سورة إبراهيم من السور المكية ذات الوحدة الموضوعية البارزة حيث يدور رحاها حول ترسيخ رسالة التوحيد باعتبارها دعوة الرسل أجمعين، ولقد كانت الوحدة الموضوعية لهذه السورة من مظاهر الإعجاز القرآني لغةً وموضوعًا وأسلوبًا ومنهجًا جليةً واضحةً لمن تدبر فيها.
" الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " (1)
في ذكر "العزيز الحميد" بعد ذكر الصراط الموصل إليه، إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله ،قوي، ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره ،حسن العاقبة .
تيسير الكريم الرحمن
" الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ " (3)
وهذا المعوِّق - حب الدنيا على الآخرة - يمكن اعتباره في الحقيقة الداء الأصيل لكل من وضعأمام الدعوة عائقًا أو اعترض طريقها بعقبة أو نحوها، فالذي يعمل للدنيا يتخبط في كل أوديتها ويسير وراء كل هوى، فكلما عارض الشرعُ ودعوةُ الحق هواه أخذ يضع من العوائق والعقبات ما يحجب دعوة الحق عنه لتخليَّ بينه وبين هواه.
أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورةإبراهيم
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " (4)
ونزول القرآن بلسان عربي إيذان بأن الله جل جلاله سيحرس اللغة العربية إلى يوم القيامة ،ويرد عن حماها كيد كل متآمر حقود على القرآن والإسلام، وهذا ما أثبتته الأحداث عبر القرون المتتابعة ،فقد انقرضت لغات رغم حرص أهلها عليها، وبقيت اللغة العربية رغم تفريط أهلها .
من لطائف التفسير
" يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ " (17)
يتغصصه ويتكرهه أي يشربه قهراً و قسرا لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد،
كما قال تعالى: " وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ " الحج :21
تفسير ابن كثير
" مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ .... " ( 18)
في تشبيهها بالرماد سر بديع، وذلك للتشابه الذي بين أعمالهم ،وبين الرماد في إحراق النار وإذهابها لأصل هذا وهذا ،فكانت الأعمال التي لغير الله، وعلى غير مراده طعمة للنار ،وبها تسعر النار على أصحابها، وينشئ الله سبحانه لهم من أعمالهم الباطنة ناراً و عذاباً. فهم وأعمالهم وما يعبدون من دون الله وقود النار.
بدائع التفسير -باختصار
" وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ .... " (21)
من اللطائف البلاغية في الآيات : تنوع الأساليب فيها على حسب أصحابها، فالضعفاء في أسلوبهمانكسار كما كان حالهم من المذلة في الدنيا، والجملة التي يقولونها تعكس ذلك الانكسار: " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ " ، أما الذين استكبروا ففي أسلوبهم ضيق وسآمة كما كان فيهم أيام الحياة ضيق وسآمة ،واستمع إلى الجملة التي يقولونها طافحة بذلك الضيق: "لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ " .
من لطائف التفسير
قال قتادة في قوله تعالى : " مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ " (31 )
فلينظر رجل من يخالل؟ وعلام يصاحب؟ فإن كان لله فليداوم، وإن كان لغير الله فليعلم أن كل خلة ستصير على اهلها عداوة إلا خلة المتقين : " الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " الزخرف (67 )
الدر المنثور 5/43
كان الحسن البصري يردد في ليلة قوله تعالى: " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا " (34)
فقيل له في ذلك ؟! فقال : إن فيها لمعتبرًا، ما نرفع طرفًا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر! .
الدر المنثور 8/560
" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً .. " (35)
المربي الناجح هو الذي يتخير لناشئته البيئة الصالحة التي تعزز فيهم التزام أمر الله وتعين عليه، وتنفرهم من مخالفة أمره ولا تروج لباطل أهل الزيغ، تأمل معي الإشارة إلى هذا في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَاالْبَلَدَ آمِنًا }، قلت: وأي أمنٍ أعظم من أن يعلو صوت التوحيد فلا يسمع صوت سواه، ولا يضر بعد ذلك أن يكون المكان { غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } طالما أن كلمة التوحيدظاهرة وبيئة التربية صافية نقية لا صولة للشيطان فيها ولا جولة.
أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورة إبراهيم
*،،*،،*،،*،،*،،*،،*،،*،،*
" وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ " (35 )
كان إبراهيم التميمي يقول : من يأمن البلاء بعد الخليل حتى يقول: " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ " .
أيسر التفاسير
عن السدي في قوله تعالى: " فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ " (37 )
قال : خذ بقلوب الناس إليهم، فإنه حيث يهوى القلب يذهب الجسد، فلذلك ليس من مؤمن إلا وقلبه معلق بحب الكعبة.
الدر المنثور 8/560
تأمل سر اختيار القطران دون غيره في قوله تعالى: " سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ " (50 )
وذلك – والله أعلم – لأن له أربع خصائص: حار على الجلد، وسريع الإشتعال في النار، ومنتن الريح، وأسود اللون، تطلى به أجسامهم حتى تكون كالسرابيل! ثم تذكر – أجارك الله من عذابه – أن التفاوت بين قطران الدنيا وقطران الآخرة، كالتفاوت بين نار الدنيا ونار الآخرة.
انظر الكشاف 3/294
~ حفظكم الرحمن من كل سوء ،، وأدامـ عليكم نعمه ~*