انك ميت وإنهم ميتون
نعم أيها الغالي.. لابد من الرحيل طال الزمان أو قصر سيأتي ذلك اليوم الذي ستودع فيه الحياة..
لكن قل لي بالله.. كيف سيكون الحال عند ساعات الرحيل؟!
الذي أخر الناس عن التوبة طول الأمل..
الذي أخر الناس عن التوبة والصدق والاستعداد للآخرة طول الأمل.
ولقد قال الله عنهم" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ".
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"
الكل سيموت لأن الله قال "إنك ميتٌ وإنهم ميتون" ولأن الله قال " وما جعلنا لبشر من قبلك الخُلد أفإن مت فهم الخالدون"
"كل نفس ذائقةُ الموت"..
مات الحبيب بأبي هو وأمي الذي كان يقول في آخر لحظات الحياة " ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد..."
من وصاياه في ساعات احتضاره وفي ساعات وداعه أنه كان يقول " الصلاة وما ملكت أيمانكم "
صعد المنبر آخر ما صعد قال: من أخذت منه مالا فهذا مالي فيأخذ منه، من سببت له عرضاً فهذا عرضي فليقتص منه، من ضربتُ له جسداً فهذا جسدي فليقتص منه؛ إن رجلاً خيره الله بين ما عنده وبين زينة الدنيا فاختار ما عند الله؛ فبكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه. فقالوا: ماالذي يبكي هذا الشيخ الكبير؟!..
لقد علم أنها آخر ساعات الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه..
في آخر ساعات احتضاره أخذ يضع يده في ركوة من الماء ويمسح على وجهه ويقول: لآ إله إلا الله.. إن للموت لسكرات.. إن للموت لسكرات.. اللهم هون علي الموت وسكراته.. اللهم هون علي الموت و سكراته..
فلما رأت فاطمة شدة البلاء على أبيها أخذت تقول: وا كرب أبتاه.. وا كرب أبتاه.. وا كرب أبتاه..
فأخذ يقول لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم..
لا كرب يا فاطمة على أبيك بعد اليوم.
ثم أخذ يشخص ببصره إلى السماء ويرفع بيده السبابة وهو يناجي ربه وهو يقول: اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني.. اللهم تب علي.. اللهم الرفيق الأعلى.. اللهم الرفيق الأعلى.. اللهم الرفيق الأعلى..
ثم سكتت الأنفاس الطاهرة، وتوقف القلب الكبير؛ لأن الله قال:" إنك ميتٌ وإنهم ميتون "
لأن الله قال:" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون"
كل نفسٍ ذائقة الموت..
فلما فارقت الروح الحياة وسكت ذلك الجسد الطاهر الشريف أخذت فاطمةُ تقول: وا أبتاه.. وا أبتاه.. أجاب رباً دعاه.. وا أبتاه.. أجاب رباً دعاه.. وا أبتاه.. جنة الفردوس مأواه.. وا أبتاه.. إلى جبريل ننعاه..
فلما دُفن، قالت فاطمة لأنس: أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟!
يقول أنس: فقلت في نفسي والله ما طابت ولكننا ألجمناها إلجاماً..
مات الحبيب لأن الله قال: "إنك ميتٌ وإنهم ميتون"
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت..
ثم يموت الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه خليفة الحبيب.
وفي ساعات احتضاره وكانت ساعات احتضاره بليل..
أخذ يقول لعائشة: في أي يوم نحن؟
قالت: يوم الاثنين.
قال: في أي يوم قُبض فيه النبي صلى الله عليه؟
قالت: يوم الاثنين.
ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مراراً في منامه.
سألوه في ساعات مرضه..
سألوه في أيام مرضه: عرضت نفسك على الطبيب؟
قال: نعم
قالوا: ماذا قال؟
قال: قال إني فعّال لما أُريد..
قال الطبيب: إني فعّال لما أُريد..
فلما اشتدت عليه السكرات، ورأت عائشة سكرات الموت على أبيها..
أخذت تستشهد ببيت تقول فيه:
واعاذلٌ وما يغني الحذارى عن الفتى **** إن حشرجت يوما وضاقت بها الصدر
فقال: يا عائشًُ.. لا تقولي ذلك ولكن قولي: " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"
نعم أيها الغالي.. " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون "
أوصى أبو بكر عمر وصية..
ليتنا فهمناها..
قال: يا عمر إن لله حق بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل.
مات الصدّيق لأن الله قال:" إنك ميتٌ وإنهم ميتون "
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت..
ثم يموت الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وهو يصلي الفجر، في يوم ضيع الناس صلاة الفجر..
هل لسبب شرعي ضُيعت صلاة الفجر؟!
أم بسبب المكوث ساعات وساعات أمام الشاشات والقنوات؟!
مات.. طُعن وهو يقرأ قوله جل في علاه " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله "
نعم أيها الغالي.. طُعن شهيد المحراب..
فلما أفاق..
كانت أول كلمة قالها: أصلى الناس؟
اسمع يا رعاك الله أول كلمة تلفظ بها عمر يوم أفاق من غيبوبته قال: أصلى الناس؟
ثم يوم رأى الدم ينزف منه نزفاً، تيقن أن الموت قد اقترب.
كان هناك شغلٌ يشغله وهمٌ يهمّه..
قال يا عبد الله ابن عمر اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يقرؤك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست أميراً للمؤمنين بعد اليوم..
قل لها يبلّغك عمر السلام ويستأذنك أن يُدفن مع صاحبيه.
يريد أن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الممات.. رفيقه في روحته وجيئته.. يريد أن يرافق حبيبه حتى في الممات..
فذهب عبد الله ابن عمر وطرق الباب على عائشة وقال لها: يقرؤك عمر السلام ويقول لكِ: أتأذنين له أن يدفن مع صاحبيه؟
فقالت الصديقة بنت الصديق: والله إني كنت أريده لنفسي.. و والله لأوثرنّه على نفسي..
فلما رجع عبد الله ابن عمر.. ورآه عمر قد أقبل، قال: أجلسوني.
فقال مالخطب يا عبد الله ابن عمر؟
قال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد رضيت.
فتهلل وجه عمر رضي الله عنه وأرضاه.
القضية كانت تشغله.. القضية كانت تهمه..
يا رعاك الله..
ما كان يوصي بمال ولا بعيال ولا بحلال.. القضية قضية مرافقة في الدنيا وفي الآخرة..
فقال عمر: إن أنا مت فغسلوني وكفنوني ثم احملوني واطرقوا عليها الباب وقولوا يستأذن عمر مرة ثانية فإن أذنت و إلا خذوني إلى مقابر المسلمين..
فلما جاءت ساعات الاحتضار وبدأت تتنزل عليه كربات الموت أخذ عبد الله ابن عمر رأسه ووضعه على فخذه، فقال عمر: ضع وجهي على التراب علّ الله أن يرحم عمر، ليتني خرجتُ منها كفافاً لا لي ولا علي، ودتُ أن أمي لم تلدني، ليتني كنتُ ورقة تعضد..
من هو ؟!
عمر الصوام القوّام يقول ودتُ أني خرجتُ منها كفافاً لا لي ولا علي..
مات عمر.. مات عمر لأن الله قال:" إنك ميتٌ وإنهم ميتون"
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت..
ثم يموت عثمان رضي الله عنه وأرضاه..
ثم يموت عثمان رضي الله عنه وأرضاه..
يموت وقد رأى في منامه في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: تفطر عندنا غداً..
فأصبح صائماً رضي الله عنه وأرضاه..
تسلقوا عليه البيت وطعنوه وهو يقرأ القرآن فتدفقت تلك الدماء على لحيته الطاهرة ثم أخذ يدعوا ويقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين.. اللهم اجمع شمل أمة محمد.. اللهم اجمع شمل أمة محمد.
عثمان وما أدراك ما عثمان؟!
تلك اللحية التي لطالما تبللت بالدموع من خشية الله.. تلك اللحية التي لطالما تبللت بكاءً وخشية من الله جلّ في علاه..
عثمان الذي إذا ذُكرت الجنة والنار يبكي وإذا ذُكر القبر يبكي بكاءً شديداً..
فإذا قيل له لا تبكي للجنة والنار كبكائك للقبر؟!
قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منازل الآخرة.. إذا كان الذي فيه هيّنٌ فما بعده أهون.. وإن كان الذي فيه شديد فما بعده أشد..
مات عثمان قارئ القرآن الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم..
عثمان الذي نفس بأمواله كربات المسلمين عثمان الذي كان أباً للأرامل والفقراء والمساكين..
مات لأن الله قال:" إنك ميتٌ وإنهم ميتون"
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت..
وصلى الله عليه وسلم