الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين
تعد الأسرة أولى المؤسسات الاجتماعية للطفل ذي الاحتياجات الخاصة. حيث توفرله الرعاية الأسرية المتمثلة في الكيان الأسري. و العلاقات الأسرية المتوافقة و الأدوار الاجتماعية السليمة بين أفرادها لها آثار بالغة الأهمية للحياة النفسية المتبادلة بين الآباء و الأبناء و خاصة في مرحلة الطفولة و هي مرحلة البناء النفسي و اكتشاف الحالة.
إن اكتشاف الحالة يعد البداية لسلسلة طويلة من الضغوط و الجهود و المحاولات و السعي الحثيث لتوفير أفضل فرص ممكنة للطفل . إلا أن المعلومات عن الإعاقة و طرق المساعدة قليلة جداً. إضافة لذلك فإن الأهل عند اكتشاف الحالة يكونون في حالة صدمة و غير قادرين على التفكير السليم . لذا فإنهم بحاجة لمن يدلهم على الطرق التي يمكنهم استخدامها لمساعدة ابنهم و عدم الاعتماد على جهودهم الفردية في البحث.
تكمن ضرورة الإرشاد في أنه يدل الأهل على الخيارات الطبية و العلاجية و التربوية و الاجتماعية المتوفرة و يدلهم أيضاً على كيفية الحصول على المعلومات و المشاركة الفاعلة في تدعيم صورة إيجابية عن ذوي الاحتياجات الخاصة و إيفائهم كافة الحقوق التي تكفل لهم حياة كريمة. و من هذه الحقوق حصولهم على مهن تتناسب مع قدراتهم و تمكنهم من العيش باستقلالية و توفير خدمات اجتماعية تساعد في تحقيق هذه الحياة لهم.
و لا يقتصر دور الإرشاد على توضيح كيفية التعامل مع الطفل ذي الاحتياجات الخاصة فقط بل يشمل توضيح أهمية دور الأبناء و تقبلهم لوجود أخ باحتياجات خاصة في المنزل على هذا الأخ . و في سبيل ذلك يقوم الإرشاد بتوضيح كيفية التعامل مع احتياجات الإخوة و الأخوات و المشاكل التي يواجهونها.
في هذه الورقة ، سيتم استعراض المراحل النفسية التي تمر بها الأسرة و عرض احتياجاتها و المواقف التي تواجهها و أنواع الإرشاد اللازم لها لتتمكن من تجاوز هذه المشاكل. كما سنتطرق إلى تفعيل دور المساجد في التنمية الاجتماعية لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة و ذويهم و تحقيق التكافل الاجتماعي لهم.
إرشاد أسر ذوي الاحتياجات الخاصة
تقبل الحقيقة:
الحالة الأولى:
تتوقع الأسرة قرب ولادة مولودها البكر، تترقب بشوق هل هو صبي أم فتاة؟ يشبه من أمه أم أباه ؟ ماذا سنسميه؟ هل نقوم بتجهيز حجرة منفصلة له ، أم ننتظر حتى ينهي عامه الأول؟ أي لون سنستخدم لطلاء حجرة الطفل؟ هل سنشتري له سرير ، ما لونه و من أي حجم؟ ثم تُفاجأ الأسرة بطفل معاق.
الحالة الثانية:
أسرة مكونة من الوالدين و طفلين تكتشف الأسرة عندما يبلغ ابنهم الثاني عامه الثالث بأنه معاق.
الحالة الثالثة:
أسرة مكونة من الوالدين و سبعة أفراد ، بتعليم و دخل محدود ، تنجب الأم الطفل الثامن معاق.
قال تعالى:" واصبر على ما أصابك إن ذلك لمن عزم الأمور" (لقمان آية 17)
في جميع الحالات السابقة تكون ردة الفعل واحدة ، الصدمة و الإدراك و الدفاع و من ثم تقبل الحقيقة. ( Hardman:76)
الصدمة :
هي أول ردة فعل للأسرة عندما ترزق بمولود باحتياجات خاصة، تتميز هذه الصدمة بمشاعر القلق، الشعور بالذنب ، الارتباك، العجز ، الغضب ، عدم التصديق ، الإنكار و القنوط ( فقدان الأمل)، و بعض الأهل يغوصون في مشاعر من الحزن العميق و الحيرة و انعدام القدرة على التفكير و الشعور بالحرمان و فقدان شيء عزيز، و في هذه الأوقات تكون الأسرة بأمس الحاجة للدعم و الإرشاد، فتوعيتهم بفرص أبنائهم العلاجية و التعليمية و الاجتماعية هي من أكبر العوامل المؤدية إلى تجاوز الأهل لهذه المرحلة . إلا أن الإرشاد يجب أن يعي مراعاة مشاعر الأسرة و التأكد من وعي الأسرة إلى أن هذه الإعاقة لم تكن نتيجة لإهمال من قبلهم و الابتعاد عن استخدام ألفاظ توحي بالأمر من ضروريات مساعدة الأسرة في تقبل الحقيقة .
الإدراك:
في هذه المرحلة قد يشعر الأهل بالخوف أو القلق من عدم قدرتهم على أداء الأدوار المتوقعة منهم بالشكل المناسب مما يجعلهم شديدي الحساسية و يقضون أغلب أوقاتهم في الحسرة و الحزن على حالهم و ندب حظهم ، إلا أنهم سيدركون وجود شخص بحاجة لعناية مختلفة في المنزل .
الانسحاب الدفاعي:
في هذه المرحلة يتجنب الأهل تصديق الواقع المؤلم بالنسبة لهم فبعضهم يسعى لإيجاد سكن داخلي للطفل أو ينقطع عن زيارة الطفل في المستشفى، كما يشهد الأهل في هذه المرحلة محاولة التهرب من مواجهة الأقارب.
تقبل الحقيقة:
قال تعالى:" ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه و الله بكل شئ عليم" (سورة التغابن:آية11) ، في هذه المرحلة يتقبل الأهل الواقع و يبدأون في شحذ طاقاتهم لمساعدة الطفل، فقد أدركوا احتياجاته و تفهموا حالته و بذلك بدأوا يسعون لتعلم المزيد عن طرق المساعدة و التفاعل أكثر مع البرامج المساندة، هنا يبدأ الأهل في العمل من أجل الطفل و ليس أنفسهم و يبدأ البحث الفعلي عن إيجاد فرص تعليمية و طبية و علاجية و برامج تدريبية و فرص اجتماعية و مهنية.
لا توجد طريقة واحدة لتفاعل الأسر مع وجود طفل باحتياجات خاصة، فردة فعل كل أسرة تعتمد على التكوين النفسي للأسرة و مدى الإعاقة و كمية الدعم الذي تتلقاه الأسرة من الأقارب والأصدقاء والأخصائيين، و على الرغم من وجود بعض التشابه في ردود الفعل إلا أن الأسر التي تتمتع بوضع اقتصادي و اجتماعي و أسري مريح تكون في الأغلب أقدر على التعايش بشكل فعال مع وجود ظروف خاصة بينما تعاني الأسر ذات الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والأسرية السيئة من مزيد من الضغوط و المشاكل و عدم القدرة على التكيف.
خصائص العلاقات الأسرية:
لنتمكن من دعم الأسر و إرشادهم يجب علينا أولاً أن نتفهم خصائص الأسر.
لقد أثبتت الدراسات أن أسر الأطفال العاديين أكثر استقراراً و أقل تعرضاً للضغوطات من أسر الأطفال المعوقين ( الروسان: 675) إن تواجد طفل باحتياجات خاصة في المنزل يؤثر بشكل كبير جداً على نمط حياة الأسرة و بالأخص حياة الأم. ففي أغلب الأسر تكون الأم هي محور التفاعل مع الأطفال عموماً، لذا فهي معرضة أكثر من غيرها للضغوط و الصدمات، وفي مجتمعاتنا تعاني الأم أيضاً من اللوم المباشر أو غير المباشر من قبل الأقارب و المجتمع و أحياناً الزوج أيضاً. فالمجتمع و الأقارب يكونون أحياناً غاية في القسوة على أهل الشخص المعاق و يتهمونهم أحياناً بعدم السعي بشكل جدي لمساعدة أبنائهم أو أنهم هم الذين تسببوا في الإعاقة، أما الأب فإنه يكون أحياناً عامل ضغط على الأم عندما يلقي باللوم عليها و يقلل من قيمة مجهودها أو يحبطها بعدم الجدوى من بذل الجهود لمساعدة الطفل.
نتيجة للأعباء الإضافية للأم فإنها قد تصبح غير قادرة على أداء أغلب المهام التي كانت تؤديها من قبل. عندها فإن باقي أفراد الأسرة يصبحون ملزمين بأداء مهام أكثر، بالإضافة إلى أن الأسرة إذا كانت تعاني من وضع مادي صعب فإن احتياجات هذا الطفل ستكون عبء إضافي يسبب ضغوط إضافية.
عندما يكبر الطفل فإن الأم تعاني من التوازن بين فطرتها الأساسية التي تدعوها إلى حماية ابنها و حاجته للاستقلال و تجريب سلوكيات جديدة ، خاصة عندما تشاهده يتألم و يفشل لمرات متعددة، في هذه المرحلة تكون الأسرة في بحاجة لدعم من أسر أخرى مرت بنفس التجربة وإرشاد فني متخصص، و دعم من مؤسسات المجتمع في توفير حياة مستقلة للمعاقين.
توفر الأم للطفل ذي الاحتياجات الخاصة وسيلة لتوصيل احتياجاته و تنفيذ رغباته، مما يجعل الأم مشغولة عن باقي أفراد الأسرة و يؤدي بهم ذلك إلى البحث عن مصادر أخرى للتفاعل مع احتياجاتهم كالأصدقاء أو الإخوة و الأخوات الأكبر سناً، مما يؤدي إلى إعطاء سلطة أكبر للأبناء.
من غير المنصف استبعاد مشاعر الأب فعلى الرغم من أن الأم بفطرتها تلعب دوراً أكبر في تربية الأبناء و الاهتمام بكافة أفراد الأسرة ، فإن الأب يلعب دوراً إيجابياً و فعالاً إذا قرر المشاركة في تحمل بعض المسؤوليات و تقديم الدعم المعنوي للأم، بالإضافة إلى ذلك فإن اهتمامه و حبه ضروريان جداً لإشعار الطفل بالتقبل و إشراكه في العديد من الأنشطة الاجتماعية التي تعجز الأم عن دمج ابنها فيها مثل المناسبات الاجتماعية و الذهاب إلى المسجد.
ردود فعل الإخوة:
إن ردود فعل الإخوة و الأخوات إذا علموا بإضافة طفل باحتياجات خاصة للأسرة ، لا تختلف كثيراً عن ردود فعل الوالدين، و تتمثل في الخوف و الغضب و الرفض و غيره، إلا أنهم تشغلهم بعض التساؤلات التي قد لا تجد من يتجاوب معها، مثل: ما هو سبب الإعاقة؟ لماذا لا يستطيع الأخ/ الأخت التصرف بشكل طبيعي؟ لماذا لا يتم معاقبة الأخ/ الأخت على التصرفات الممنوعة؟ لماذا تهتم أمي بأخي/ أختي أكثر مني؟ كيف أتعامل مع أصدقائي عندما يعلمون بأن لي أخ/ أخت معاق؟ من سيهتم بأخي في حالة وفاة الوالدين؟
على الرغم من أن بعض هذه التساؤلات لا تأتي إلا لاحقاً، إلا أنها تمثل مصدر حيرة وقلق للإخوة منذ سن مبكرة و الذين يتقبلون الحقيقة في نهاية المطاف، و لكن هناك بعض العوامل التي قد تؤدي إلى تكوين صورة سلبية عن الأخوة ذوي الاحتياجات الخاصة و بالتالي صعوبة في تقبلهم هذه العوامل هي : Hallahan:508) (
o تقارب السن بين الإخوة يجعل الفروق في القدرات أكثر وضوحاً و محاباة الوالدين أكثر غموضاً بالنسبة للأطفال.
o أن يكون الأخ أو الأخت ذو الاحتياجات الخاصة من نفس الجنس حيث " يتسم الأخوان المتماثلين في الجنس بمستويات عالية من الصراع ، و قد يعود ذلك لكونهم متشابهين مع بعضهم البعض" ( بيكمان: 199)
o إذا كان هناك أخ أو أخت أكبر للطفل ذي الاحتياجات الخاصة فإنه يعاني من ضرورة المشاركة في الاعتناء بالأخ ذي الاحتياجات الخاصة مما يعيق الأخ الأكبر من المشاركة في الحياة الاجتماعية على النحو الذي يرغب به.
إرشاد الأسر ذات الاحتياجات الخاصة:
بعد تقبل الأسرة لوجود طفل باحتياجات خاصة فيها، فإن أهم عامل في مدى فاعلية تعايشها مع هذا الطفل يكمن في نوعية الخدمات الإرشادية المقدمة للأسرة، فالأهل يرغبون في توفير أفضل حياة ممكنة لأبنائهم، إلا أنهم لا يعرفون بنوعية الخدمات المتوفرة و كيفية الحصول عليها.
إن هدف الإرشاد يتمثل في التأكد من أن ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة و ذويهم يحصلون على أفضل مستوى معيشي ممكن و يتمتعون بفرص تعليمية عالية المستوى و رعاية صحية و اجتماعية مناسبة، لذا فإن من واجبات الإرشاد التأكد من زيادة فاعلية الخدمات المقدمة.
مراحل الإرشاد:
عند اكتشاف الحالة تمر الأسرة بمجموعة من ردود الفعل قد تكون الأصعب بالنسبة لهم، لذا تكون الأسرة بحاجة لدعم و إرشاد أكثر من أي وقت أخر--- يتمثل هذا الإرشاد في تفهم وضع الأسرة و الحالة التي تمر بها و الاستجابة للحاجات النفسية و مساعدتهم على تقبل الحالة و كيفية التعامل مع الظروف النفسية التي يمرون بها، و إعلامهم بالخدمات المتوفرة و الخيارات المتاحة و كيفية الوصول للخدمات و أنواع الدعم المتوفرة كما يحرص مقدم الإرشاد على الحصول على معلومات عن الحالة و الوالدين و وضع الأسرة، و مناقشة مشاكل الأسرة و اقتراح الحلول كتوفير خدمات نفسية أو مناقشة مشاكل الأخوة في المدارس.
بعض ردود فعل الأهل و الإرشاد الممكن (aldwlyaldwlyaldwlyaldwly, Tessier, Klein: 1992)
المرحلة : صدمة ، عدم التصديق ، إنكار
ردة فعل الأهل
o تأجيل تصديق الواقع
o العمل بجد لتطوير الحالة
o الخجل، الاحساس بالذنب، انعدام الثقة بالنفس، الاكثار من استشارة الأطباء
ردة فعل الإرشاد
o الانصات والقبول
o العمل مع الأسرة
مرحلة الغضب و الرفض:
ردة فعل الأهل
o تحويل الغضب للذات
o الشعور بالاحباط من مقدمي الخدمة
ردة فعل الإرشاد
o تشجيع الأهل على التحلي بالصبر
o أعطاء الأهل بعض المهام
o أعطاء الأهل نماذج ايجابية لدور الأهل
مرحلة محاولة تغيير الواقع
ردة فعل الأهل
o تأجيل تصديق الواقع
o العمل بجد لتطوير الحالة
ردة فعل الإرشاد
o اظهار تفهم لحالة الأهل
o ايضاح أن مشاعر الأهل طبيعية
o التواصل بصدق وصراحه
مرحلة الاكتئاب والاحباط
ردة فعل الأهل
o الشعور بعدم جدوى مجهودهم
o العجز
o الحزن على عدم وجود طفل طبيعي
ردة فعل الإرشاد
o التركيز على الايجابيات
o التأكيد على أن الجهود ستثمر
o تزويد الأسر بخدمات متخصصة في مجال الارشاد الأسري
مرحلة تقبل الحقيقة
ردة فعل الأهل
o ادراك أحتمالات المساعدة
o تنظيم الوضع الأسري
o تقبا فكرة العمل الفعلي من أجل الطفل
ردة فعل الإرشاد
o تشجيع التعامل مع أسر أخرى
o تعليم طرق أخرى للتفاعل
o مدح الأهل عند ملاحظة أدنى تطور
إرشاد لتنسيق الخدمات و توفير الاحتياجات:
لقد بدأت الأسرة تتقبل وجود طفل باحتياجات خاصة في المنزل، و الآن ترغب في الحصول على أفضل خدمات ممكنة، يجب على المرشد في هذه المرحلة إطلاع الأهل على التكنولوجيا المتوفر لمساندة الطفل و التأكد من صلاحية هذه الأجهزة كالسماعات مثلاً.
تقدم الأسر طلبات للحصول على مساندة فنية كالحصول على أجهزة أو مساعدة في المشكلات اليومية مثل النوم أو التغذية أو التحويل من أجل الحصول على خدمات إضافية و تتيح هذه الفرصة مهمة لبناء الثقة، فمع احترام الالتزامات و تلبية الحاجات، تبنى الثقة. (بيكمان:87)
يعرف تنسيق الخدمات على أنه :نشاطات تنفذ لمساعدة الطفل المستفيد من تلك الخدمات و تمكينه و أسرته من الحصول على الحقوق و الضمانات الإجرائية و الخدمات .(بيكمان:80)
و مهمة تنسيق الخدمات تشمل تنسيق التقييمات المتعلقة بالطفل و الأسرة، و الوصول للخدمات العلاجية و مساعدة الأسر في التعرف على الخدمات المناسبة و الوصول إليها، وعلى منسقي الخدمات التأكد من حصول الطفل على كافة التقييمات التي يحتاجها للحصول على الخدمات المناسبة فيوفر على الأهل الجهد و المعاناة. كما أنه يخطط للخدمات و ينسق بين مواعيدها و ينسق بين الأهل و مقدمي الخدمات و يسعى لحل الأزمات. كما أن من مهامهم التأكد من أجراء خطة فردية خاصة و تطوير هذه الخطة لتتناسب مع احتياجات الطفل المتنامية.
وإحدى أهم الوظائف التي يقوم بها منسقو الخدمات تتمثل في إعلام الأهل بحقوقهم و بوجود تجاوزات قانونية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
إرشاد مهني :
يتمثل الإرشاد المهني في مساعدة الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة على إيجاد وظائف تكفل لهم الاكتفاء و الإحساس بقيمة أدائهم للمجتمع، لذا وجب على المجتمع توفير إرشاد مهني لهم ليمكنهم من استغلال طاقاتهم و توفير حياة كريمة له يحصدون فيها نتيجة أعمالهم و جهودهم، و لا يتوقف هذا الإرشاد على تحفيز مؤسسات المجتمع على توفير الوظائف لذوي الاحتياجات الخاصة بل يتعداه إلى متابعة أعمال الأفراد و مستوى أدائهم و التفاعل الإيجابي مع احتياجاتهم، كتوفير مواصلات.
إرشاد اجتماعي:
إن من أهداف التربية الخاصة مساعدة الأفراد على العيش باستقلال. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه بدون توفر أهل واعيين و إرشاد متيقظ لاحتياجات الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، و يتمثل هذا الإرشاد في توفير وظائف تتناسب و قدرات الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة و السعي لتوفير مساكن رعاية لهم بحيث يسكن مجموعة منهم في وحدة واحدة مع مرشد يقوم بمساعدتهم على تدبر شؤون حياتهم اليومية و التأكد من ذهابهم لأعمالهم في الأوقات المحددة أو تناولهم للأدوية أو تقديم الخدمات المناسبة عند الحاجة.
إرشاد الإخوة:
إن أسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تعاني بالإضافة لتربية طفل باحتياجات خاصة من أعباء تربية أطفال آخرين ، و كثيراً ما تشتكي من المشاكل التي يمر بها الإخوة و الأخوات في حياتهم اليومية و ما يعانونه من ضغوط نتيجة لتراكم مسؤوليات إضافية عليهم.
إن إخوة و أخوات الطفل ذي الاحتياجات الخاصة يمرون بمجموعة مختلفة من المشاعر التي تتراوح بين الحب و الكره، المنافسة و الولاء. فهم يمرون بتجارب إما أن تقرب أفراد الأسرة أو تبعدهم عن بعضهم البعض ، تتمثل هذه التجارب فيما يلي:
o مضايقات في المدرسة .
o الشعور بالغيرة من الطفل ذي الاحتياجات الخاصة .
o التمرد على الأسرة لمحدودية الفرص الترفيهية المتاحة .
o عدم انتظام عادات النوم و الشعور بالإرهاق في المدرسة .
o وجود صعوبة في إكمال الواجبات نتيجة لانشغال الوالدين .
o الشعور بالإحراج من تصرفات الإخوان في المواقف الخارجية نتيجة للنظرة السلبية من المجتمع .
توفر علاقات الإخوة تفاعلاً جديراً بالاعتبار مع قضاء الإخوة كثيراً من الوقت معاً، و تستمر علاقات الإخوة في إتاحة الفرصة لتعلم العديد من المهارات الاجتماعية المهمة مثل المحاورة ، و التفاهم ، و حل النزاعات.(بيكمان: 198) و هذا ما يجعل دور الإخوة و إرشادهم ضروري لمساعدتهم على لعب دور إيجابي في تطور الأخ ذي الاحتياجات الخاصة و تفهم ظروفه و نموهم هم كأفراد بشكل سوي و طبيعي، و على الإرشاد أن يعي أهمية دور الإخوة و احتياجاتهم و يهيئ الأسرة للتفاعل معها. إذ أن دعم الوالدين و تفهمهم لاحتياجات الإخوة عامل فعال في مساعدتهم على التغلب على مشاعرهم و تجاوز الأوضاع الناتجة عن العناية بطفل ذي احتياجات خاصة. و فيما يلي بعض المشاكل التي يمر بها الإخوة و إرشاد الأسر لكيفية التعامل معها:
محدودية الوقت و الرعاية من قبل الوالدين:
يشعر بعض الإخوة بالغيرة من الطفل ذي الاحتياجات الخاصة لأنه مركز اهتمام الأسرة مما يسبب لهم تدنٍ في الصورة عن الذات، لذا فإن على الوالدين وضع احتياجات الإخوة أولاً في بعض الأحيان و تحديد وقت خاص بهم و محاولة عدم التنازل عن هذا الوقت بأي حال كما أنه من الأفضل أن يوفروا خيارات رعاية أخرى للطفل ذي الاحتياجات الخاصة كوضعه عند الجدة أو الخالة.
لوم الذات:
" تكون للأطفال الصغار الذين لهم إخوة ذوو حاجات خاصة ردود فعل خاصة إلى حدٍ ما لأنهم يواجهون صعوبة في استيعاب المعلومات المتعلقة بالإعاقة ……فقد يعتقد الأطفال الصغار أن شيئاً ما قد فعلوه أو فكروا به يكون قد سبب الإعاقة" (بيكمان: 203) في هذه الحالة يجب على الأهل استخدام الصراحة التامة مع الأطفال و توضيح أن ما من شخص يمكن لومه على وجود هذه الصعوبات. على الإرشاد أيضاً أن يوضح للأهل أن مدى تقبل الإخوة للطفل ذي الاحتياجات الخاصة يعتمد على مدى تقبل الوالدين و نمذجة هذه المشاعر للأبناء، لذا فإن عليهم أن يوضحوا للإخوة المميزات التي يتمتع بها الأخ ذو الاحتياجات الخاصة. ومن الممكن أن يقوم الإرشاد بتعريف الإخوة على مجتمعات لذوي الاحتياجات الخاصة و الانخراط في أعمال مساندة لهذه المجتمعات.
الخوف من مجابهة الأصدقاء :
قد يشعر الأطفال بالخجل من أخوتهم الذين يعانون من ظروف خاصة فلا يستطيعون أن يسمحوا لأصدقائهم أن يزوروهم في المنزل، وعلى الإرشاد في هذه الحالة أن يوضح للأسرة ضرورة مناقشة هذه الأمور مع الإخوة مسبقا ً، و تحديد كيفية شرح وضع الأخ لهم، كما أنه من الممكن تنظيم زيارات للأصدقاء في الأوقات التي يكون فيها الأخ في جلسات علاج أو غيرها من الخدمات التي يتلقاها، وعلى الأهل أن يعوا أن للإخوة حياتهم الخاصة التي لا يرغبون في دمج أخيهم ذي الاحتياجات الخاصة فيها ، و على الأهل احترام هذه الرغبات.
مواقف المصادمة:
قد تمر الأسرة بمواقف تسبب ضغطاً حاداً جداً ، خاصة عندما يتسبب الأخ أو الأخت ذو الاحتياجات الخاصة في إتلاف ملكيات أحد الإخوة ، وعلى الأسرة توقع حدوث ذلك و وضع أنظمة تحد من حدوث مثل هذه الحوادث ، كحث جميع أفراد الأسرة على إغلاق حجرهم و تزويدهم بمفاتيح لها، و يستحسن أن توفر الأسرة حياة اجتماعية آمنة للإخوة يلجأون لها في حال كانت الأوضاع الأسرية مشحونة جداً أو تشهد الكثير من الضغوط. و قد يكون من المفيد أيضاً المحافظة على روح الدعابة و مساعدة الإخوة على تفهم عدم مسؤولية الأخ عن تصرفاته.
عدم كفاية الأنشطة الأسرية:
يعاني إخوة الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة من حرمانهم من مزاولة الكثير من الأنشطة التي يمارسها أقرانهم من نفس العمر و في هذه الحالة على الإرشاد أن يدل الأسرة على العديد من الأنشطة التي بإمكان كافة أفراد الأسرة ممارستها و دمجهم مع أسر أخرى تعاني من نفس الأوضاع.
الشعور بالذنب من الانفعال على الأخ ذي الاحتياجات الخاصة:
على الأسرة توقع حدوث ذلك و عدم لوم الأخوة على مشاعرهم، فالمشاعر القوية تعتبر جزءاً من العلاقات الأخوية المتينة، وعند حدوث مصادمة بين الأخوة على الأسرة أن تشارك في محاولة توضيح وجهات النظر و مساعدة الأخ على تجاوز هذه المشاعر و تدريبه على طرق للمساعدة في الرعاية و تقدير هذه المساعدة ليتمكن من أن يغفر لنفسه انفعاله.
الشعور بالإحراج من مرافقة الأخ ذي الاحتياجات الخاصة في الخارج:
إن نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة تؤثر بشكلٍ مباشرٍ في مشاعر الأخوة تجاه أخيهم ذي الاحتياجات الخاصة . فكلما كانت المشاعر سلبية كلما ازدادت صعوبة تقبل الأطفال لإخوتهم، وعلى الأسرة شرح أن إعاقة الأخ ظاهرة بينما توجد إعاقات شخصية غير ظاهرة لدى العديد من الأفراد. و أن هذه الإعاقة لا تقلل من حب أفراد الأسرة للأخ مع مساعدة الإخوة على التواجد مع أخيهم في أوضاع اجتماعية يكون الأخ فيها مقبول و مقدر. كما يجب على الأسرة تفهم مشاعر الأخوة و السماح لهم بالتجول بمفردهم بعض الأوقات.
المضايقات المدرسية:
يميل الأطفال عموماً إلى إيجاد نقاط ضعف في واحد أو أكثر من أفراد المجموعة و يقومون باستغلالها ومضايقة الأطفال أصحاب هذه "العيوب" ليثبتون أنهم أقوى، و وجود أخ باحتياجات خاصة يعتبر أحد نقاط الضعف التي يستخدمها باقي الأطفال، على المرشد تهيئة الأهل لهذا الاحتمال و حثهم على تعويد أبنائهم على كيفية الرد على تعليقات الأطفال و كيفية التعامل معها. كما يفضل أن يقوم الأهل بالتفاهم مع المدرسة و التواصل معها قبل حدوث المضايقات ، وعند وجود حالة خاصة في المنزل و رغبة الأهل أن تقوم المدرسة بالمساعدة في بث انطباعات إيجابية عن ذوي الاحتياجات الخاصة فإن للمعلمين و المعلمات دوراً فعالاً جداً في مساعدة الأطفال على التغلب على هذه الأفكار السلبية نحو الإعاقة و النظرة للذات و عدم القلق من ردود فعل الأصدقاء و تقبل كافة أفراد المدرسة للطفل المعاق.
دور المساجد في الإرشاد الاجتماعي لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة:
تحتل المساجد مكانة عالية في نفوس المسلمين فهي مركز اللقاء اليومي للمسلمين أبناء الحي الواحد خمس مرات يومياً. لذا فإن دوراً كبيراً يلقى على عاتقها في توفير مناخ اجتماعي مترابط في الحي، فإقامة الصلاة و التعريف بالدين و الشريعة و تحفيظ الأطفال القرآن ليست هي الأدوار الوحيدة للمساجد، فدورها يتعدى ذلك إلى تنسيق العمل الاجتماعي في الحي لخدمة كافة أفراد الحي و المساعدة في التعريف باحتياجاتهم و القيام بدور ريادي في تلبية هذه الاحتياجات و المساعدة في توفير فرص العمل الخيري المحلي الداعم و العمل التطوعي لجميع أفراد الحي. فكم من ربة منزل ترغب في المشاركة بالأعمال الخيرية و تمنعها ظروفها العائلية و المادية و بُعد الجمعيات الخيرية.
إن المساجد عندما توفر فرص العمل الخيري لأبناء الحي لخدمة أفراد الحي فهي بذلك تساهم مساهمة فاعلة في توفير التكافل الاجتماعي الذين أمرنا به الله سبحانه و تعالى.
قال تعالى:"إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون" ( الأنبياء آية 92)
إن الأسر التي تعتني بطفل ذي احتياجات خاصة أو شخص مريض مرض مزمن أو الأسر التي تعاني من أوضاع مالية محدودة لهي بأمس الحاجة إلى المساعدة، كما أن العديد من أفراد المجتمع على أتم الاستعداد لبذل الجهد في سبيل كسب رضى الله عن طريق تقديم المعونة لإخوانهم المسلمين، إلا أننا بحاجة إلى مؤسسات تعلمنا باحتياجات جيراننا في الحي و من يكون أجدر بهذه المهمة غير مسجد الحي و إمامه الذي هو أحد أفراد الحي. و بذلك يتمثل دور المسجد في تعميم احتياجات سكان الحي على مواطنيه و تنظيم أعمال المساندة.
فيما يلي بعض الأدوار المقترحة لمساجد الأحياء لدعم أسر ذوي الاحتياجات الخاصة:
o نشر الوعي عن الإعاقات من خلال الخطب و الدروس الدينية .
o تعزيز فكرة التكافل الاجتماعي من خلال التعاون مع أسر ذوي الاحتياجات الخاصة .
o توضيح أهمية توفير الخدمات المناسبة لاحتياجات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
o تشجيع تحسين أوضاع الحي لتسهيل حركة المعاقين جسدياً.
o تحسين صورة الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توضيح قدراتهم و ذكر نماذج ناجحة منهم (كالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله) و كيفية تغلبهم على الإعاقة.
o تشجيع الدمج من خلال أنشطة المسجد كحلقات التحفيظ ورسم صورة إيجابية لدى الأطفال عن ذوي الاحتياجات الخاصة و تذكيرهم بالأجر الذي أعده الله لمن يتعاون مع أخيه المسلم .
o حث الوالدين على تنشئة أبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصة تنشئة دينية سليمة من خلال إحضارهم معهم لكل صلاة .
o توفير أنشطة و زيارات خارجية تشمل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالإضافة لأطفال الحي.
o توفير خدمات مساندة لأهل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كتوفير رعاية للأطفال في حالات الطوارئ .
o تعميم الحاجات المادية لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة على المقتدرين من أهل الحي.
o تشجيع التبرع بالمستلزمات التي قد تكون ذات فائدة لذوي الاحتياجات الخاصة و إيصالها لمستحقيها.
التوصيات
o على المؤسسات الحكومية أن تعي ضرورة توفير إرشاد فعلي لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة بحيث تحترم فيه مشاعرهم و اهتماماتهم .
o على الإرشاد أن يكون إرشاداً مضطلعاً بدوره بحيث يضمن للأهل أعلى مستوى خدمات متوفرة .
o توفير مساعدات مادية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ينتمون إلى أسر بدخل محدود، بحيث تتمكن أسرهم من توفير الخدمات الطبية اللازمة و الأجهزة التعويضية لهم .
o مساعدة الأهالي على أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع والعمل على توجيه جهودهم
o ترجمة المراجع التعليمية و توزيعها و توفيرها للأهل و للمدارس لزيادة الوعي عن الإعاقات و العناية بذويها.
o الدعم الإعلامي للتوعية بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة و احتياجاتهم المكانية و دمجهم اجتماعياً.
o إلزام المرافق الحكومية و العامة و الخاصة و المباني بمراعاة حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة عند تصميم المباني.
o تفعيل الدور الاجتماعي للمساجد .
خاتمة
تقدر إحصاءات منظمة اليونيسيف بأن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بلغ في عام 2000م، 200 مليون طفل. و ذلك يعنى وجود 880000 طفل معاق في المملكة العربية السعودية، هذا العدد المرتفع بحاجة للكثير من الخدمات التي يتوفر العديد منها، إلا أن الأهل لا يعرفون كيفية مساعدة أبنائهم، و الخدمات اللازمة لهم، و لا يعرفون الفرص المتاحة لهم و الخيارات الطبية و التربوية المتوفرة و بالتالي فهم لا يستطيعون الاستفادة من الكثير من الخدمات المتوفرة في البلد.
إن هذه الأسر في أمس الحاجة لإرشاد فني واعٍ يمكنهم من الحصول على كل الخدمات اللازمة و يتأكد من إجراء جميع الاختبارات الضرورية، و يعي كيفية التعامل مع الأسرة بطريقة لا تشعرهم بالدونية أو بالشعور بالذنب. كما أن الإرشاد يجب أن يوفر لهم معلومات عن كل الخيارات الممكنة و الخدمات المتوفرة و ييسر عليهم الحصول على هذه الخدمات. و من واجبات الإرشاد أيضاً التأكد من حصول الأهل على التكنولوجيا اللازمة لتنمية قدرات ابنهم ذي الاحتياجات الخاصة.
إن دور الإرشاد لا يتوقف على توفير الرعاية الأولية و التأكد من حصول الفرد على الحاجات المادية بل يتعدى ذلك إلى رعاية اجتماعية يراعى فيها أن يتم تسهيل عملية انخراط الفرد ذي الاحتياجات الخاصة في المجتمع و التفاعل معه بشكل يشعر الفرد بتقدير الذات و إعزاز المجتمع له و للخدمات التي يقدمها. كما أن من أهم احتياجات الفرد ذي الاحتياجات الخاصة أن يتمتع بحياة مستقلة يتمكن فيها من خدمة نفسه و توفير دخل مادي له يجنيه من عمل يتناسب مع قدراته.
إن المساجد تعد هي أكثر المؤسسات الاجتماعية انتشاراً في المملكة العربية السعودية. و نتيجة لتأثيرها الكبير جداً على نفوس المسلمين، فيجب ألا يهمل دورها بل يتم تعزيزه لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة و توفير الحياة الكريمة لهم في مجتمعاتهم المحيطة.منقول للاهميه--