السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع منقول من موقع آخر للاستفادة بعنوان:
الإصلاح الحقيقي (مقال في الصميم)
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فإن الحديث عن الإصلاح شيق وممتع ، لشرفه وشرف مادته ، وشرف القائمين به ، وشرف أثره على العامة والخاصة ؛ في الدنيا والآخرة ، ولعله من المناسب السيطرة على هذا الموضوع المتشعب في الإجابة على عدة أسئلة رئيسية تميط اللثام عن محياه الجميل :
أولها : ما هي حقيقة الإصلاح ؟
الإصلاح إزالة الشقاق والنفار بين المرء وبين غيره سواء أكان ذلك الغير الشريعة أم الأشخاص أم غير ذلك ، وهو ضد الإفساد ، والفساد هو الخروج عن تعاليم الكتاب والسنة النبوية بالترك أو التبديل أو الزيادة أو النقصان أو المضاهاة قال الله تعالى : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) . [الأعراف/56]، والإصلاح الحقيقي هو الذي يجعل الإنسان يفعل الخير سجية بغير تكلف بحيث يلين لذلك قلبه وتنقاد له جوارحه ، حينها يقال فلان صالح والفئة الفلانية صالحة إذا كان علماؤها وحاكمها وجميع أفرادها كذلك .
الثاني : ما مدى الحاجة للإصلاح ؟
إن الإصلاح حاجة ضرورية للبشرية قديماً وحديثاً ، تصحح به مساراتها الدينية والدنيوية كلما اعوجت عن الصراط المستقيم ، ومن أجل الإصلاح بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب مثال ذلك ما حكى الله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام وعمله في إصلاح قومه حيث قال تعالى : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) . [هود/84-88]. ولن تتوقف الحاجة للإصلاح ما دام أن الإنسان لا يمكنه الثبات على حال لجواز الخطيئة والذنب عليه ، كما في حديث الترمذي في السنن - (ج 9 / ص 39) عَنْ أَنَسٍ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) . وما يقال هنا في حق الواحد يقال في حق الجماعة ، كما قال الله تعالى : (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) . [النمل/48] .
الثالث : ما هي مادة الإصلاح ؟
المادة التي يكون بها الإصلاح عند المسلمين كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما العصمة من الفساد كما جاء في صحيح مسلم - (ج 6 / ص 245) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) .
الرابع : من المسئول عن القيام بالإصلاح ؟
القيام بواجب الإصلاح مسئولية الجميع يصلحون أنفسهم ويصلحون غيرهم على تفاوت في عظم المسئولية ، كما قال تعالى : (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) . [هود/116، 117] . وقد يزعم الإصلاح غير أهله الساعين بالفساد في أنفسهم وغيرهم كما كان الحال عن المنافقين في الصدر الأول ، وكما هو الحال الآن من صنيع دعاة التغريب والعلمنة ، وشيعة السلاطين الظلمة ، كما قال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) . [البقرة/8-14].
الخامس : من أين نبدأ بالإصلاح ؟
كل مكان فيه فساد أو إفساد فهو مكان للإصلاح ، والناس يتفاوتون في البداية بالإصلاح ، والصواب النظر إلى مكان الإصلاح وتقسيمه إلى قسمين :
الأول : الإصلاح على مستوى الفرد ، وأنفعه ما كانت البداية فيه بالسعي في صلاح القلب مرة بعد مرة ، فصلاح القلب صلاح الجوارح ، وهذا الهدي هو الهدي النبوي في الإصلاح ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 90) عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ) .
الثاني : الإصلاح على مستوى الأمة ، وأنفعه ما كانت البداية فيه بالسعي في صلاح العلماء والحكام ، فصلاحهم صلاح للأمة وفسادهم فساد للأمة عموماً ، وفي شعب الإيمان للبيهقي - (ج 4 / ص 335) عن أبي بكر الوراق قال : « الناس ثلاثة : العلماء ، والأمراء ، والقراء ، فإذا فسد الأمراء فسد المعاش ، وإذا فسد العلماء فسدت الطاعات ، وإذا فسدت القراء فسدت الأخلاق » .وهذا يؤيده الشرع والعقل والحس ولله در ابن المبارك حين قال :
وهل أفسد الدين إلا الملــــوك*** وأحبار سوء ورهبانها .
لفتة حسنة للمصلحين :
وها هنا لفتة حسنة لدعاة الإصلاح المخلصين في الشعوب الإسلامية مفادها أصلحوا الأنظمة تصلح الشعوب .
نداءات الإصلاح :
أيها المصلحون أن انشغالكم بإصلاح الشعوب دون الأنظمة فيه بعد عن إدراك الصلاح لما للأنظمة من قدرة على إفساد الرعية وإصلاحها بموجب الحدود والتعزيرات ، ووسائل الإصلاح والإفساد .
أيها المصلحون إن موافقة الأنظمة أو تغافلها للإفساد أو عجزها عن كف شروره عن الأمة ، مكَن للفساد وشجع عليه ، ورفع من مكانة أهله ، وإن انحسار إصلاحكم في الرعية أمر لا يمكن حصوله والواقع خير شاهد فكم من صالح تراجع عن صلاحه !! وكم من مؤسسة صلحت فانقلبت على عقبيها تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً !!
وصدق الأول حين قال :
متى يبلغ البنيان يوماً أشده*** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم .
أيها المصلحون سلوا أنفسكم من الذي جعل الناس تستخف بالشريعة وعلمائها والحسبة ورجالها ؟ ومن الذي فتح باب المجون على مصراعه ؟ ومن الذي حصر الصحافة والإعلام لكل ناعق وناعقة ؟ ومن الذي جعل كثيراً من معالم الهدى تتوارى عن المناهج ودور التربية والتعليم ؟ ومن الذي يسوق الناس للأنظمة الغربية طوعاً وكرهاً ؟ أليست تلك الأنظمة الحاكمة للشعوب الإسلامية والله المستعان ، ولله در الأول حين قال :
إذا كان رب الدار بالدف ضارباً*** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص .
بقلم د. أحمد بن سعد ين غرم الغامدي
(يُرجى العزو إلى شبكة القلم الفكرية عند نشر الموضوع في موقع آخر)
نقله لكم اخوووووكم:
صااااالح الجزااااائري