ويؤمر الأزواج ممن يخافون نشوزهن بالموعظة والهجر في المضاجع والضرب غير مبرح: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34].
ولا بد للزوجين المريدين للإصلاح أن يصلحا ويوفق الله بينهما كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرً} [النساء: 35].
فأنت أيها الزوج المريد للفراق ترفق وتأمل في العواقب قبل أن تقدم على الفراق. ورويدك يا صاحب القرار حتى تهدأ النفس الثائرة، وتسكن العواطف المتأججة، وتنطفئ نيران الغضب المحرقة.. وأنتن أيتها النساء اتقين الله في طاعة أزواجكن، وإياكن أن تخرجن الأزواج عن أطوارهم بسلوك مشين أو منطق سقيم، وإياكن أن تفهمن حسن العشرة من الأزواج ضعفاً، والعفو عن الزلة غفلةً وبلهاً، والرفق بالقوارير جهلاً كلا.. إنها أخلاق الكرماء، ومروءة النبلاء والحقوق الواجبة تؤدي.. وتضعها النساء العاقلات موضعها اللائق بها، والصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.
فليس من مستلزمات دعائم الأسرة أن تستنوق الجمال، ولا أن تترجل النساء، ولا أن تضيع قوامة الرجال على النساء، وكفى بالقرآن حكماً: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
ومصيبة أن تستلب النساء حقوق الرجال في الرعاية والتوجيه والأمر والنهي واتخاذ القرار، وتسترخي في حقوقها اللازمة لها من حسن العشرة أو واجباتها المنزلية، أو المساهمة في إصلاح الذرية.
نموذجان فيهما العبرة والقدوة:
ويسوق لنا الدكتور العودة في ختام تناوله نموذجين للأسرة المسلمة فيهما عبرة وقدوة:
الأسرة الأولى:
سيدة من سادات نساء العالمين وبنت سيد المرسلين وزوجها رابع الخلفاء الراشدين، أخرج ابنُ سعدٍ بسنده عن علي رضي الله عنه أنه قال يوماً لزوجته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم: لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي فأذهبي فاستخدمي، فقالت فاطمة: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما جاء بك يا بنية؟"، فقالت: "جئت لأسلم عليك"، واستحيت أن تسأله، ورجعت، فأتياه جميعاً، فذكر له عليٌّ حالهما، قال: "لا والله لا أعطيكما وأدعُ أهل الصفة تتلوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم"، فرجعا فأتاهما، وقد دخلا على قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤوسهما، فثارا، فقال: "مكانكما، ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟"، فقالا: "بلى"، فقال: "كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين"، قال عليٌ "فوالله ما تركتهما منذ علمنيهن"، قيل له: "ولا ليلة صفين؟"، قال: "ولا ليلة صفين".
أما النموذج الآخر ففيه بنتُ الصديق، ذات النطاقين، وزوجها حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين. أخرج ابن سعد أيضاً بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "تزوجني الزبير وما له في الأرض مالٌ، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه وأدق لناضِحه، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير…." الحديث.
هذه نماذج لأسر كريمة عاشت سعيدة وماتت كريمة، عرف الأزواج واجباتهم فقاموا بها، وعلمت النساءُ ما عليهن فأدينها لم تلههم طغيان الدنيا عن الحياة الأخرى، ولم يستكبروا عن الخدمة وهم من خير البرية.متابعة: سليمان الصالح