السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتح ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وفتح
الأمم كالأفراد ، إذا أحست في كيانها فضلا من قوة ومزيدا من نشاط ، إتسع مجال حركتها ، وأمتد نطاق عملها .
وكما أن المرء الواسع الطاقه لا يهدأ ، بل يصرف الكامن من قواه في أي عمل يواتيه ، وقد يبحث عن المشاق إذا
لم يلقها في طريقه ، فكذلك الشعوب التي تضاعفت أنصبتها الماديه أو الأدبيه إنها لا تنحسر وراء حدودها إلا ريثما
تتجمع في فيضان دافق ، يكتسح السدود ، ويطم الآفاق . وتأريخ العالم يسجل ضروبا من المد والجزر لهذا الجهد
البشري المذخور ، زحف بعد زحف ، وفتح بعد قتح ، يقوم بعضه على التفوق العسكري المحض ، ويقوم البعض
الآخر على الرجحان الأدبي الخالص ، وقد يمتزج المعنيان بنسب متفاوته ، فيكون إتصال الأمم القويه بغيرها على
حساب الفضائل حينا ، وعلى أساس المنفعه المشروعه حينا آخر .
ولن نستقرىء في هذه الكلمه أنواع الفتوح التي تركت أثرا ذا بال في تأريخ العالم ، ولكن البون واسع بين الفتح
الأسلامي الأول ، والأستعمار الغربي الأخير .
وقد بدأت موجة المد الأسلامي من قلب الجزيره العربيه ، في بقعة من أرض الله لم تكن قبل الأسلام شيئا مذكورا
والعرب جنس له مزاياه النفسيه وخصائصه العقليه ، وما من جنس إلا وله محامد تذكر له ، إلا إننا نستطيع الجزم
بأن العرب - لولا الأسلام - ما كانوا ليقوموا بذرة من هذا الذي صنعوه للعالم بعدما أصبحوا حملة رساله وصناع
حضاره والحق أن هذا الأنبعاث الخطير جاء فوق سنن الحياة المألوفه ففي هذا المكان الصامت الموحش المعزول
عن المدنيات الصاخبه ومواكب العمران المائجه ، في هذا المكان شاءت العنايه العليا أن تظل ربع قرن تربي القبيل
الذي سيوجه الأجيال ، وتعبيء الجيش الذي سيهزم الأفيال .
وقد بوغتت الدنيا بأولئك العرب يخرجون من أعماق الصحراء في إعداد محكم متتابع أخذ يمتد حتى استوعب المعمور
من الدنيا يومئذ ، والعرب المنطلقون من صحرائهم لبثوا مع رسول الله نحو ربع قرن ، لقنهم فيها دروس السماء
النازله مع الوحي ، وزودهم بطاقات فكريه وعاطفيه جباره ، سمت بمستواهم المادي والأدبي حتى أصبحوا أعز جانبا
وأصح تفكيرا ، وأنقى قلوبا من جماهير الروم والفرس .
ومن الغفله أن تحسب إنتصار المسلمين الأوائل ضربا من التفوق العسكري المفاجيء ، فإن الذي يدرس كيف صاغ
الأسلام العرب وكيف أستهلكت الأنظمه الفاسده غيرهم من الأحياء يدرك أن كفة العرب كان يجب أن ترجح وان هذا
الرجحان مظهر لتطور العالم ، نحو حياة أرقى أو قل أنه عمر جديد لدنيا أشرفت على الأحتضار والأنهيار وثمة ظاهرتان
يلمحهما المرء في سير الفتح الأسلامي .
أولهما :- إنه مثالي مبرأ من المطامع ، فإن روح النبوه التي دفعته إشترطت أن يكون بعيدا عن مفاتن النفس وأدران
الشهوات ، روى أبو داود عن أبي هريره رضي الله عنه أن رجلا قال :- يارسول الله : رجل يريد الجهاد وهو يريد
عرضا من الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أجر له ، فأعظم ذلك الناس وقالوا للرجل : عد الى
رسول الله فلعلك لم تفهمه ، فقال الرجل : يارسول الله .. رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أجر له فأعظم ذلك الناس وقالوا : عد لرسول الله ، فقال له الثالثه :
رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضا من الدنيا ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا أجر له .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من غازية أو سرية تغزو في سبيل
الله فيسلمون ويصيبون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم ، وما من غازية أو سرية تخفق وتخوف وتصاب إلا تم أجرهم.
وفي رواية : (( ما من غازية أو سرية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمه إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخره
ويبقى لهم الثلث ، وإن لم يصيبوا غنيمه تم لهم أجرهم )) .
هذه التعاليم جعلت صلة الفاتحين بالبلاد التي دخلوها منزهه عن نيات الأستغلال ، بأعمال السلب والنهب التي
عرفت في شتى الفتوح .
والظاهره الثانيه :-
إن الفاتحين بذلوا جهودا متواصله لرفع الشعوب التي إتصلوا بها الى مستواهم المادي والأدبي ، فمحوا الأنظمه
الملكيه الفاسده التي سخرت الناس دهرا طويلا ، وأقاموا قواعد المعامله على أساس المساواة المطلقه واصبح
الأسلام والعمل به محور التفاضل والتقديم من غير نظر الى أجناس أو ألوان .
بل أن عواصم الأسلام نفسه إنتقلت من البلاد التي نبت فيها الى البلاد التي إستقبلته محررا ثم أعتنقته بعدئذ دينا
وأضحى أهلها أعطف على الأسلام وألصق به من العرب أنفسهم ، كما قلنا آنفا إنه الفرق بين الفتح الأسلامي
الأول والأستعمار الغربي الأخير بكل صوره وأشكاله .
مقال قرأته فأعجبني ونقلته لكم
بقلم فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
أخوكم الرافدين