم تُشرع إلا في المرحلة المدنية ؟! وما هو دليل تخصيص مسألة الجهاد دون سواها من العبادات ؟!
فلم تُشرع الزكاة بمقاديرها إلا في السنة الثانية من الهجرة على المشهور , ولم يُشرع صيام رمضان إلا في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة , ولم يُشرع الحج إلا في سنة ست بعد الهجرة وهو المختار لدى جمهور العلماء , ورجّح ابن القيم أن افتراض الحج كان سنة تسع أو عشر .. والقتال قد فُرض في السنة الثانية من الهجرة وأذن به قبل ذلك , فما الذي جعلكم تفرقون بينه وبين سائر العبادات؟! هلا قلتم : لا زكاة ولا صيام ولا حج اليوم ! كما قلتم : لا جهاد اليوم!
وهذا عين ما وقع فيه بعض الفئات الضالة فقالوا : إننا نعيش في عصر استضعاف كالعهد المكي فيجب علينا أن " نأخذ الأحكام على مراحل كما كان متبعاً في أول الإسلام، وهو البدء بما نزل في مكة بالنسبة لعهد الاستضعاف الذي نعيش فيه حالياً، فإذا تمكنت الجماعة من الوصول إلى السلطة وحكمت بالإسلام أخذت بما نزل في المدينة في عهد التمكين وأما العصر الذي نعيش فيه فهو عصر استضعاف فلا تحرم المشركات ولا الذبائح - أي ذبائح المشركين - ولا تجب صلاة الجمعة ولا العيدين ولا يجوز الجهاد بل يجب كف الأيدي وعدم رد العدوان وغير ذلك من الأحكام التي لم تنزل إلا بالمدينة في عهد التمكين.أهـ [الحكم وقضية تكفير المسلم للمستشار سالم البهنساوي ص: 29 ]
([1]) ولمن أراد زيادة فائدة في هذا الباب فليراجع " مراحل تشريع الجهاد نسخ اللاحق منها للسابق " للشيخ عبد الآخر حماد الغنيمي .
([2]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالعدو الصائل الذي يُفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه , فلا يُشترط له شرط . أهـ [ الاختيارات العلمية لابن تيمية 4/608 ]
([3]) هذا إن لم يضللوا من قام بالجهاد أو يُفسقوه أو يُبدعوه أو يُكفروه !
([4]) انظر الآمدي 3/364 , وفواتح الرحموت 2/239 , والتلويح والتوضيح 2/68 , والوجيز 212 , وغيرها .
([5]) أنظر إرشاد الفحول 2/892 , والوجيز في أصول الفقه ص214 .
([6]) قال النووي : هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم " ثم ادعهم " , قال القاضي عياض رضي الله عنه : صواب الرواية " ادعهم " بإسقاط " ثم " , وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد , وفي سنن أبي داود وغيرهما ؛ لأنه تفسير للخصال الثلاث وليست غيرها . أهـ [ شرح صحيح مسلم 12/56 ]
([7]) في جعبة العبد الفقير عدة إلزامات للخصوم , ولكن نكتفي بإلزام واحد اقتصاراً واختصاراً.
([8]) هذا هو لسان حال القوم !
([9]) حديث ضعيف الإسناد , ولكن صح في معناه أحاديث كثيرة كالحديث المتفق عليه : ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم ) , والحديث الذي أخرجه مسلم : (لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة ) وغيرها .
[/align]