القصة فن من الفنون التعبيرية و التي لها أثرها و تأثيرها على ثقافة الفرد
القارئ ..و إنها من الوسائل الترفيهية المفيدة , و التي تحمل و يجب أن تحمل ما تثري به قارئها , و تورِّثه قدرة على محاكاة القيمة فعليا !!
إن القصة فن إبداعي .. لا يُــقتَحم بإرادة أو قرار .. و إنما تأخذ المبدعَ عوالمُهُ , تأخذه موهبته , و رغبته , و بوصِلته الإيجابية التي تعيش في
داخله .. تأخذه لتكتب من خلاله ما يريد أن يقوله و يوصله للناس .. و ليس العكس !!
نحن لا نمتلك اللغة التي نريد , و إنما اللغة من يمتلكنا و يستخدمنا ..و نحن من يتصرف بعفوية و موهبة فطرية حبانا الله إياها ..
و ليست القصة كذلك فنا يمكن تعلمه ..
العلم مقتصر ها هنا على تجويد أدوات نمتلكها ..
و لن أخوض في التفصيل بماهية القصة و ما هي عناصرها و مما في هذا القبيل ؟!
لأن القصة لم تعد و لم تكن أصلا قالبا واحِدًا معتمدًا يبنى على هيكله ..
و لكني سأبث ملاحظات نسقط فيها .. لو نأينا عنها .. لنجحنا في كتابة قصة فنية تؤدي الكثير و لا تحكيه !!
و الأداء يحمل أكثر من الحكاية .. لأنه التأثر و التأثير .. و تحريك الذات الداخلية للقارئ في وجهة جديدة و نمطية جديدة قد يكون مختلفا عنها ..
كل هذا ضمنيا دون أن يقصِد .. فقط لأنها جاءت بما تحمله في الخفاء .. دون تصريح .. بوشاية جذابة .. و مؤثرة !!
الإبداع .. في أبسط تعريفاتي : حالة يعيشها المبدِع .. و أثرًا للمتلقي !!
حالة ------> تنتج أثرًا ..
و لو أنها مجرد حكاية و صناعة لقصة .. فإنها لا تنتج أكثر من -----> قراءة و انتقال بين الفقرات !!
سأبدًا بحول الله و قوته :
1
- لعلامات الترقيم دلالتها العجيبة في إبراز المعنى و الإفصاح عن مكنونات النص ..
حين نقرأ نصًّا متصلا ببعضه سنفقد القدرة على الاستمتاع .. و لن ندخل أجواءه لأنه لم
يدعُنا إليه ..
تخيلوا حين تقرؤون نصًّا يراعي صاحبه صمتًا بعد عبارة تنهدية .. فيضع النقطة !!
و يقف ليأخذ نفسًا و يتابع بعد فاصلة .. و يكمِل ليعلل عبارة بعد فاصلة منقوطة ..
و يطيل وقوفًا و تأملا لينتقل إلى فقرة أخرى تحمل المزيد من الإبداع .. المزيد من الحياة حيث القصة !!
إن علامات الترقيم هي كلمات و فن لازم له دلالاته و تأثيراته على نفسية المتلقي القارئ .. و فيه يتناغم الثلاثة ( المبدِع - النص - القارئ ) ..
يتوحدون في حالة واحِدة .. و بعدها يتذوقون نكهة المتعة ..
2- القصة فن لا ينبغي أن يحدو نحو تقريرية المقال و لا ينبغي أن يُقحِم القاص نفسه فجأة في بنية القصة ؛ لأنه خارج عن مدينتها ..
لو كانت الشخصية تحمل ما يحمله كاتبها .. فإنها حرية القاص في انتقاء شخصية تشبهه .. و التعبير عنه ضمن شخصية أخرى .. إنها التسريب
الذكي الذي لا يُفسد ..
و لكن أن يكون السرد بلسان السارد ..و يتحول فجأة بلسان المتكلم .. فإن في هذا إرباكًا للقارئ .. و خلطًا و خللا في البنية السردية للقصة ..
3- القصة عالم يقول لنا عش بنا .. و لا يقول لنا انظر إلينا ..
و لأجل هذا فإن القاص لا يجب أن يكتفي بفكرة عنَّت على باله و يباشر كتابتها كما هي في ذهنه ..
بل إن للقالب الذي ستخرج به دوره الكبير الذي يضمن للقصة وجودًا و حضورًا أقوى ..
الفنية ليست تكلفا و ليست صناعة .. و ليست تأملا و تفكيرا ( كيف سأكتب قصتي ؟! .. هل أبدأ بوصف السماء ؟! ) ..
فقط أيها القاص .. أشرِك حواسك الست ( وهن ست سادستهن الحاسة السادسة أي الشفافية و الذات المرهفة ) .. انسَ نفسك و عش في مخيلتك ..
عش .. و لا تكتب ..
ارصد حياة ستعيشها ..
هل حين تتنفس و تنظر إلى غروب الشمس تقول بصوت مباشر " أنا كئيب و الشمس كئيبة أيضًا " ..
هل تقول : " أنا أتنفس الآن و أبكي و أتضايق !!!! " ..
لا أظن ..
نحن نتحرك عاطفيا في سياق غير مباشر في حقيقة وجودنا في الحياة العادية .. و هذا ما يجب في القصة ..
أنا سأرى الشمس في غروبها تغرق في أفق المحيط .. بل تنسحب من طرف الكون بصمت و هدوء .. و لكن ثقة ما تجعلها تذهب بهذا الهدوء .. هو
أننا سنفتقد الضياء و ستلفع العتمة كل شيء حتى أعمق تأملنا في الأفق .. و يتصل البحر بالسماء حيث كل شيء مطموس بالسواد !!
هذا حالي و أنا أقف أمام مشهد الغروب ..
يكفي أنا أصف حالتي .. بعمق دون أن أشخِّص انفعالاتي ؛ ليفهم القارئ أن ثمة حُزنًا و كآبة تعيش في نفس الشخصية ..
و عندها سيتابع القارئ ليعرف ملامح أخرى تثري تساؤلاته ..
هل حقًّا : الشخصية حزينة ؟! و لماذا ؟! و ما الأسباب ؟!
..
أنت كقاص أمسكتَ بالقارئ ..
إنك جعلته يفكر في عفوية دون قسر أو جبر ..
و يبحث عن إجابات أسئلته !!
..
بينما لو جاء أسلوبك تقريريًّا تشخيصيًّا ..
كأن تقول :
" نهض أحمد حزينًا كئيبا على صوت المذياع .. عشرة جرحى و تسعون شهيدًا في انفجار أنبوبة غاز !!!! .. و لم يعد يرغب في ارتشاف قهوته !!
و لم يعد راغبًا إلا بإكمال نومه و الهروب حيث عالم لا يحاسبه .. و لا يطالب ضميره بالأنين ".
هل تعتقد أن القارئ سيكمل حتى النهاية ..
ما الداعي لأن يكمل !؟!
هل يفعل شيئًا أكثر من القراءة ؟!
يا سادتي لم يعد الإنسان حين يقرأ .. يقرأ لأنه يحب أن يقرأ فقط ؟!
إن المرء في قراءاته يبحث عن فكرة لم يتعثر بها من قبل ..
يبحث عن آفاق جديدة لم يخضها بعد ..
يبحث عن موطن ليمارس التفكير و التأمل ..
يبحث عن المتعة ..
و ليست المتعة بأن ينتقل المرء بين السطور .. و فقط ..
!!!!
الوصف .. هو الأول دائمًا ..
أيضًا :
تقطيع الحدث على مدى القصة .. بحيث تأتي جزيئات الحدث متفرقة .. تترك مساحات من التوق للمجهول بالنسبة للقارئ ..
لا ألقي بالحدث مباشرة دفعة واحدة على ذائقة القارئ ..
" اصطدم سعيد بسيارة و نقلوه إلى المستشفى و هناك توفي " ..
القاص ليس مذيعًا إخباريًّا !!
بين هته الحالات الثلاثة .. لتكن هناك تفاصيل صغيرة .. استعادات .. ملتمح لمواقف سابِقة ..
تكتمل القصة باستكمال الفكرة .. و طرح كل ما يبرز الفكرة ..
و ليس بطرح كل ما يسرد الحدث .. و يقفل أخيرًا !!
..
4- إن في التلاعب في صياغة العبارات بحيث توحي بأكثر من دلالة نوعًا من أنواع التكثيف المطلوب .. و هو من الفنية الملفِتة و الجذابة ..
تراسل الحواس : هو نوع من أنواع إضفاء و الاستفادة من وظيفة و حالة تتناغمان لتعطيان المعنى مكثفا سمينًا بأكثر مما تأتي به الاستعمالات الحقيقية
و المباشرة و المكرورة و التقليدية !!
..
قد تشم الشخصية بعينها .. هي إذن تصنع أكثر من الشم و أكثر من الإبصار !! إنها تشم روائح خبيثة في لهجة أحدهم .. فتقذيها تلك المشاهد التي تتصورها إن أصرَّ ذاك على الانتقام !!
..
تراسل الحواس : إحلال وظيفة إحدى الحواس مكان الأخرى .. و الاستفادة من دلالة الحاستين و تآزرهما مع المعنى أو السياق المطروح !!
..
5- كذلك المباشرة في طرح الأفكار و التصريح بالقيمة التي حملها النص .. فيه نوع من إحداث الصدمة للقارئ , و التي تؤدي إلى ردود فعل غير
متكهن بها .. و معلوم ان المرء متمرد بطبعه !!
6- لا ينبغي أن تسير القصة على وتيرة نفسية واحِدة .. إن إحداث نوع من تعددية الأجواء لازم لإضفاء الحياة و الخلوص من الرتابة التي تؤدي
بالقارئ و القصة إلى الهاوية ..
الموضوع ... ... منقول ... ... ليبقى مرجعا لكل من يحب كتابة القصص الأدبية