السلام عليكم -- وبعد :
************************************************** ************
كثيرا ما يتكلم المربون والمدرسون عن قيمة الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك وأن الوقت هو الحياة. وأن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة. ولكن قلما يهتدي الأبناء والمنصوحون إلى الطريقة المثلى في حفظ الأوقات والانتفاع بالساعات.. وإنك ترى بعض الناس تمر بهم الساعات والأيام والسنون وهم هم إن لم ينقصوا لم يزيدوا ولم يزدادوا علما ولم يؤسسوا مجدا ولم ينالوا خيرا ولم يحققوا فخرا.
وأول توجيه ينبغي أن يغرسه المربي في نفوس طلابه وأبنائه الاهتمام بقيمة الوقت والغيرة على فواته أو تضييعه لأن المضيع لوقته مضيع لحياته كلها وفي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: منها: "وعن عمره فيما أفناه " (رواه الترمذي).. وأنه ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وينادى أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم الوعيد.
وثاني توجيه لحفظ الأوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلاء والعلماء الذين ما بلغوا ذرى المجد والرفعة إلا باستغلال أوقاتهم والحرص على عدم تضييعها، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ". وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم ".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وثالث توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم يأتي من حفظ العبادات فالمسلم يصلي الصلاة لوقتها لقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} أي فرضا مكتوبا وموقوتا بأوقات محددة. وبالمحافظة على الصلاة لوقتها يغرس المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت.
ورابع توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم واستثمارها فيما يعود بالنفع عليهم إشغالهم بالطاعات والأعمال الصالحة كحفظ القرآن وحفظ الأحاديث الشريفة وحضور مجالس العلم والتسامي بالطاعات من صلاة وصيام والاهتمام بتربية الجسم بممارسة الرياضة المفيدة. ويجمع ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك ".
من وصايا الصالحين في تربية الأبناء
وصية لقمان لابنه:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي احذر الشرك في عبادة الله كدعاء الأموات أو الغائبين أو اعتقاد النفع والضر في أحد المخلوقين. ثم يقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} وفي هذه الوصية يقرن الله سبحانه وتعالى يين عبادته وحده وبين البر بالوالدين لعظم حقهما ولكبير فضلهما فالأم حملت ولدها بمشقة والأب تكفل بالإنفاق فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه ثم يحذر لقمان الحكيم ابنه من الظلم فيقول: "يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" قال ابن كثير أي أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل احضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ويجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ثم يأمره بالصلاة التي هي عمود الدين "يا بني أقم الصلاة" أي أدها بأركانها وواجباتها بخشوع ثم يأمره بالدعوة وهداية الناس {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} بلطف ولين بدون شدة ولما كان من طبيعة الدعوة حصول المشاق والتعرض للأذى والإعراض أوصاه بالصبر على دعوة الناس {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
ثم أخذ ينصحه بمجموعة من الفضائل والأخلاق:
"ولا تصعر خدك للناس " قال ابن كثير لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم.
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} أي خيلاء متكبرا جبارا عنيدا لا تفعل ذلك فيبغضك الله.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي مختال عجب في نفسه فخور على غيره.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ولا بالسريع المفرط بل عدلا وسطا بين وبين. لأن خير الأمور الوسط.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ولهذا قال: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" قال مجاهد إن أقبح الأصوات لصوت الحمير أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ومع هذا هو بغيض إلى الله وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم. إن وصية لقمان الحكيم لابنه هي وصية كل أب غيور على أبنائه لما تحمله من توجيهات كريمة وآداب راقية.
ولكم مني كل التحية و التقدير محبكم ( أبو مازن )