<div align="center">معذرة رمضان</div>
<div align="left">عبدالله بن فريح البهلال</div>
واخجلتاه منك أيها الشهر الكريم!!
معذرة يا رمضان لقد أطرقت رؤوسنا خجلا، وعدت إلينا وقد غرقنا في ذلنا ..
معذرة يا رمضان!!! كنت تأتي قوما أعدوا العدة لاستقبالك، وفهموا سرك، وعرفوا مغزاك، فهم ينتظرونك ويترقبونك، ويتهيأون لك بالصلاة والصيام والتهيئة العبادية، كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يدركوا فضيلتك، ثم يدعونه باقي العام أن يتقبل منهم.
لقد علم هؤلاء أنك جئت لتعلمهم كيف يترفعون عن المظاهر الحيوانية التي غايتها الأكل والشرب وإشباع الغريزة، وعلموا أنك جئت لتعلمهم كيف يخرجون من شهواتهم النفسانية.
هذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يؤتى له بإفطاره وقد كان صائماً وفيه نوعان من الطعام، فيبكي! فيسأله أهله: ما يبكيــك؟ فيقول: تذكرت مصعب بن عمير مات يوم مات ولم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا رأسه بدت قدماه، وإذا غطينا قدميه بدا رأسه، ونحن اليوم نأكل من هذه الأنواع، وأخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا!!!
واليوم يا رمضان إلى من تأتي؟
إلى قوم ما عرفوا عنك إلا أنك شهر الجوع في النهار والشبع في الليل؟ إلى قوم ما عرفوا عنك إلا أنك شهر التنويع في الأطعمة والإكثار منها؟ إلى قوم لم يكن زادهم لاستقبالك إلا طعاماً وشراباً؟ أم إلى إعلامنا الصادق بوعوده؟! نعم إنه إعلام يعد بأن يعرض أجمل التمثيليات والمسلسلات لأشهر الساقطين والساقطات لماذا؟ لأنك شهر رمضان؟ ولا ينسى إعلامنا أن يعلمنا كيف نقدم أطباق الفطور والسحور، فكأنك يا رمضان جئت تعلمهم فنون الطبخ، وطرائق الأكل !!! وشعارهم: رمضان كريم!! فتمرد اللئيم على الكريم.
ثم لا أدري هل هناك تلازم بين رمضان وبين مسلسلات الساقطين.. لا أدري هل مردة الجن حين صفدت تولى عملهم مردة الإنس (أتواصوا به)؟
لماذا رمضان دون الأشهر الأخرى مظلوم؟
وا رمضاناه.. وا أسى قلبي عليك..
وا أسفاه على ما فرطنا في حقك..
حسابنا عند الله في ما جنت أيدينا عليك عسير..
لمن تشتكي يا رمضان..
لله يا رمضان تشكو ضيم أهلك في هذا الزمان..
ذهب الصالحون بما لديهم - عليهم رضوان الله - وبقينا نحن المسرفون..
كنت – يا رمضان- تطل على قوم أسهروا بالقيام ليلهم، وأظمأوا نهارهم، وأدركوا أنك موسم لا يعوض فبذلوا الغالي والنفيس.
سمعوا قول الله: {أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ} . فأرادوا ألا تضيع منهم.
كنت تنظر إليهم، وهم بين باك غلبته عبرته، وقائم غفل عن دنياه، وساجد ترك الدنيا وراء ظهره، وداع علق كل أمله في الله.
لقد صدق فيهم قول الله – تعالى -: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
واليوم على من تطل يا رمضان؟ هل تطل إلا على مساكين ليس في ليلهم إلا اللهو واللعب، هل تطل إلا على حمقى تركوا الصلاة وانشغلوا بهذه القنوات الفضائية؟ هل تطل إلا على كسالى غاية جهد أحدهم أن يصلي مع الإمام ثمان ركعات ثم ينصرف معجباً مزهواً وكأنه قضى حق العبادة، وفرغ من واجب الله عليه؟ هل تطل إلا على قساة القلوب، الذين يتولج القرآن سمعهم بكرة وعشية فلا تهتز له قلوبهم ولا تدمع له أعينهم؟
فوا حر قلباه! ممن لم يخرج من رمضان إلا بالجوع والعطش ..
ورغم أنفه في الطين والتراب من كان رصيده في رمضان من (الأفلام) و(المسلسلات)، وبرامج المسابقات!
سامحنا يا رمضان ... لقد قست قلوبنا! تحجرت أفئدتنا! قحطت أعيننا! لم نعد نحس بحلاوة الطاعة، ولا بجمال العبادة، ولا بأنس المناجاة!!!
معذرة يا رمضان ... هذه جراحنا ... هذا واقعنا الذي نعيشه. هكذا تبدلت الدنيا، وتغير الناس، واستحال الزمن زمنا آخر. هكذا نحن ... فهل نجد في أيامك ما يغير الحال؟ نرجو ذلك ...
منقول:
<img src='http://www.toislam.net/files/banar/134224.gif' border='0' alt='user posted image' />
...