اخواني الكرام هنا نص رسالة الاسير المسلم السعودي لدى الامريكيين بقاعدة جوانتانامو جمعة عبداللطيف الودعاني الدوسري فرج الله عنه تروي الرسالة تفاصيل اعتقاله بباكستان وبيعه مع عدد كبير من العرب إلى الجيش الأمريكي الذي اسرهم ورحلهم الى بلاد بعيدا وسجن كئيب
.. اترككم معه تاملوها كثيرا .. كثيرا
يقول :
عندما أمسكت بالقلم وأردت أن أسطر معاناتي ومأساتي، حارت أفكاري من أين أبدأ وكيف أبداً، فإن مارأت عيني خطب جسيم وأمر عظيم وشيء أعظم من أن يسطر على أوراق، بل إن ما رأيته من تلك الأهوال العظام التي كنت - ومازلت - عند مجرد تذكرها ومرورها بمخيلتي تجدد أحزاني وآلامي وتهز كياني ووجداني، وكيف للقلب أن ينساها أو كيف للنفس التي تحملت تلك الأهوال أن يصفو لها عيش... إني وأنا أمسك بالقلم لترتجف يدي... كيف سأسطر تلك المآسي... نعم مآس بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.. كيف سأسطر تلك الأهوال وهل علي أن أتجرع غصص تذكرها... تلك التعذيبات البشعة... تلك الاعتداءات القذرة التي يندى لها الجبين والتي ستظل وصمة عار في جبين التاريخ... ذكريات كلما أتذكرها أتعجب كيف تحملها قلبي العليل... وكيف تحمل جسدي آلام التعذيبات... وكيف تحملت نفسيتي كل تلك الضغوط... ياليتها تنسى من ذاكرتي ومخيلتي... وأنى لي بنسيانها وآثارها لا تزال تذكارا... شاهدا مدى عمري على ما حدث لي من جروح وإصابات وألام وأحزان... من هنا من غياهب السجون ومن أعماق المعتقلات أسطر معاناتي أسطر آلامي وأحزاني... أسطر قصة بلا نهاية... أسطر معاناة سنين وشهور... من هنا ومن خلف جدران الزنازين الرهيبة أكتب هذه السطور من أيام حياتي التي قضيتها - ولا أزال - في معسكرات الاعتقال الأمريكية "سطور من الذل والهوان والقهر والحرمان والتعدي على ديني ونفسي وكرامتي وإنسانيتي... من هنا ومن أعماق الأحداث من حيث تهان كرامة الإنسان ويعتدى على دينه ونفسه وعرضه وكرامته وإنسانيته... باسم مكافحة الإرهاب... أكتب لمن يقرأ كلماتي... أكتب قصة معاناتي كما وقعت علي من يوم اختطافي من على الحدود الباكستانية وبيعي للقوات الأمريكية وحتى الآن في جوانتانامو كوبا... إن ما سأكتبه هنا ليس نسجاً من الخيال أو ضرباً من الجنون، بل ما أكتبه هو حقائق وأحداث ووقائع موثقة وقف عليها شهود عيان من الإخوة المعتقلين ومن مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكذلك من الجنود والمحققين والمترجمين... وكل تلك الأحداث مصورة بكاميرا فيديو وتلك الأفلام محفوظة في أرشيف سري في مكان ما.
وعند الله تجتمع الخصوم، فعنده يوم لا تضيع فيه الحقوق والمظالم وكل صغير وكبير مستطر في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) في ذلك اليوم ترد الحقوق لأصحابها ويقتص لأصحاب المظالم (وتضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا به وكفى بنا حاسبين)... (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما)... والظلم ظلمات إلى يوم القيامة... وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير. بدأت معاناتي ومأساتي عندما قدمت إلى الحدود الباكستانية خارجاً من أفغانستان فتقابلت مع فرق من الجيش الباكستاني، فلما قابلتهم أخبرتهم بأني أريد الذهاب إلى سفارة بلدي، فرحبوا بي بكل خبث ومكر ولؤم وخديعة وبدأوا ينقلونني من سجن إلى سجن على الحدود وحتى القاعدة العسكرية الباكستانية في مدينة كوهات الحدودية سبق أن التقيت بعدة أشخاص عندما كنت على الحدود من عدة جنسيات كانوا قد غادروا أفغانستان وكان الجيش الباكستاني يسيء معاملتنا ويقدم لنا أسوأ طعام وأقذره ووضعوني في زنزانة مقاس 4×4 أمتار وفيها تسعة وخمسون معتقلاً بدون فراش ولا غطاء ولا حمام غير سطل واحد وسط الزنزانة للجميع يقضي حاجته فيه بدون ساتر وكنا في غمرة هذا الزحام لا نستطيع الحركة وكنا متلاصقين لدرجة أننا كدنا نختنق ومكثنا عدة أيام على هذه الحالة ولم يكونوا يقدمون لنا طعاما إلا بعض الأرغفة.
فبدأ الإخوة يدفعون لهم النقود لكي يشتروا لنا طعاما فكانوا يسرقون النقود ولا يحضرون لنا إلا قليلا من الطعام، وهناك في السجون بباكستان سرقت نقود أكثر المعتقلين بل وحتى أغراضنا الشخصية وحتى ملابسنا وأحذيتنا وساعاتنا وسرقت جوازات سفر كثيرة من المعتقلين ولا قينا من سوء المعاملة ما الله به عليم، ولقد أسيئت معاملتي شخصياً وضربت عدة مرات في التحقيقات، ولكن أعظم بلاء علينا هو تنقلنا من مكان إلى آخر، فكانوا يربطوننا بأبشع طريقة حتى إن بعضنا أصابته غرغرينا في أطراف أصابعه وتنفخت أقدامنا وأيدينا وازرقت وكانوا يربطوننا في الشاحنات العسكرية لفترات طويلة جداً بعض الأحيان من الفجر وحتى الليل ناهيك عن الساعات التي نقضيها أثناء تنقلاتنا في الشاحنات وغالباً ما كانت طويلة جداً، كل هذا ونحن لا نزال مربوطين بنفس الطريقة وكل هذا الوقت ونحن لم نستطع استخدام الحمام وأداء الصلوات، فكنا نصلي صلاة فاقد الطهورين، وكنا بدون طعام ولا شراب، فكان بعض الإخوة المرضى المضطرين يقضون الحاجة وهم مربوطون فكان البول يسيل على بعضنا وعندما كانوا يضعوننا في الزنازين واعترضنا على سوء المعاملة كانوا يرهبوننا بإشهار الأسلحة علينا وفي إحدى المرات أطلق أحد الجنود علينا النار لتخويفنا وإرهابنا فجاءت الطلقة في سقف الزنزانة. واستمر حالنا على هذا السوء، وعندما كنا في واحدة من التنقلات حدثت قصة الاشتباك بين بعض المعتقلين وبين الجيش الباكستاني وكان الباص الذي حدثت فيه تلك الأحداث غير الباص الذي كنت فيه وانقلب الباص أمامنا ثم بدأ إطلاق النار من الطرفين حيث إن بعض المعتقلين أخذوا أسلحة من الجنود الباكستانيين وبدأ الجيش الباكستاني يطلق النار في كل مكان، فكان الرصاص يمر من فوق رؤوسنا وأصيب عدد كبير من الإخوة المعتقلين ومن الجيش الباكستاني كذلك قتل عدد من الطرفين، ثم بعدها أساء الجيش الباكستاني معاملة الجميع حتى استقر بنا الحال في القاعدة العسكرية الباكستانية في مدينة كوهات الجبلية فكانوا يقدمون لنا أسوأ طعام، نوع رديء جداً جداً من الفاصوليا،شيء قليل منها في قعر سطل قذر نصفه ماء ونصفه زيت بدون ملح. وأضرب بعض الإخوة عن الطعام وكنت معهم وأردت الذهاب إلى سفارة بلدي فكنت لا أستطيع القيام من شدة التعب والجوع فكنت عندما أقف أسقط ويغمى علي وكدت أهلك من الجوع وكدت أمرض من قذارة المكان وكانوا قد وضعوا في أقدامنا قيودا من نوع آخر ليست من سلاسل بل من قضبان حديدية وحلقة في القدم يمتد منها قضيب طوله نصف متر ثم مفصل حديدي ومنه نصف متر آخر من قضيب يلتقي بالحلقة التي في القدم الأخرى ويثبت حول القدم بمسمار يطرق بمطرقة حديدية بدل أن يكون فيه قفل ومفتاح فكانت هذه القيود دائمة في أقدامنا طوال الوقت فكنا لا نستطيع النوم والمشي ولا قضاء الحاجة ولا نزع الملابس، واستمر بنا هذا الحال طوال مكوثنا في كوهات حيث البرد الشديد وقدموا لنا بطانيات هي أسوأ شيء رأته عيني، كلها حشرات وبراغيث وغبار ولم تكن تدفئ أبداً فوجدوها مثل عدمها بل عدمها أفضل، ولم يعطونا فرشا ننام عليها، ثم قالوا لنا: إن منظمة حقوق الإنسان تريد مقابلتنا وسوف نسلمكم إلى بلدانكم بعدها وفعلاً سلمونا ـ لكن إلى القوات الأمريكية ـ فأخذونا إلى مكان خاص في نفس السجن وقابلتنا المخابرات الأمريكية وحققت معنا وكنا نذهب أفراداًً إلى عدة غرف صغيرة للتحقيق فيصوروننا ويبصموننا ويحققون معنا، وكان البعض من أولئك المحققين يسبون بعض المعتقلين ويسبون الإسلام وعلمائه وحدثت أمور كثيرة لا داعي لذكرها.
ثم بعدها بيومين أحضروا ملابس من القوات الأمريكية .. ملابس زرقاء، البنطال والقميص قطعة واحدة وكانت من منتجات دولة الكويت، كما كان مكتوب عليها بالعربية من الخلف، وأحضروا قيوداً أمريكية وبدأوا يفكون قيودنا "القضبانية" إلا أن قيدي ظل في قدمي لم ينفك بسبب أن المسامير المثبتة في القيد كانت قوية فلم تنفك مني ومن اثنين من الإخوة المعتقلين ثم عند تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً ومن تلك اللحظة لم يكن ينقلنا الأمريكيون إلا ليلاً، فأخذوني مع المعتقلين إلى مطار قاعدة كوهات العسكري بعد أن ربطوا أيدينا للخلف وربطوا أرجلنا وعصبوا أعيننا ثم وضعونا في الشاحنات العسكرية ولما وصلنا إلى المطار كان بانتظارنا طائرة عسكرية أمريكية وجنود أمريكان ومترجمة أمريكية تتحدث العربية، وبدأوا يأخذوننا فرداً فرداً ويسلموننا للجنود الأمريكيين وتمت الصفقة وباعونا بدولارات معدودة وكانوا فينا من الزاهدين، وكانت مدة اعتقالي عند الجيش الباكستاني ستة عشر يوما من ثالث أيام عيد الفطر المبارك لعام 1422هـ وانقضت الفترة الأولى من اعتقالي عند أولئك المنافقين... وليبشروا بغضب الله وسخطه (وبشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين يبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) النساء 138-139 (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) النساء 145 (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) النساء 140، إلا أن يتوبوا ويرجعوا عما هم عليه من نفاق وبعد أن استلمتني القوات الأمريكية وانصرف الجنود الباكستانيون ـ صرف الله قلوبهم ـ بدأت المعاناة الحقيقية مع أول مراحلها حيث جاءت لي المترجمة وأنا ما أزال معصوب العينين فقالت لي: يجب أن تطيع الأوامر ولا تتكلم والآن سوف يتم تفتيشك من قبل الجنود. وبعد ذلك رماني الجنود على مدرج المطار وأخذوا يفتشونني تفتيشاً دقيقاً وعنيفاً ثم أخذوني بقوة وعنف إلى الطائرة ووضعوني على أرضية الطائرة مثل ما توضع وتربط كراتين الشحن وربطوني بالسلاسل ويداي مقيدتان للخلف وقد نزعوا ربطة الجنود الباكستانيين عن عيني ووضعوا فوق رأسي مثل الكيس مثل الخيشة وربطوني بالسلاسل في أرضية الطائرة والسلاسل مقيدة في حلقات في أرضية الطائرة وكانت طريقة الربط معقدة ومشدودة بقوة على أجسامنا فوضعت سلاسل من الأمام على البطن وأخرى من الخلف على الظهر وأحنوا رأسي للأمام، وعندما اكتمل عددنا في الطائرة وكان قرابة الثلاثين معتقلاً أغلقوا باب الطائرة الذي كان من الخلف "مصمما لدخول الآليات" وبعد أن أغلق الباب بدأ الجنود يصرخون ويصفرون ويسبوننا بأقذع الشتائم وأقبح السباب وبدأوا يضربوننا، وكانوا يصوروننا بكاميرا فوتوغرافية وكنت أرى وميض الفلاش. وكنت أحس بآلام شديدة في البطن وكان سبق لي إجراء عملية جراحية في بطني وموجود في بطني قطع من المعدن فلما اشتكيت من شدة الألم جاء أحد الجنود وأخذ يركلني في بطني بحذائه العسكري حتى تقيأت دماً ولا أدري كم من الساعات وأنا على تلك الحالة من قاعدة كوهات إلى مطار قندهار حيث القاعدة العسكرية الأمريكية...
كم يؤلمني تذكر هذه الذكريات فإن المأساة في الطائرة لم تكن غير بداية لأهوال عظام تنتظرني في معسكر القوات الأمريكية في قندهار، وهناك في مطار قندهار وصلنا بعد منتصف الليل وكانت ليلة جمعة في بداية يناير 2002م. وبعد أن استقرت بنا الطائرة في المطار أخرجونا إلى المدرج وكان الجو شديد البرودة ثم بطحونا على أرضية المطار ولم يكن لدينا ملابس تقينا البرد فقد سرق الجنود الباكستانيون ملابسنا حتى الداخلية وجميع ممتلكاتنا ثم بدأ الجنود يضربوننا ويمشون فوقنا ونحن مبطوحون على وجوهنا. ومن شدة الضرب والركل انفك عن أحد الإخوة المعتقلين الكيس من على عينه. فرأى الجنود موجهين أسلحتهم علينا فصاح وقال سوف يقتلوننا يا إخوة، فضربه أحد الجنود بأخمص السلاح على رأسه ففقد الوعي، وبعد عدة ساعات من الضرب والبرد الشديد رأوا أن يوقفونا صفاً واحداً. وبدأوا يلفون حول أذرعتنا اليمنى سلكا قويا جداً كل واحد مقيد ببعد مترين تقريبا عن الذي أمامه وبعد أن شدوا ذلك السلك أخذوا يجروننا نحو المجهول... وعندما اقتربنا من خيام كانت معدة مسبقاً، بدأوا يسحبوننا بكل غلظة ووحشية وبدأ الصراخ والعويل من المعتقلين من شدة الآلام - علماً أنه كان معنا كثير من صغار السن - وأخذ الجنود يزيدون في سحبنا وضربنا والذي يسقط منا يجرجر على الأرض على أسلفت مدرج المطار والباقي يواصل شبه الجري وكنت كما ذكرت ما زلت مقيدا بالقيد الباكستاني الذي يصعب المشي به فكنت من ضمن الذين سقطوا وكانوا يجرجونا على أسفلت المطار، وكنت أحاول الوقوف والمشي ولكن هيهات وأنى لي ذلك. وبعد أن أدخلونا تلك الخيام وبدأوا يضربوننا ضرباً شديداً أغمي علي عدة مرات من شدة الضرب، وفي إحدى المرات أفقت من الإغماء فوجدت رأسي تحت حذاء أحد الجنود وبدأ يضربني ضرباً شديداً فأغمي عليّ مرة أخرى فما أفقت إلا والجندي يبول على رأسي وظهري وكان يقهقه ويضحك. وأنا لا أزال مطروحاً على بطني ثم رفع رأسي من شعري وأخذ يركل وجهي بحذائه العسكري ويدخله في فمي حتى تجرح وجهي وشفتاي وانتفخ وجهي وسالت دمائي بغزارة ثم أخذ يضربني على عيني وكاد يعمي عيني، لولا لطف الله ورحمته وجلسنا وقتا طويلاً على هذه الحالة، ثم أخذ الجنود يأخذوننا وأحداً تلو الآخر إلى خيمة أخرى. فلما وصلني الدور جاء أحد الجنود ومعه منشار كهربائي فقطع القيد الباكستاني ووضع مكانه قيدا أمريكيا، وأخذوني إلى تلك الخيمة سحباً على وجهي، وكان في تلك الخيمة مترجم مصري ذو لسان قذر قد سبنا وسب أهلنا وأعراضنا سباً عظيما وهو يصرخ علينا: أنتم من القاعدة يا إرهابيين يا كلاب، وسباب وقح أستحي أن أذكره، ثم عروني وعروا الإخوة المعتقلين من الملابس التي كانت قد تمزق أكثرها من شدة الضرب ثم صورونا وفحصونا وباتت دمائي في كل مكان ووجهي منتفخا من الضرب والكدمات والجراح في كل جسدي وكل هذا مصور بكاميرا الفيديو ويوجد لي صور وأنا في هذه الحالة ولقد أراني أحد المحققين بعضاً منها في إحدى جلسات التحقيق اللاحقة وأنا في كوبا، وكنا ممنوعين من الكلام والشكاية والذي يشتكي منا يضرب ضرباً مبرحاً، وقد كان أكثر الضرب مركزا على الأماكن الحساسة مثل العينين والأنف والعورة، ثم أخذونا إلى مبنى حديدي قديم كان مصمما لصيانة الطائرات في المطار وقد قسموه من الداخل لعدة أحواش مسيجة بالأسلاك الشائكة وأدخلونا كل مجموعة في قسم من أقسام الأحواش التي أشبه ما تكون بأحواش الغنم، وكان الجنود أثناء أخذي إلى هذا المكان من الخيمة يضربونني ضرباً شديداً ويرطمون رأسي في المبنى الحديدي، ولم أكن لابساً حذاء فكنت أسير حافي القدمين على الأرض فكانوا يرغمونني على المشي على الأسلاك الشائكة، ولما دخلت إلى ذلك المبنى الحديدي كان قد دخل الفجر فصلينا الفجر وصليت أنا جالساً من شدة ما نالني من إرهاق وتعب شديد وجراح، وفي المبنى كانوا مسلطين أنوارا عالية علينا بحيث لا نرى الجنود الذين كانوا في أماكن عالية داخل المبنى وكانوا إذا أي أحد منا تحرك يصرخون علينا بالأصوات العالية والتهديد وبعد قرابة الساعة أو يزيد بدأوا يأخذوننا فرداً فرداً إلى خيمة التحقيقات، وكانوا عندما يريدون أخذ أحدنا يأمروننا بالانبطاح على بطوننا على الأرض ثم يقيدون أيدينا للخلف وعندما جاء دوري أخذني جنديان وأنا حافي القدمين وأخذوا يضربونني قبل أن أقابل المحقق ويرطمون رأسي في المبنى الحديدي ويرغمونني على السير على الأسلاك الشائكة وكانوا يرفعون يدي المقيدتين من خلف ظهري يرفعونهما لأعلى حتى كادت تنخلع أكتافي ولما دخلت إلى خيمة التحقيق وجدت فيها اثنين أمريكيين أحدهما أبيض والآخر أسود. فقلت لهما لماذا تعذبونني من أنتم حتى إنكم لم تبدأوا التحقيق معي ماذا تريدون مني، أعطني ورقة وأنا أوقع على بياض بما تريدونه فقال لي: لا يوجد هنا تعذيب ولا يوجد ضرب وهو يرى حالتي؟ فبعد أن أنهى التحقيق معي، خرج ولم أره بعدها ثم رجع الجنود لضربي من جديد وأخذوني إلى مكان كان فيه زجاج مهشم فأرغموني على المشي عليه حافياً ثم دفعني أحد الجنود من الخلف فسقطت على وجهي وعلى الزجاج المهشم وحفظ الله عيني من الزجاج المهشم فقد كانت هناك عدة حالات وإصابات في الأعين من المعتقلين. فقد فقد أكثر من ثلاثة إخوة من المعتقلين أعينهم. كان الجنود يتعمدون إصابة العين فكانوا يرمون هؤلاء الإخوة المعتقلين الذين فقدوا أعينهم يرمونهم على وجوههم وهم مقيدو الأيدي للخلف فيسقطون على إما حجر أو زجاج أو غيره فتنفقىء العين ولله المشتكى. وأما تكسير الأنوف فكان أكثر من أن يحصى وأنا أحد من انكسر أنفه بسبب الضرب.
ثم أرجعني الجنود إلى مكان خارج المبنى الحديدي في مربعات من الأحواش مسيجة بالأسلاك الشائكة فطرحني الجنود على الأرض بوحشية ثم بدأوا يحضرون من انتهى من التحقيق إلى تلك الأحواش المسيجة بالأسلاك الشائكة وكان أحد الجنود الذي أحضرني يضربني وكنت بحالة سيئة جداً فقلت له أريد طبيباً، فنظر لي شزرا وقال: طبيب نحن أحضرناكم إلى هنا لكي نقتلكم وصرخ في وجهي وقال: لا تتكلم مرة أخرى، ثم وقت الظهر أخذوني إلى مربع من الأسلاك الشائكة وسطه خيمة ليس لها رواق إنما سقف خيمة وعمدانها من خشب وفيها تقريبا ما بين العشرين والخمسة والعشرين من الإخوة المعتقلين وهذه هي صفة الخيام في قندهار. وعندما رأيت الإخوة المعتقلين في الخيمة أحسست ببعض الراحة، لأني وجدت معظمهم قد حصل له ما حصل لي. وكانت أكثر ملابسنا ممزقة من كثرة الضرب وكنا ممنوعين من الكلام وأعطوا كل واحد منا بطانية "فراش" وأخرى "لحاف". ومعلوم أن جو قندهار شديد البرودة في الشتاء، ومنعونا من الوضوء للصلاة ومن الغسل وكانوا يعطوننا فقط قارورتي ماء في اليوم والليلة مع كل وجبة وهذه القوارير من منتجات الإمارات والبحرين. وكان الجنود دائماً يرددون كلمة حملات صليبية أو حروب صليبية مقدسة أو شيء من هذا القبيل وكذلك يرددون كلمة "حرب مقدسة" وكانوا كثيراً ما يسبون الله رب العالمين ويسبون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأقذر الشتائم ولقد أحضر مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر نسخاً من القرآن الكريم من طباعة باكستان، فكان الجنود يهينون القرآن الكريم إهانة عظيمة ويرمونه على الأرض أثناء التفتيشات على الخيام وكانوا يعطوننا سطولا لقضاء الحاجة فيها فلما تمتلئ تلك السطول بالقاذورات من غائط وبول تفرغ في براميل كبيرة تنقل تلك البراميل إلى خارج المعسكر وفي إحدى المرات جاء أحد الجنود وبيده نسخة من القرآن الكريم وقال: إن هذا قرآنكم المقدس - بالإنجليزية - ثم رماه وسط السطل وهو ممتلئ بالغائط والبول وهو يقهقه ويضحك ولقد تكررت هذه الحادثة مراراً. ولقد رأى ذلك كل من كان هنا من المعتقلين وخاصة الذين كانوا معي في نفس الخيمة وغيرهم من خيام أخرى وفي إحدى المرات وأثناء تفريغ السطول في البراميل رأينا في أحد البراميل نسخة من القرآن العظيم تطفو فوق الغائط والبول والقاذورات لا حول ولا قوة إلا بالله وبما أن المصاحف كانت تفتش يومياً بطريقة بشعة وترمى على الأرض فقد كانت المصاحف تتمزق بسرعة ثم يرميها الجنود في الزبالة - أمام أعيننا - وكم من مرة وجدنا نسخاً من القرآن الكريم عليها طبعات أخذية الجنود وبعضها فيها عبارات نابية وفاحشة من سباب وشتائم بالإنجليزية ولقد رأيت كيف جاءت إحدى المجندات أثناء تفتيش الخيمة وكيف رمت القرآن الكريم على الأرض ثم أخذت تفتش بحذائها ثم ركلته إلى زاوية الخيمة. وكذلك كان الجنود يفعلون في قاعدة باغرام حيث كانوا يلعبون بالقرآن الكريم مثل لعبة كرة القدم. وكذلك لقد رأيتهم بنفسي في قندهار يأخذون نسخاً من القرآن الكريم ويمزقون منه أوراقا وينظفون ويلمعون أحذيتهم بها وكذلك يمزقون منه الأوراق وينظفون بها السطول من الغائط والبول العالق بها... ولقد فعل هذه الأمور عدة جنود. ولقد شاهد تلك الأحداث كثير من المعتقلين.