كانت بين صديقاتها: بشوشتاً.. مستبشرتاً.. لينة العريكة .. هادئة البال.. ليس من السهل أن تستثيرها.. باذلتاً نفسها ومالها عن طيب خاطر دون أن تنتظر طلباً ... لقد كانت سر سعادة أصدقائها.
كانت بين أهلها وأولادها: رقيقة الحاشية .. نقية اللّسان .. حنونة النظرات .. حبيبة اللفتات .. سؤولتاً عن الحاجات، متابعتاً للروحات والغدوات .. عليمتاً بكل المجريات.. دؤوبة التخطيط والتنفيذ لكل ما يرفع شأن رعيتها في بيتها .. غنيّة الجلسات.. مبادرتاً بالمرح واللعب.. معبرتاً عن حبّها بأجمل الكلمات وأرقّ العبارات، بين فينة وأخرى تخرج بأسرتها بين الحدائق والحقول والشواطئ والأسواق والمدن الترفيهية.. وتكون روحها أجمل من كل المناظر والأصوات والروائح العطرة .. لقد كانت سر سعادة أهلها وأولادها.
كانت في مسجدها: مطمح عيون الحافظات، ومأوى قلوب البائسات، ومنتهى سؤال المستفتيات، خاشعة الركعات، كثير العبرات، كثيرة التلاوة والمراجعة، تصوم باشتياق مهما كرّرت الصيام، وتقوم بحزم مهما ثقل المنام، تبحث عن الفقير لتعطيه، وعن المحزون لتفرحه، وعن ذي الحاجة ليسعى في حاجتها، وعن المكروب لتفرّج كربته..
كانت في مجتمعها ذا لفتة رائعة لا تقع على أمر يمكن أن يكون له فيه دور إلا نهضت إليه بروح الغزال الطليق، لا تنتظر أن يُشار إليها.. بل تسبق النداء بالعمل، حتى عُرفت بين أفراد مجتمعها بمبادراتها، التي تركت آثاراً لا تمّحي بإذن الله، وأصبحت إنجازاتها وشماً على صدر الزمن لا يزول بحول الله وقوته، الصغير والكبير يشعر بأن هذه الإنسانة قدّمت له شيئاً سواء أكان ذلك من بعيد أم من قريب!! لقد كانت مصدر سعادة لجميع أفراد مجتمعها.
كانت ريحانة أمتها ووطنها .. تقدم بإخلاص دون أن تنتظر جزاءً أو شكوراً، تنوّعت وتشكلت عطاءاتها بعدد ألوان الطيف، مرة يبدو نجماً، ومرة كوكباً، ومرة مصباحاً، لكنها تتوارى حين تحين لحظات التقدير والتكريم، ويظهر في ساعات العطاء والتضحيات، بوركت خطواتها، واتسعت دوائر مشاريعها، ولاحت بين سحب البذل ـ رغم كثافتها ـ شمسها. إنها لا تكلّ ولا تملّ مهما بذلت، لا تسمع سوى أصوات المنادين، وتصم أذنيها كلمات الشاكرين، يا لها من إنسانة حلّ في قلبها وطنها الكبير، فأصبحت هاجسها أن تراه سعيداً بكل فرد من أفرادها.. لقد كانت جديرتاً به أن تكون من أروع مصادر السعادة في أمتها ووطنها.
كانت كاتبتاً مجيدتاً، وصاحبت قلم محترف، الكلمات تنمو تحت ريشةا تراعيها مثل ما تنمو أوراق البقل تحت شقوق الماء ؛ هكذا بعفويتها وانسيابيتها، مؤثرتاً إذا خطبت، ومبهرتاً إذا شعرت، ومبدعتاً إذا سجّلت مقالة، ومتقنتاً إذا ناقشت المسائل وبحثها. أصبحت شامة في جبين علمها، لا يمكن أن يرتوي الطلاب من فيوض حكمتها، ولا يشبع المنتدون من جماليات لغتها. إذا تحدّث في أي شأن أجادت، وإن دُعيت للتعليق أفاضت وأضافت. تزلزل الاقتناعات البالية بلغة سهلة وروح واثقة، ويُحِلُّ محلها يقينيّاتها بالدليل والبرهان، وتنشئ بين هذا وذاك صلة من الودّ والمحبة، بحيث لا تفقد صديقتاً، ولا تبعد قريبتاً، ولا تجافي حبيبتاً، بل تكسب كل يوم جديدتاً .. لقد كانت حقاً سر السعادة لتلاميذها وأقرانها ومرتادي نواديها.
وكانت .. وكانت .. وكانت .. ولكن ما الذي حدث؟
سلوا الكراسي الدوّارة: كم استدارت بالخلق والعفاف والنبل والسماحة والطمأنينة والإنجاز والعلاقات..!! لقد كانت من أكبر أسرار تعاسة الكثيرين .. فإياك أن تكونِ منهم! إما أن تتحملي العبء دون أن تخسري موقعاً كنت فيه مصدراً للسعادة.. فهو الباقي .. وذاك الدوار المخيف الذي لا يستقر عليه أحد (كرسي الحلاق) ـ إن لم يكن مصدراً إضافياً لإسعاد نفسك وأهل وقومك ـ فهو من الفاني الذي لا ندامة عليه! صدّقيني لا ندامة عليه!
مما قرأتُ واعجبني فأحببت ان تُشاركوني فيه
المصدر : الإسلام اليوم
منقل بعد التعديل